مقلات في التنمية

بقلم
نجم الدّين غربال
حاجتنا إلى تنمية شاملة
 لا تزال التجربة السياسية التي عقبت انتخابات 23 أكتوبر 2011 تلقي بضلالهـــا على نوعية علاقـــة المواطـــن بالسياســــة عمومــا و بـ «السياسيين» بصفة خاصة.
وما لم يختلف فيه عاقلان هو الخوف مـــــن عزوف النــــاس عن الاهتمام بالسياسة بما هي اهتمام بالشأن العام بشكل اختياري بعد أن تنافروا عنها قصرا في العهد البائد خاصة وأنّ مؤشرات عديدة تدلّ على توظيف سياسي رخيص للعمل الحزبي واستعمال للتّحزب مفضوح لا يخدم وحدة المواطنين حول رفــع التحديـــات التنمويـــة في مختلف مجالات الحياة مما أحدث عدم توازن ما بين التحزب  من جهة و منسوب التسيّس بما هو اهتمام عميق ومسؤول بمتطلبات المرحلة وحاجات المجتمع من جهة ثانية .
وإن كان منهج التوافق في الفعل السياسي قد ساعد في الفترة الأخيرة على إخراج البلاد من الاحتقان وتجاوز حالة «شدّ الحبل» من طرف الفرقاء «السياسيين» إلا أن قاعدته تضلّ هشّة نظرا لعدم تضمنها إرادة جلية و واضحة لمحاربة الفساد بنفس القدر الذي عايناه وثمنّاه في موضوع محاربة الإرهاب. 
أما تجربة عمل المنظمات والجمعيات في مجتمعنا طيلة نفس الفترة فالملاحظ أنها وإن تخلّصت الأولى من منهج توجيه السّلطة الحاكمــة أو الإسقاط في مستوى نشأة الثانية وكذلك الانقياد على مستوى الاهتمام والفعل، إلا أنّها لاتزال تراوح مكانها على مستوى الفاعلية ومحدودية الرّصيد البشري خاصّة بالنسبة للجمعيات فضلا عن تمحور اهتمامات الأولى في العمل المطلبي دون تناسب مع إسهامها التنموي وتركيز الثانية في نشاطها على البعد «الخيري» بالمفهوم الإعاني الإغاثي دون تمكيين القادرين على العمل من إخراجهم مــــن حالــــة الأخـــذ إلى مرحلة العطاء.
 ولايزال جلّهم بعيدين كل البعد عن الاهتمامات الإستراتيجية والمحاور التنمويّة التي تنتظر رصد كل الطاقات البشريّة و الكفاءات المهنية والفاعلين الميدانيين لذلك وجب التذكير أن للمجتمع المدني دوران أساسيان :
* الأول إسداء خدمات عبر وضع برامج تهدف لتطوير شروط الحياة الكريمة للسكان وكذلك الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية.
* الثاني أن يكون شريك في الحوار لبلورة السياسات وتقويمها بهدف عرض وجهات نظر فئات عريضة من المجتمع ومناقشة صناع القرار حول التوجهات الإستراتيجية للمجموعة الوطنية.
وما نراه حيويا اليوم ولا يحتمل التأخير هو استنفارا عاما سواء من قبل الفاعلين السياسيين أو الفاعلين الاجتماعيين وكذلك الإعلاميين والمهتمين بالمجال الثقافي والفني في اتجاه رفع التحديات التنمويـــة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك التربوية والتعليمية والثقافية وأيضا الإعلامية والفنية والبيئية وعلى كل المستوايات المركزية والجهوية والمحلية.
فالسياسة في بلدنا بحاجة إلى تنمية حقيقية تتخلّص من عقلية حزبيّة توظّف الأطر الحزبية لحشد الجماهير وراء اختيارات فردية أو فئوية وتستبدلها بأخرى تجعلها مؤسسات لصناعة القرار خدمة للشأن العام على قاعدة الشورى و بخلفية حضارية إنسانية.
كما أنها بحاجة إلى تنمية حقيقية على مستوى الخطاب عبر هجر الخطاب الشعبوي أو الشعاراتي التسطيحي و كذلك المتاجر بحرمان الفقراء وعذابات العاطلين عن العمل نظرا لأن «من يتخذ أكتاف الناس مركبا فسيكون السقوط حتما مصيره» فالحاجة تفرض على الجميع ركب سفينة المجتمع والأخذ على أيدي من يحاول أن يعيبها إلا عيبا يمنع أخذها غصبا ممن يتربص بها.
فعلى مجتمعنا أن يقود سفينته وهي تسير على أمواج الحرية نحو شاطئ يكون فيه أكثر توازنا وأكثر تضامنا وهذا المسار يهدف إلى إقامة مجتمع مندمج يشترط حسن استثمار طاقاته البشرية والطبيعية من جهة وتقوية قدرات جميع أفراده من جهة ثانية على التأقلم مع الاختلاف الموجود داخل المجتمع الطبيعي منه أو الثقافي من جهة وعلى مقاومة الإقصاء والتهميش سواء المالي منه أو الاجتماعـــي من جهة أخرى.
