شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
د. عبد الوهاب الأفندي
 الدّكتور عبد الوهاب الأفندي هو مفكر سياسيّ سودانيّ يشغل حاليّا منصب رئيس معهد الدّوحة للدّراسات العليا، بعد أن شغل منصب رئيس برنامج ماجستير العلوم السياسية والعلاقات الدّولية بالمعهد خلال الفترة (2015-2017) ثمّ منصب عميد كليّة العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة خلال الفترة (2017-2020). 
بعد أن قضّى «الأفندي» سنوات دراسته الابتدائيّة والثّانويّة في السّودان والتي توّجت بحصوله على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشّرف في الفلسفة من جامعة الخرطوم 1980، هاجر إلى أنقلترا ليواصل تعليمه الجامعي ويتوّجه بدرجة الماجستير في الفلسفة من جامعة «سوانزي» 1986، ثمّ درجة الدكتوراه في العلوم السّياسيّة من جامعة «ريدينغ» (1989).
التحق «الأفندي» بمعهد كريستيان «ميكلسن» بالنرويج (1995، 2003) كأستاذ/باحث زائر، وجامعة نورثويسترن بشيكاغو (2002)، وجامعتي أكسفورد (1990) وكامبريدج (2010-2012) والمعهد الدّولي للفكر والحضارة الإسلاميّة بماليزيا (2008)، وحاضر في العديد من كبرى الجامعات في خمس قارات، وتولى مواقع دبلوماسيّة وصحفية في بريطانيا. كما أسّس في عام 1998 برنامج الإسلام والدّيمقراطيّة في مركز دراسات الدّيمقراطيّة بجامعة «وستمنستر» بلندن، وعمل منسّقاً له حتّى عام 2015.
تنصب اهتمامات الدكتور عبد الوهاب التّعليميّة بشكل عامّ على تدريس العلوم السّياسيّة، مع تركيز خاصّ على المنهجيّة وقضايا العنف والدّيمقراطيّة والفكر السّياسي المعاصر. حيث قام بتدريس مقرّرات من بينها: «منهجيّة العلوم السّياسيّة»، و«العنف الجماعي»، و«فشل الدّول والتّدخل الإنساني»، و«الديمقراطية والإسلام»، و«الحداثة في العالم العربي»، و«قضايا وسجالات في الشرق الأوسط»، و«الإسلام والحداثة».
في جانب البحث العلمي، تركّزت اهتمامات الدّكتور عبد الوهاب على نقد مناهج العلوم الاجتماعيّة، ونظريّات الدّيمقراطيّة والتّحوّل الدّيمقراطي، والعنف الجماعي والإبادة، إضافة إلى اهتمامه بقضايا الفكر الإسلامي المعاصر والحركات الإسلاميّة الحديثة، السّياسة والمجتمع في السّودان والعالم العربي. كما تناول في مشاريعه البحثيّة نظريّات الانتقال الدّيمقراطي، وتحوّلات طبيعة السّياسة في عصر الشّعبويّة، وكذلك تجليات الهويّة وديناميّات الصّراع السّياسي في السّودان، إضافة إلى إلقاء نظرة بحثيّة فاحصة على السّياسة من منظور جديد، وغيرها من المشاريع البحثيّة المهمّة.
يمتاز هذا الكاتب السّوداني بخصلتين: الأولى هي النّجاح في جمع حصافة الرّأي إلى فصاحة البيان، أمّا الثّانية فهي سلاسلة التّأليف الجدلي بين التّخصّص الأكاديمي في حقل العلوم السّياسيّة وبين الانتماء الفكري إلى أفق المقاصديّة الإسلاميّة، فالأفندي لا يرى الباحث السّياسي الحداثوي إضافة إلى كونه مفكّرا مسلما مزدوج الشّخصيّة بل يعتبر هاتين الخصلتين رافدين متكاملين يثمر التّظافر بينهما بصيرة جديدة سواء في فهم التاريخ الإسلامي أو فهم القضايا السّياسيّة الراهنة.
ومن المقولات الجريئة التي يتفرّد بها هذا المفكّر هي أنّ الدّيمقراطيّة هي الدّليل الوحيد الكفيل بإرشاد المجتمعات المسلمة إلى الإسلام، إذ منذ ثلاثة عقود برز اسم الدكتور عبد الوهاب الأفندي صوتا مفردا لا شبيه له في عالم الكتابة السّياسيّة العربيّة، تشهد على ذلك استقلاليّته الفكريّة الجسورة ومؤلّفاته المغرّدة خارج السّرب وخصوصا كتابه «من يحتاج إلى دولة إسلاميّة؟» الذي صدر مطلع التّسعينيات باللّغة الأنقليزيّة وترجم إلى عدّة لغات. 
أصدر الدكتور عبد الوهاب عددًا من الكتب الأكاديمية باللّغتين العربيّة والإنكليزيّة، بالإضافة إلى مشاركته بأوراق بحثيّة في دوريّات محكمة، هذا بجانب كتابته لعدّة فصول في كتب مختلفة. ومن مؤلّفاته كتاب: «عن المثقّف الإسلامي والأمراض العربيّة: تأمّلات في المِحنة المُعاصِرة»(2022) قدّم فيه «تشخيصاً» لهذا «المرض العربي» الذي لا يرى سببه نفسيّاً أو اجتماعيّاً، بل سياسيّاً بامتياز. كما ناقش فيه دور المثقّف ونافح عمَّا يُسمّيه المثقّفَ الإسلامي، ضدّ من يُريدون أن يحتكروا لأنفسهم صفة المثقّف بصفتهم علمانيين، حيث يرفض الأفندي، ربط المثقّف بالعِلماني فقط، لأنّ مثل هذه الاختزاليّة ستحرم الآخرين من غير العِلمانيّين من حقّهم في التّعبير عن أنفسهم، وقد يتحوّل هذا التفكير إلى نوع من الكارثية. ولكن، إذا كانت العِلمانيّة لا تعني بالضّرورة العداء للدّين، وإذا كانت تعترف بحقّ المتديّنين في المشاركة في الفضاء العام، ولا تتحالف مع الاستبداد، ولا تبني مجدها الزائف على احتقار الشّعب وثقافته الشّعبية، فإنّها لا ريب ستكون قمينةً بتقديم الشّروط الصّحيّة لإنتاج الثّقافة والنقد، وداخلها سيجد «المثقّف الإسلامي» مكانَه، ولن يحرمَه أحد من حقّه في الكلام، كما لن يحرم هو الآخرين من حقوقهم في نقد كلامه.