وجهة نظر

بقلم
علي الطرهوني
الوضع المصري بين مشروعية المطالب وشرعية الاستحقاق الانتخابي وتداعياته الاقليمية

 مقدمة: في قراءة الراهن

قد يكون الانقلاب الذي خلع الرئيس محمد مرسي من منصبه وأطاح بحركة الإخوان المسلمين أمرا مشروعا ومخططا له في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية وعدم تحقيق أهداف الثورة، وفي ظل تزايد نسب المفقرين وعدم تعاطي الأخوان مع واقع الحياة في مرحلة دولية صعبة طغى عليها الجانب السياسي على الوضع الاقتصادي الهش لمصر ولدول الربيع العربي، لكنه ليس شرعيا من الناحية القانونية والأخلاقية وبحكم الأعراف الدولية. فالانقلاب على الشرعية أمر محفوف بمخاطر جمة تعصف بمؤسسات الدولة وكيان المجتمع وتشرّع للفوضى والتمرّد خارج صناديق الاقتراع والشارع المصري سريع التأثر والغليان. ليس المهم من وجهة نظري من يمثّل هذه الشرعية سواء من الاخوانيين أو العلمانيين أو المتمرّدين أو السياسيين أو القوميين أو فلول النظام البائد. لا يهمّ ذلك مادام قد جاءت بهم صناديق الاقتراع وأعطاهم عموم الشعب ثقته وصوته في انتخابات نزيهة شفافة لكن المهم هو هذا الشعب . نحن عامة الناس من القطيع، ذلك التشكيل الأبله للمسار الديمقراطي، تستبدّ بنا الهواجس ونُدْفَع إلى الفوضى بحفنة من المال السياسي الملوث ونقع أسرى لما يسمى بالرّهاب الإسلامي أو الاسلاموفوبيا، ولم ترسخ بنا موطئ قدم في الفكر والدولة والتربية على قيم المواطنة واحترام الرأي السياسي المخالف والقبول بنتائج الصندوق . أين الديمقراطية التي يتشدق بها الغرب حين يقف صامتا أمام ما يحصل في مصر. يبدو أننا شعوب لم ترب على الديمقراطية ولا تقبل بنتائجها، ونحن طبائع للاستبداد لا تساق إلا بالعصا. فتاريخ مصر هو سلسلة من الانقلابات قام بها حكم العسكر من وقت غزوة نابليون لمصر، ثم الانقلاب الناصري على الملك فاروق وحركة الضباط الأحرار فصعود رجل عسكري هو أنور السادات ثم إثر اغتياله يأخذ نائبه حسني مبارك زمام المبادرة ليحكم مصر طيلة الفترة الماضية ولأول مرة يحصل الاستثناء مع انتخاب رجل مدني من الإخوان  المسلمين اسمه محمد مرسي ويصعد  من السجن الى سدة الرئاسة، وأول قراراته أن أقال قائد الأركان المشير طنطاوي ليعين السيسي خليفة له وليبدأ بعد ذلك سلسلة من القرارات الجريئة جلبت له غضب الفلول في الجيش والإعلام والشرطة والخارجية وحتى من عيّنه هو الذي انقلب عليه بمباركة  بعض الدول الخليجية  لكأنّ الخيانات صفة الحكام العرب منذ أمد طويل. لماذا صمت العالم الغربي أمام الانقلاب على الشرعية وهو الذي كان يصدع أدمغتنا بدروسه عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان؟ .
إن المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية أمر مشروع، فالنظريات الحزبية لا تشبع جائعا ولا تكسو فقيرا ولكن الانقلاب على الشرعية تطرّف وظلم وعنف. بل إن عدم القبول بالأمر الواقع وبنتائج الصندوق قد يفتح الأبواب أمام عودة الاستبداد. ومهما يكن من أمر عدم اتفاقي مع حركة الإخوان المسلمين في تصوراتهم لكني أحترم الرأي المخالف وأقبل النتائج بروح رياضية .
التداعيات
إن ما يدعو إلى الاستغراب حقا أن من ينادون باحترام الشرعية من الأحزاب المتحالفة مع الحليفة اسرائيل هم الذين يصفقون ويحتفلون بالانقلاب على الشرعية وهم الذين قالوا لمرسي «ارحل»، شعار الثوريين في مصر وتونس، فهل عجزنا عن مواجهة المشاكل ولم يبق لنا لكل من لا يعجبه حال أو لا يرضى على شخص إلا أن يطالبه بالرحيل، وهكذا يفقد القانون سلطته والدولة هيبتها ونصبح أيتاما في مآدب اللئام . يد تبني وستون يد تهدم. إن الحالة الانقسامية التي يشهدها الشعب المصري بين طائفتين مختلفتين داخل الشعب الواحد وبين مكانين مختلفين «ميدان التحرير ورابعة العدوية» تجعل الحالة المصرية على فوهة بركان من الانفجار وحالة من الغليان وتشابك الأوراق والمصالح تنذر بالويل والثبور ما لم يتحرك عقلاء الأمة نحو التهدئة ونحو إيجاد مخرج للمشكل.
مازلنا نتعامل في إدارة شؤوننا بمكيافيلية وقحة عديمة المبادئ بل بمنطق الأمير الصغير. أرى مصر أشلاء ممزقة تنهشها الذئاب الجائعة، مصر أم الدنيا وقلب العروبة الممزق. لقد اغتالوا صوتها بين إسلاميات وعلمانيات مزعومة. لا شئ يعجبني وأنا الغريق فما خوفي من البلل. اتضحت خيوط المؤامرة وبين مصر وتونس نقطة إلى السطر. إن رجع الصدى الذي نسمعه في تونس من استنساخ التجربة المصرية والدعوة للتمرّد باستغلال الظرف الصعب الذي تمر به التجربتين الجنينيتين والسعي للتشويش على محاولات الإصلاح، يجعل الممارسة السياسية عندنا بلا جاذبية لا تقف على أرض صلبة نحتكم إليها عند اختلافنا. فهل من المشروعية ضرب الشرعية إذا كان نفس الصندوق سيحدد الجواب عن الأسئلة بل يعيد طرحها من جديد؟ ولو فشل غير الإخوان، فهل ستقلب الطاولة من جديد ونقول «ارحل» لغيرهم؟.
لقد تطرق الفيلسوف «جاك ديدا» قبل وفاته إلى مفهوم الدولة السافلة التي تنحط فيها القيم والاعتبارات والقوانين والأعراف، فيقلب عاليها سافلها ويتقدم صفوفها سفلة من الانتهازيين والمخادعين والمرائين والزعماء المتشددين وقادة الطوائف، فتخسر التطلعات الكبرى وتخبو الآمال وهنا يكـــون لزاما تحصيـــن الثورة منهم حتى لا نضل نقفز من مكان لآخر بل من ورطة إلى أخرى.