ثلاثة أسئلة إلى النخبة (3)

بقلم
د. مصباح الشيباني
ثلاثة أسئلة إلى النخبة (3)
 1
قراءتكم لما حدث في تونس 
بين 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011؟
     إن الحراك السياســـي والاجتماعـــي الذي عاشتــه تونــــس منذ 17 ديسمبر 2010 هو أهم حدث عرفته بلادنا منذ الإستقلال، ولكن ظلت أهدافه غير متجانسة مع ما انجازاته. لأن الشروط الموضوعية لهذه الثورة مثل: الاستبداد وغياب العدالة والديمقراطية والبطالة والتجزئة والاستعمار..) كلها مجتمعة كانت أسبابا لهذا الحدث، ولكن بقيت الشروط الذاتية لنجاح الثورة في تحقيق أهدافها غائبة. لقد كانت ثورة بلا رأس وبالتالي افتقرت إلى الوعي الثوري وإلى القيادة الثورية الموحدة. ولهذا، ونتيجة لهذا الغياب سرعان ما تمكنت قوى «الرّدة» في الداخل والقوى الإستعمارية المتحالفة معها من الهيمنة على المشهد السياسي والاقتصادي والاعلامي..الخ وأصبحت هي الموجهة للأحداث، والحال أنه لا يمكن لأي فعل ثوري أن يكون تلقائيا أو أن يخطط له من الخارج.
2
هل ترون أن النخبة التونسية قد نجحت 
في فهم مستحقات المرحلة وحققت بعضا منها؟ 
وهل نجحت في وضع البلاد 
على السكّة الصحيحة للإنتقال الديمقراطي؟
في ظل غياب القيادة السياسية والثورية الموحدة تحول المشهد التونسي وتمّ وأد الثورة وهي في المهد، ونظرا لعدم تحمّل الفاعلين السياسييـــن (المعارضة والحكومــة) وأنصار الثـــورة مسؤولياتهـــم التاريخية، ونظرا لتعاملهم مع الوضع  وفق منطق «الغنيمة»، وعوض أن يغيروا الأوضاع القديمة السيئة والمتهالكة، ساهموا في إعادة إنتاجها بشكل أكثر تعفنا على جميع المستويات السياسية والاعلامية والدينية والأخلاقيـــة. 
نعتقد أنهم جميعا لم يتمثلوا بعد معنـــى «الثـــورة» كفعل مفضـــي إلى التغيير النوعــــي في حيـــاة المجتمـــع. ومن تجليات هـــذا الفشـــل، ونتيجة غيـــاب معنى «المقدس» في الثــــورة لدى هذه النخبـة، هو ما تعيشه المنطقة العربية كلها منذ ثلاث سنوات من ظواهر لامعياريــة (غير سوية) اجتماعيــــا وسياسيـــا وإعلاميــــا  ومن عنف لفظــــي ومـــادي ورمــزي..الخ. فهذه النخبـــة من مختلف التيارات السياسية والحقول المعرفية، ساهمت كلها في تبخيس مفهوم الثورة لدى المواطن العادي حتى أن البعض أصبح يتأسف على فترة الحكم السابقة!
3
أي مستقبل ينتظر تونس؟ 
وكيف السبيل إلى تجنّب الفشل؟
 يقول المفكر الجزائري «مالك ابن نبي» عن سقوط بلادنا في قبضة الهيمنة الاستعمارية، ما كان ليتم لو لا وجود عوامل ذاتية وهي القابلية للإستعمار. لقد شاركت «النخبة» السياسية في تجذير ما تسمى بـ «الاستراتيجية التفتيتية» أي اعتمدت «فقه التفتيت» عوض فقه «التوحيد» بينها. وعوض أن تكون بوصلتها هي تحقيق أهداف الثورة كانت مصوبة نحو تحقيق مصالحها الحزبية والشخصية حتى تمكن أعداء الثورة من إعادة السيطرة على الحراك وتشكيل المشهد السياسي وفق أهدافهم،  وشكّلوا في ذلك خلايا نائمة في «المؤامرة الناعمة». لقد اتخذت المؤامرة أشكالا شد خطورة و «نعومة» مما كان يتصوره الكثيرون من المحللين والمتابعين، ولكننا نبهنا إليه منذ بداية الأحداث ومنذ أن تمّ تعيين «الباجي قايد السبسي» رئيسا للحكومة. وبدأت الأحداث والخطابات كلها تدل على عدائه للثورة واحتقاره لأهالي الشهداء منذ أن أنكر وجود القناصة في تونس. ومن أبرز تجليات هذه المؤامرة كانت:
1ـ الاصرار على تعيين وجوه سياسية من عهد الفساد والنظام السابق.
2ـ الرعونة في التسيير الداخلي للمؤسسات المنبثقة عن الثورة.
3ـ التردد الواضح والفشل في الاستجابة إلى مطالب الثورة.
4ـ تحريف أهداف الثورة، وغلبة الهامش على المتن.
5ـ عدم الجدية في تطهير الإدارات والهياكل المركزية من رموز الفساد وتقديمهم للمحاكمة....الخ
وقد نبهنا في إحدى المؤتمرات العلمية بالعاصمة تونس في شهر ماي 2011 إلى خطورة «تدويل» الثورات العربية وقد نشر بعض ما كتبناه في عدد من المجلات ووسائل الإعلام. 
  أعتقد أن الانقــلاب فـــي مســـار العمل الثوري لا يمكن تجنبه الآن بعد أن اعترفت حكومة «الترويكا» بفشلها في قيـــادة البـــلاد. وهذا الأمر دعّم حظوظ قوى الرّدة في التدخل بشكل مباشر وعلنـــي في هندسة الحراك السياسي في تونس ومكنها من تحديد نتائجه بالتعاون مع أعداء الأمة في الخارج. وبالتالي، لن يكون الوضع في المستقبل أفضل مما كان في السابق وهو مشهد «إحتلال وعملاء ...وفوضى وسفك دماء..».