قبل الوداع

بقلم
لطفي الدهواثي
رسالة إلى فخامة الرئيس

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اسمحوا لي بداية بالتنويه إلى كوني تعمدت نعتكم بالفخامة مع يقيني الراسخ بأنكم لا تحبذون هذا النعت وربما اعتبرتموه من موروث الدكتاتورية، ولكن لتأكيد أنه ما من أحد من المخلوعين استحق هذا اللقب وأنكم باعتباركم رئيسا منتخبا يليق بكم حقيقة كل ما يليق بالمنصب السامي. ولا شك أن الذين يتعمّدون وصفكم بالمؤقت، إنما يفعلون ذلك تحقيرا للبلد وللشّعب الذي أوصلتكم إرادته إلى سدّة الرئاسة. ونحن ياسيدي، شعب ذوّاق فيما يقال عنا، نعرف بالبديهة أن الفخامة لا تتأتي للمرء إلاّ من الصدق والمروءة والهمّة والثقافة واحترام الناس وانظروا فقط إلى الثمن الغالي الذي دفعه هذا الشعب من أجل الحصول على رئيس مثلكم يصبغ عليه هو لقب الفخامة نكاية في الذين كانوا قبل ذلك لا يتوانون عن لعق حذاء الحاكم ويصفونه بما لا يمكن أن يكون فيه.
سيدي، لقد صدع الإعلام الموبوء بداء الدكتاتورية والتملق آذاننا بمعزوفة الصلاحيات مسنودا من قلة من أدعياء المعرفة ولعلكم لاحظتم أن الناس لم تعر هذا الأمر أي اهتمام مدركة بحسها أنكم تستطيعون التسامي عن هذا ا كما فعلتم دائما وأنه بوسعكم فى هذا الظرف العصيب أن تنقذوا الوطن نهائيا من كل هؤلاء المتربصين فأنتم بعد استقالتكم من منصبكم الحزبي أصبحتم فوق الأحزاب كلها لا تنتمون إلا لهذا الوطن والفيصل في هذا لا هو الدستور الصغير ولا هي المعارضة التي لم تعترف بشيء من مخرجات الثورة أصلا، وإنما هو الشعب الذي لا تهمّه تعقيدات المناصب وإنما تهمه مصلحة الوطن وهو وحده من يمنحكم آفاقا واسعة للتحرك والفعل.
سيدي، لست في حاجة لأن ألفت انتباهكم إلى كون الناس فى الغالب الأعم قد أنسوا للثورة وباتوا يدركون حقيقة الأشياء التى تغيرت في حياتهم وأن هناك فرقا جوهريّا بين امتلاك الإنسان لإرادته الحرّة وبين الغاءه تماما من معادلة الوطن وأن الحياة فى وطن تشعر فيه بالكرامة والحرية وتستطيع فيه التعبير عن رأيك والمشاركة بالطريقة التى تناسبك فى كل شأن من شؤونه هي غير أن تكون فى وطنك مسلوب الإرادة لا تستطيع أن  تفتح فمك إلا عند طبيب الأسنان كما يقال وهو غير أن تكون مقموعا جبانا تخاف أن يتخطفك الزبانية أو تهوي بك المحاكم في مكان سحيق. أصبح لدى الناس حسّ مدني يعظم يوما بعد آخر ورغبة في استعادة الوطن ممن اختطفوه واستباحوا خيراته ولم يعد بوسعهم أبدا أن يعودوا القهقري إلى الأيام الخوالي ومن ثم فإن الثورة تتحصن مع الزمن ضد كل  المارقين والسارقين والمتربصبين بها شرّا مستندة في ذلك الى شرعية شعبية ما تنفك تتعاضم .ولكن الركون إلى الشرعيّة الشعبيّة والحسّ المدني والتأكيد في كل المناسبات على أن الزمن في صالحنا ليس هو دائما المدخل الموضوعي لمقاربة الأشياء عند النخبة وعند العامة أيضا، إذ أننا كلما أغرقنا في التفاؤل كلما ازداد أعداء الثورة تمكنا منا. 
