الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد 42

ارتفعت وتيرة «الإرهاب» في بلادنا في الآونة الأخيرة وتنوعت أشكاله. وقد أحدثت العمليتان الإرهابيتان اللتان أحبطتا بكل من سوسة والمنستير يوم الاربعاء الفارط ومن قبلها الأعمال الإجرامية بقبلاط وبن عون وجبل الشعانبي زلزالا في نفوس المواطنين ورفعت نسبة الخوف لديهم وأصبح موضوع «الإرهاب» الشغل الشاغل للحكومة ومختلف الأطراف السياسية ومكونات المجتمع المدني وكل التونسيين.

ويعرّف «الإرهاب» بأنه كل عمل عنف متعمّد يرمي إلى إثارة «الرّهبة» والإحساس بالخوف لدى مجموعة ما من الأشخاص ويهدف إلى زجر الناس وتخويفهم وتوتير الأجواء بغية تحقيق أهداف بشكل يتعارض مع الطرق المشروعة والمفاهيم الاجتماعية الثابتة. وهو عمل في الغالب لاعقلاني تحرّكه إرادةُ التدمير ورغبةُ ممارسة العنف ويشكّل اغتصابا لكرامة الإنسان. 

وظاهرة «الإرهاب» في تونس ليست وليدة اليوم وتفشّيها هو نتيجة لتداخل عوامل عديدة، بعضها خارجية وأخرى داخليّة. ومن أبرز العوامل الخارجيّة ، تكدّس السلاح في دول الجوار وخاصّة ليبيا وانتقال بعض القوى السلفية من المشرق إلى مالي والنيجر والصحراء الجزائرية . وأمّا العوامل الدّاخليّة فأبرزها غياب ثقافة الحوار لدى التونسيين وخاصّة لدى النخبة بشقيها الديني والعلماني والعلل الذي تعاني منها المنظومة التربوية التونسية بالإضافة إلى فشل سياسات التنمية طيلة عشرات السنين وهشاشة الوضع الأمني بالبلاد غداة الثورة. ويرجّح  أن تكون بعض الأيادي الخفية الأجنبية والداخلية التي تستهدف ضرب المسار الانتقالي الديمقراطي في تونس هي التي تحرّك الجماعات الإرهابية لبثّ الرّعب في صفوف التونسيين وتخويفهم قصد جعلهم  يحنّون إلى العهد السابق بتعلّة أنه عهد أمن وأمان، خالي من «الإرهاب» وهذا أمر غير صحيح فحادثة تفجير الدير اليهودي بالغريبة بجزيرة جربة وأحداث سليمان لم تحصل بعد الثورة وإنما حصلت في عهد بن علي. كما أن المدقق في سلسلة الأعمال الإرهابية التي حصلت ببلادنا في الفترة السابقة يستنتج أن لملف الإرهاب تعقيدات كثيرة. فإذا كان الجميع متأكدا أن المنفّذين هم من العناصر التكفيريّة المتشددة دينيّا، فإنّ اختيار مواعيد وطريقة تنفيذها وتنوعها حسب الوضع السياسي واستهداف السياحة يؤكّد أن من يحرّكهم يعمل حسب أجندة سياسية دقيقة ومن أجل هدف واضح يتمثّل في بث الفتنة بين التونسيين وإفشال تجربتهم الجديدة.

وليس «الإرهاب» ما تمارسه الجماعات التكفيريّة المتطرفة فقط وليس استعمالا للقنابل والرصاص والقتل أو التفجير، فله أشكال متعددة ومتنوعة. يمكن أن يكون «الإرهاب» بالرشاش ويمكن أن يكون باليد أو بالقلم أو بالكلمة. فما تمارسه بعض وسائل الإعلام من خلال تهويل الأوضاع وبثّ الإشاعات المغرضة هي أعمال إرهابية بامتياز. وما أتته مؤخرا بعض المجموعات من تخريب واعتداء على مقرات أحزاب معارضة لها هو عين «الإرهاب» أيضا وما يأتيه بعض السياسيين في «بلاتوهات» التلفزيون وعلى أعمدة الصحف من تحريض على منافسيهم يدخل أيضا في باب «الإرهاب» ويغذّيه.

إن «الإرهاب» آفة لابدّ من مقاومتها. ومقاومتها لا تتم فقط بتعزيز القدرات الأمنية للدولة فهذه ضرورة أثبتتها الأيام ولكن أيضا بتغيير المنوال التنموي الظالم الذي كان سائدا طيلة العقود الماضية بمنوال تنموي يعدل بين الجهات ويقاوم الفقر والجهل في آن. كما أن الانتصار على «الإرهاب» واستئصاله، يمرّ عبر الاجتهاد في فهم أسبابه وأهدافه ومعرفة طبيعة الجذور التاريخية والسوسيولوجية والإيديولوجية والسياسية التي تغذِّيه من جهة وتعزيز مناخ الحريّات وخاصّة حريّة التعبير ودعم ثقافة الحوار وارساء وحدة وطنيّة حقيقية فذلك من شأنه أن ينزع فتيل تفاقم الأعمال الإرهابية.