الكلمة الحرّة

بقلم
هادي القلسي
حال لغتنا... حرام وعيب التلاعب والتشويه

 « chkoun ynajem yekteb esmou kol 7arf fi commentaire men 8ir mé y9oss 3lih wa7ed e5er ??? »

 
هذا مثال لكتابة لغة تونس الأولى والمتضمّنة في الدستـــور القديـــم و الدستور المزمع صياغته بعد الثورة والمؤسف من قِبَلِ معلّمة لغة عربية ويظهر أنه يدخل في ما يسمى حريّة التّعبير.
تضمن دستور 1959 وفي الفصل الأول وبالبند العريض أن تونس لغتها العربية. ولا يختلف اثنان في علويــــة دستــــور أي دولـــة فهو المرجع الأكثر رسميّة وقوة قانونية وشرعيّة، يعتمده الجميع، الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة عند كل اختلاف ( فقدت تونس شرعيّة دستورها طيلة أكثر من 50 سنة سواء في عهد بورقيبة وأيضا في عهد المخلوع حيث عبث به كما شاء وقننه وروّضه لمصلحته ) .
إن كلمة ”لغتها العربية“ لفظة واضحة لا توحــــي لا فــــي شكلهـــا ولا في مضمونيها أدنى اختلاف، غير أنني لاحظت منذ سنوات ابتعاد المواطن التونسي عن لغته الأم وبدأ بالتالي في فقدان أحد ركائز هويته ألا وهي الانتماء إلى العربية. إن المتمعّن في المنظومة التعليمية يلاحظ ”فرنسة“ جل مواد التدريس كالتاريخ والجغرافيا والفلسفة والعلوم الطبيعية وغيرها ولم يبق بعد إلا مادة العربية والتي قد تصلها الحملة ونصبح نتعلم وندرس لغتنا العربية باللغة الفرنسية. ويظهر أن هذا الهدف في خطواته الأولى ولكنها سريعة وغريبة. نعم أقولها، لقد بدأنا فرنسة لغتنا باستعمال أول الأمر الكثير من الكلمات الدخيلة سواء بالكتابة أوعند النقاش حتى وصل بنا الاعتزاز والفخر والهيبة والقيمة لمن يستعمل لغات الحروف اللاتينية أكثر من غيره. ولقد استفحل هذا النمط جل أطياف المجتمع. والعجيـــــب أن مــن بيــــن أكثـــر مستعملـــي مثــل هذه الوسيلـــــــــــة، ذوي المستـــوى اللغــــوي المتواضع لكن الأمر يتعلّق أيضا بأصحاب  الشهائــــــد العليـــــــا كالمهندس والطبيـــب والطالـــــب وحتـــــى أساتذة ومعلمي اللغة العربية ، وهذا أدهى وأمر.
أما الآن، وبعد ظهور وسائـــل التواصــــــل الجديــدة كالهاتــــــف الجــوال والفايسبوك، طلع علينا العديد ومن مختلف المستويات بلغة أقلّ ما يقال فيها أنها ”لقيطة“ لأنها خليط بين الأرقام والحروف والكلمات الفرنسية والانكليزية والعربية والأفضع كتابتها بالحروف اللاتينية . وإليكم ، كمثال، هذا التعليق بإحدى صفحات الفايسبوك  من قبل طالب جامعي يخاطب فيه احد أصدقائه: 
29IFO 3LA DHA3FIK RAK 8ALET  3LA TOUL Ana n7eb n9ollek rani t3ebt barcha meddevoir mta3 hier
 
للترجمة:  ا= 2     ع=3    خ=5  ح=7  غ=8   ق=9
 
أعتقد أن مثل هذه الكتابـــة الرائجــــة الآن والمعتمدة في الكثيــــر من الوسائل المتواجدة، هي أوّلا وبالذات فقدان للّغة العربية وخطر على تونس وعلى أمّة اللّغة العربيّة قاطبة. كما تعتبر تشويها للهوية التونسية. وهذا نتاج لما فعله النظام السابق بشعبه كما ذكرت سابقا من فسخ انتماء وتخلي عن اللغة العربية السليمة عمدا من أجل بناء جيل غير متمكن من وسائل التواصل اللغوي تعبيرا وكتابة وبذلك يتم القضاء شيئا فشيئا على جزء هام من هوية الأمة. 
إن المثال المذكور أعلاه يبين ما وصلنا إليه من مبالاة لا تبرر بالمرة ”ربح الوقت“ كما يدّعــــي أصحاب هذه الظاهرة الغريبـــــة ولا عدم توفّر مفتاح الحروف العربية بالحاسوب. وأعتقد جازما أن ذلك يدخل ضمن حملة ممنهجة  لتركيز ثوابت جديدة باطلة شكلا ومضمونا ومن ورائها خطة لأعداء اللغة العربية من بعض العلمانيين المستغربين والمنسلخين عن أصولهم وأصالتهم ، الذين يعتقدون أن لغة الضاد لا تقدر على مواكبة الركب العلمي والتكنولوجي. 
صحيح من أراد معرفة شعب وجب عليه معرفة لغته لكن هذا لا يعني التنصل من هويته وترك لغته جانبا . واللغة وحدها ليست مقياس التطور والتقدم والأمثلة كثيرة وهي مجرد وسيلة للتعبير والتخاطب لكنّها تعتبر من ثوابت الهوية. 
لقد حاولت مرارا التصدي لمثل هذا الاستعمال الهابط للغتنا فتم وصفي بالرجعي المتخلف وأحيانا المتطرف والجاهل للغة العصر والأمي وغيرها من الأوصاف الغريبة والعجيبة من مستعملي هذه الكتابة الدخيلة والأخطر من أناس وحسب سيرتهم الذاتية مثقفون ومتعلمون ولهم شهائد عليا ودكاترة.
هذه ظاهرة خطيرة وجب التصدي إليها بكل الوسائل عاجلا وليس آجلا. والأهم هو إعادة النظر في المنظومة التربوية والاعتماد على لغتنا العربية في التدريس دون التخلي على تعلّم اللغات الأجنبية كلغة ثانية حتى نواكب تطوّر وتاريخ الأمم الأخرى. إن اللغة العربية كانت ولعهد غير بعيد لغة العلم وإشعاعه ونشره إضافة لكونها لغة معترف بها عالميا ولا خجل في استعمالها في المحافل الدولية بل افتخار بالانتماء لأمة تستعمل لغة القران الدستور الأبدي لكل الأجيال والعصور دين العلم والعمل.