الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد 39

 بسم الله الذي خلق الانسان علّمه البيان والصلاة والسلام على خير الأنام

يطفو على الساحة في مفتتح كل سنة دراسية جديدة، الحوار حول منظومتنا التربوية ومدى امكانية الاستفادة من الحالة الثورية للبلاد لمعالجة هذا الموضوع معالجة عميقة وجذرية بتقييم الموجود ومراجعة منطلقات وأهداف المنظومة التربوية الحالية وتحديد مواقع الخلل والعلّة فيها ونقد آليات عملها وخطط تنفيذها ومن ثمّ تقديم مقترحات عمليّة من أجل بلورة منظومة بديلة تكون محركا للتحول المجتمعي الذي نطمح إليه بعد الثورة وتساعد على اصلاح واقعنا وعلى تلبية مطالب الشعب المتطلع إلى الحرية والكرامة والعدالة. 
 ولدت المنظومة التربوية في تونس عليلة لأنها لم تكن نابعة من ذات المجتمع وقيمه وعاكسة لشخصية أبنائه لكنها حققت بعض الأهداف التي رسمها أصحابها كارتفاع نسبة التمدرس وانخفاض نسبة الأميّة وتخريج جيل كفل تَوْنَسَة المؤسسات والإدارات والمنشآت العمومية. وقد شهدت هذه المنظومة بعد الانقلاب على بورقيبة عمليات تدمير ممنهج طيلة 23 سنة كاملة تحت مسميات الاصلاح التربوي الذي لم يكن في حقيقة الأمر سوى توظيفا لتصفية حسابات سياسية وأيديولوجية ومحاولة لتركيع الشعب واستحماره.
بعد نحو سنتين وتسعة أشهر من قيام الثورة التونسية، يمكن القول أن المنظومة التربوية حافظت على شكلها العام من حيث المناهج على الأقل، وكان أكبر «إنجاز تربوي» حققته الحكومات المؤقتة هو حذف صور بن علي وزوجته وكل ما يتعلق بـ 7نوفمبر واقتلاع الحشو الحزبي الذي كان مبطناً في الكتب المدرسية. 
إن الاستمرار في العمل بالمنظومة الحالية سيعود بالوبال على الأجيال الحاضرة والقادمة وستكون نتائجها وخيمة على المسار التنموي الذي تطمح إليه البلاد. ولهذا فإن إعادة النظر في المنظومة التربوية يعتبر أمرا حيويا واستراتيجيا وبناء منظومة جديدة هو من الأولويات التي يجب على جميع التونسيين العمل على تحقيقه. وفي تقديرنا، فإن مهمّة مثل هذه تتطلب تكاتف جهود كلُّ المتدخّلين في الميدان التربوي والتعليمي من وزارة إشراف ومربّين وإداريين ومتفقدين وبيداغوجيّين وتلامذة وأولياء ومختصين اجتماعيين ونفسيين واقتصاديين. وهم مدعوون بعد عمليات تقييمية وتشخيص علميّ رصين للوضع التّربوي يشارك فيها الجميع حسب الاختصاصات والموقع، إلى المشاركة في استشارة وطنيّة لا وصاية عليها من أجل إصلاح المنظومة التربويّة، ينبثق عنها مجلس أعلى للتربية تكون من مهامه بلورة مشروع تربويّ بديل يقطع مع المنظومة السابقة التي تكرس الاستبداد والاستلاب الحضاري ويتولّى رسم السياسات الاستراتيجية في مجال التربية وفق قيمنا وإمكاناتنا وواقعنا وآفاقنا، ويؤسس لمشروع تربوي متأصّل في خصوصيّتنا الثقافيّة ومتشبّع بقيمنا الإسلامية والعربيّة ومتفاعل إيجابيا مع القيم الإنسانية 
إن تحقيق هذا المطمح يتطلب توفر الروح الوطنية العالية لدى كل الأطراف المتدخّلة في عملية البناء التربوي الجديد وفتح حوار عميق بينها والتمسّك بمبدأي الحرية والديمقراطية لأنه بدونهما لا يمكن أن ترى المنظومة المنشودة النور ولن  يولد جيل البناء والتقدم والرقي .