الكلمة الحرّة

بقلم
شكري سلطاني
تعليم المحكومين
  إتّسم تاريخ الدّولة ودور السّاسة ورجال الدّولة في صياغة واقع البلاد والعباد مع ظروف موضوعيّة خدمت ذاك وذلك لحساب ذاك ولمنفعة ذاك والإضرار بذلك مع ما تعني التحالفات سوى الحزبية أو الإقليمية أو الدولية  من تحقيق الحالة وتثبيت المقام، وكان الشعب في خضم ذلك كله وقود وأدوات إستهلاك  لما هو موجود بما هو موجود حتى يبلغ الشئ حدّه فينقلب إلى ضده كما يقول «باولو فرايري» في كتابه تعليم المقهورين «إن يقظة الحسّ النقدي تؤدي بالضرورة إلى إظهار الرّفض الجماعي الذي  هو أثر من آثار مجتمع القهر « فينتفض المهمّش العبد  المتحلّي على السيّد المتجلّي وتكون نهاية مع بداية تستحكم فيها ظروف وآليات تغيير ترتبط بمستوى وقدرة ونضج الفاعل المستلب المنتفظ الذي يطمح للتّغيير وتحدد الملامح والصورة النهائية للمسار السياقي والزمني لبنية الدولة ووظيفتها بتفاوت وتعادل القوى بين مستويات سياديّة ومستويات عبوديّة ممن إنتهز وأستفاد واغتنم وممّن تيقّظ وفهم وتبصّر فسار في درب الأسياد الحاكمين وتخلى الشعب عن دوره في الرّيادة وانحنى لقوته اليومي وعاداته المترسّخة فتبقى الرّحى تدور على حالها ويلتصق العاطفي بالمادّي واليومي فيفرز مسار الشعب وطبقة الكادحين والمسحوقين وبتفاوت الفرص وإقتسام الغنائم يزيد إستلابه وغريته وقهره. 
لذلك وجب على الشّعب إن أراد أن يمارس سيادته ويكون السّيد الذي يمارس سلطته أن يتوحّد ويتسلح بالوعي وأن يكون بصر ببصيرة وأن لا ينخدع وأن يعلم أن الشجاعة صبر ساعة لتحقيق أحلامه ورؤاه «العدل أساس العمران والشورى أمركم بينكم» وذلك معنى التجانس في المبادئ والغايات.المناخ الحرّ والديمقراطي والأمانة والمسؤولية كلها رديف الإنجاز والنّصر نتيجة لقراءة جيّدة وتحليل ضافي وشروط موضوعية وإضافات إبداعيّة وتوفيق بين حقّ وحقيقة.
يتحدد السلوك والمسار بقيمة الفكر والعقيدة والتفاعل بين الواقع بفهم المرحلة وما يعيق دائما ظلمات الوهم وطموحات الموهوب. فلو تجرّد ذا بذالك، لأمكن التّجاوز. فمن ظلمات الوهم إلى نور الفهم ومن ظلمات الإنفعال إلى نور الحكمة ومن ظلمات الطمع إلى نور الورع ومن ظلمات الظّلم إلى نور العــدل ومن ظلمـــات الأنانيّــة إلى نور الإيثار  ومن ظلمات الباطل إلى نور الحق ومن ظلمات المثاليّـــة إلى نور الواقعية ومن ظلمات الذّاتية إلى نور الموضوعيّــة ومن ظلمات المطلــق إلى نـــور النسبــي، فاللّه أخرجنــا من الظلمات إلى النــور. «إنما تقوم الحياة على الروح العملية التي تضع كل شيئ معنـــاه الصحيـــح الثابت والوهم لا تقوم عليه الحياة ولا تصلح به.» كمـا أن هاتــه النقلـــة النوعيــة من ثقافة العبــد إلى ثقافــة السّيد تنبني على معلمات ومؤشرات ودلالات التغيير والتحوّل من إطار معرفــي ومعاني جديــدة وعمليــات ذهنيــة وشبكــات دلالية لينبني ويتجلى مفهوم النقلة المنشودة إلى واقع الفعل والتأثير والتحدي والإستجابة، من إستهلاك الواقع والزمن إلى مرحلة إنتاج الواقع والزمن بكل ثقة وحرية وإبداع إٍرادة الفعل والصياغة والتأثير، فالدّنيا بحر إذن صيغة الإبحار من مفهومية حقة ومنظومة قيمية جليّــة وقاعــدة التجديف من سلوكيات حقيقيّة وتطبيقات جريئة واعية، فتتطابق إرادة الشعب مع إستجابة القدر.
إذا ارتسخ أسّ البناء القويم للدولة الجديدة المنشودة وتيقظ الحارس يقظة وإنتباه لحماية وإسناد الدولة الحرّة الديمقراطية، تأسّس مجتمع المواطنة والقانون والديمقراطية  فمن لا أسّ له ينهدم ومن لا حارس له يضيع. العدل أسّ والشورى حارس بهما فرحة الحياة وعزة ونمو الأوطان.   
-------
-  استاذ أول علوم الحياة والأرض
chokrisoltani@gmail.com