سيدي، إنّ كل ما ذكرته آنفا إنما كان بهدف التساؤل كما الصادقين في هذا الوطن إلى متي سنضل خائفين على الوطن وعلى الثورة وكم من الإنقلابات الفاشلة سوف نعدّ حتى نصحو على انقلاب ناجح ؟وهل فى كل مرة تسلم الجرة؟
نحن لسنا دعاة فتنة أو احتراب أهلي ولكن القراءة الموضوعية لواقع البلد وحاله تجعلنا متأكدين أن البلد ليس منقسما نصفين كما يشاع ولا هو مهدّد بحرب أهليّة وإنّما هو بلد فى حالة مخاض، الصراع فيه بين قلّة حكمت أو استفادت من الحكم زمن المخلوعين، وأكثرية كانت على الهامش أو تسام سوء العذاب. وأن هذا الصراع سيزداد اشتعالا كلما اقتربت الثورة من انجاز استحقاقاتها وأن الشعب لم يبخل على الثورة فى كل المنعطفات بالمساندة، فحري بكم حينئذ يا فخامة الرئيس أن تأخذوا إرادة الشعب قبل كل شيء بعين الإعتبار عند الحوار مع هذه القلة المتعالية على الناس وإرادتهم وأن تدركوا قبل فوات الأوان أن إرادته ودعمه هي من حمى الثورة من كل المتآمرين ونحن لا نريد منكم أن تخرجوهم من دائرة الحوار ولكننا لا نريد أيضا أن يكونوا من القائمين على هذا الحوار يفرضون الشروط قبل وبعد بدءه، رغم  أن الإرادة الشعبية قد حسمت أمرهم فى أكثر من مناسبة.
إن موقعكم الآن فى أعلى الهرم وماضيكم النضالي ومعرفتكم بماضي النخب وحاضرها وإدراككم للمخاطر المحدقة بنا جميعا، لا بدّ أن يحملكم مسؤولية أكبر فى الحفاظ على البلد والوصول به إلى برّ الأمان عبر انتخابات حرة وأنتم من قلتم سابقا عن النظام المخلوع رئيسه، هذا نظام لا يصلح ولا يصلح، أفلا ترى يا سيدي أنه قد آن الأوان لتقولوا بشجاعتكم المعهودة أن بعض النخبة وبعض السياسيين المتعالين والمتآمرين على إرادة الناس يصحّ فيها ذات القول وأنها بحق لا تصلح ولا تصلح.
سيدي الرئيس، لا أدري إن كانت رسالتي هذه ستصلكم بطريق ما وما كتبتها إلا برجاء أن تصل وقد نكون نحن عامة الناس لا نعير تعقيدات الحكم ما تستحقه من اهتمام ولكن الكثير من الناس يشاركني القناعة أنكم داخل الثلاثية ومن يؤيدكم من الوطنيين الصادقين خارجها، تتحملون المسؤولية كاملة عن كل ما قد يلحق بالمجتمع من أذى جراء أي ردّة وأنكم في المحصلة ورغم صراع المواقع والصلاحيات في مركب واحد إن غرق يغرق بالجميع ولعلكم لاحظتم كيف كانت مصر وكيف أصبحت وماذا فعل المتآمرون من أهل الحكم الجديد بالذين كانوا يحكمون وكيف لم ترتعش أيديهم فى الضغط على الزناد ولا أخذتهم أي شفقة عند فتح السجون بل تراهم الآن يعدّون لمقتلة عظيمة ومعادلة سياسية تخرج السابقين ومؤيديهم من الوجود السياسي أو حتى المادي كل ذلك بمباركة نخبة وإعلام ومجرمين فاسدين لطالما أخذتهم بهم كل أنواع الصبر والشفقة ولكن هيهات.
تقبلوا سيدي فائق التقدير والإحترام