ولتحقيق هذه التنمية المندمجة كان لابد من شراكـــة حقيقيـــة بين القطاع العام والقطاع الخاص ومكونات المجتمع المدنـــي تهدف إلى الاعتناء بالصحة والتعليم الأساسيين لكل أفراد المجتمع والتقليل من الفقر والحرمان قدر المستطاع واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
 إن اقتصادنا بحاجة إلى تنمية تنطلق من وضع إستراتيجية له نحدد من خلالها رؤيتنا لمستقبله كأهداف قابلة للقياس و نصيغ ضمنها رسالته الاجتماعية التي تحتمها متطلبات المجتمع وتفرضها فشل  النماذج الاقتصادية المطبقة داخليا وخارجيا.
كما تستوجب هذه التنمية سواء السياسية منها أو الاقتصادية القيام بإصلاحات متنوعة و متعددة أهمها :
* إصلاحات هيكلية وإدارية تضمن الشفافية والحوكمة للحيلولة دون ثلاث: تجميع السلطة وعدم التوازن بين السلط ومركزية القرار وتقطع أيضا مع كل من ضعف أداء الإدارة وخضوعها لمركزية القرار وتبعدها عن التجاذب الحزبي و تكون في خدمة مشروع تنموي وطني منفتح ذو بعد اجتماعي و حسّ إنساني.
* إصلاحات جيو اقتصادية تعتمد الإقليمية وطنيا والاندماج مغاربيا والتكتلات عالميا.
 و في هذا السياق نرى وطنيّا ضرورة إحداث تهيئة جديدة تقوم على أقاليم تنموية ومغاربيا حتمية الاندماج حتى نقدر على التكتل وعقد شراكات مع الاتحادات الاقتصادية والمالية الدولية والدخـــول في مفاوضات تجارية أو غيرها مع المنظمات العالمية دون أن نفقد قدرتنا التفاوضية حتى لا تضيع مصالح شعوبنـــا، و تمهيدا لذلك كان لابدّ من توفير شروط الاندماج المغاربي السياسية والتشريعية والإجرائية.
* إصلاحات اقتصادية ومالية وجبائية تشمل إعادة هيكلة هذه المجالات ومكوناتها ومهامها والتشريعات المؤطرة لها.
فهيكليا، نرى أن الهيكلة الاقتصادية التقليدية القائمة على قطاع عام و آخر خاص أثبتت التجارب محدوديتها إذا لم نقل أنها عكست زواجا غير شرعي بين الليبرالية والاشتراكية أنجبا من خلاله اقتصادا مشوها زادته التجاذبات الدولية تعقيدا لذلك نرى أن ما يروج له كإنقاض لهذا الزواج والذي أصبح يعرف بالشراكة العامـــة – الخاصة «PPP» ليس هو الحلّ بل الشراكة المتعدّدة الأطراف مابين القطاعات الموجودة ومكونات المجتمع المدني هي الضّامن لنقلة نوعيّة على مستوى تحمّل المسؤولية تجاه المجتمع.
 كذلك نرى أن الحاجة ماسّة اليوم إلى دمج بنوك عامة وكذلك أخرى خاصة إحداثا لأقطاب تمويلية تقدر على رفع التحديات التي تواجه نشاطاتها من ضعف في السيولة وهشاشة هيكلتها ومحدودية مردوديتها وتستعد أحسن استعداد لمواجهة التحدي الأكبر والمتمثل في الانفتاح المالي العالمي.
كما نحسب أن الأسواق المالية في حاجــــة إلـــى التطويـــر والنشاط التنموي يستوجب إنشاء شركات تمويل ومركز تمويل إسلامي يعتمد على قواعد وأسس جديدة تقوم على مبـــدأ المشاركـــة الذي تنتفــــي في إطــــاره التكاليـــف المسبقــــة  للتمويـــل وما يرتبط بها من شروط مجحفة وضمانات مرهقــــة ويساهــــم في الحفـــاظ على التوازنات المالية للاقتصاد ويبتعد في تعاملاته عن المديونية الربوية والمجازفات والبيوع الصورية والرهون الوهمية والمتاجرة بالوعود .
أخيرا و ليس آخرا مطلوب بإلحاح حلّ لمشاكل التهرّب الضريبي وإعادة النظر في صندوق الدعم حتى يحقق أهدافه وكذلك تعاونا وطنيا لوضع حدّ لتفاقم التجارة الموازية عبر مساعدة القائمين عليها في الاندماج في النشاط الاقتصادي القانوني.
---------
* صاحب شهادة وطنية لماجستير 
بحث «نقد - تمويل - تنمية»
najmghorbel@gmail.com