نقاط على الحروف

بقلم
شكري عسلوج
وإذا الديمقراطية سُئلت بأي ذنب وُئدت ...

 يوم حزين ولاشك، يوم أفقنا على دوي البيان الأول للجيش المصري وتأكد لدينا أن التلوث البيئي بأنواعه وخاصة المُتأتي من المحروقات والمُتسبب في الاحتباس الحراري والمُؤدي بدوره إلى الكارثة المناخية التي جاءتنا نذرها من قبل والتي تتهدد مستقبل كوكبنا، قد وجد ما يرادفه في ثوراتنا العربية من تلوث إعلامي ومال فاسد تم توظيفهما بكيد بارع من القوى الاستعمارية المُتصهينة في الخارج وبتواطؤ مخجل ومفضوح من طابورها الخامس في الداخل، لتأجيج الفتن والتلاعب بالرأي العام والتغرير بالشباب والدفع بالاحتقان الاجتماعي إلى أعلى المستويات، فطال شرّه الربيع العربي وحوله إلى خريف قاتم يُنبئ بشتاء قارس بل بعصر جليدي قد يأتي على ما بقي قائما من أسس هويتنا ومجتمعاتنا ودولنا ويقضي على من بقي صامدا من الضمائر الحية والنفوس الحرة في هذه الأمة بعدما نهضت الهمم ورجع الأمل في أن يحيى العربي المسلم محفوظ الكرامة، حرّ الإرادة وسيد نفسه على ثرى وطنه.

بدءا أسوق المثل: إذا عُرف السبب زال العجب وأُردف سائلا: من يُهيمن على الصعيد العالمي على المؤسسات الإعلامية (المؤثرة في العقول) وعلى المؤسسات البنكية (المؤثرة على الفعل)؟ ومن طبقت شهرة مخابراته الآفاق في حبك المؤامرات وتنفيذ الاغتيالات وتنظيم الانقلابات وتأجيج الحروب؟ ومن تصدى لهذه الأمة منذ أن بدأت ترى النور؟ أسأل وأمضي دون إجابة فما السائل عنها بأعلم من المسؤول وما يعدو السؤال أن يكون إلا دعوة للتدبّر وإعمال العقل والروية، وحثا على قراءة متزنة ومتجردة للتاريخ ولمجريات الأمور.

بغض النظر عن تقييمنا لشخصية وأداء الرئيس محمد مرسي خلال فترة حكمه القصيرة ومواقفنا من سياسات حزبه و وأدبيات جماعته، فإن ما يُحزن ويحزّ في النفس ليس هو عزل العسكريتاريا المصرية لزيد وتنصيب عمرو مكانه على سدة الحكم، فمصائر الشعوب لا تُقاس بالأفراد مهما علا شأنهم ولا حتى بالأحزاب، بقدر ما يُقرفنا حدّ الغثيان بشاعة المشاهد المُرعبة لعمليات السحل الوحشي والاغتصاب الجماعي في وضح النهار وعلى قارعة الطريق، بعدما أطلقت يد العصابات الإجرامية المأجورة من جديد، لممارسة البلطجة اللامحدودة، تمهيدا لتدخل الجيش كمنقذ للشعب وثورته. نستغرب ويعن علينا الفهم، لما نرى جموعا جمة من الشعب المصري الشقيق وهي ترقص فرحا وغبطة بعدما سلبته المؤسسة العسكرية سيادته التي أنتزعها بعدما دفع لقاءها ثمنا باهظا من الدماء والعذابات، والتي تمكن من ممارستها لأول مرة في تاريخه الموغل في القدم، باختياره الحر لحاكمه عبر صناديق الاقتراع، ناسيا أو متناسيا أن هذه المؤسسة كانت الركيزة الأساسية للنظام الذي حكم بلد الكنانة عقودا وأذاق شعبه من الظلم والذل والهوان والفقر ألوانا. ما يُصيبنا بالخيبة والصدمة ويدفعنا إلى اليأس والإحباط، أن النخب المتشدقة بالديمقراطية وحرية الرأي وحقوق الإنسان والتي من المفروض أن تقود نهضة الشعوب وتصقل وعيها وتهذب ممارساتها، كفرت بكل مبادئها ونكصت على عقبيها في أول امتحان لها، لما أتت الصناديق بما لا تشتهي به أنفسهم ، المهوسة بالتسلط على الشعب  والمزدرية من خدمتة. <