في الصميم

بقلم
نجم الدّين غربال
أيُّ سياسات للحد من الفقر؟ (الحلقة الأولى: السياسات الاقتصادية)
 الفقر ظاهرة مُتعدّدة الأبعاد، والمسؤوليّة عن تفشّيها مسؤوليّة فرديّة وجماعيّة في نفس الوقت ولن نقدر على الحدّ منها ما لم نتحرّر من المُقاربة النّفعيّة الفئويّة المُهيمنة، ببُعديها المادّي والمعنوي ذات المنطلقات الفردانيّة والمعتمدة على فرضيّة أنّ الدّخل مؤشّر نقدي حسن لمعرفة مُستوى حياة الأفراد والمجتمعات واستبدالها بمقاربة نفعيّة مُجتمعيّة ذات أبعاد إنسانيّة ومعتمدة على فرضيّة أنّ كرامة البشر وحرِّيتهم ورزقهم وتفضيلهم هو المؤشّر الأحسن لمعرفة مُستوى حياة الأفراد والمجتمعات.
فإن كانت المُقاربة التّقليديّة للفقر مقاربة تُعلي من شأن الفئويّة وتؤمن بالفردانيّة على حساب العالميّة والمجتمعيّة وكذلك نقديّة لاعتمادها مؤشّرا نقديّا من خلال مستوى الدّخل، فإنّ المقاربة البديلة للفقر التي تحتاجها البشريّة، أكثر من أيّ وقت مضى، هي مقاربة مجتمعيّة عالميّة لا فئويّة، دون أن تكون على حساب الفرد، مُقاربة تُعلي من شأن الجماعة البشريّة ولا تهمّشها لصالح الفردانية أو تستغلّها، كما أنّها ليست بالمقاربة المعتمدة حصرا على مؤشّر الدّخل والاستهلاك بل على مؤشّرات مُتعدّدة بتعدّد أبعاد الفقر.
 وهي أيضا مقاربة نفعيّة كذلك، لاستعمالها نفس دالة النّفع ولكنّها ضمن رسالة الرّحمة للعالمين في مواجهة العذاب الذي يتألّم منه أغلب العالمين، نتيجة الفئويّة والفردانيّة. الرّحمة التي يفرضها أصلهم الإنساني الواحد وانتماؤهم لنفس العنصر وأُخُوَّتُهُم الآدميّة وشراكتهم في ملكيّة ثروات الأرض وارتباط مصير بعضهم ببعض.  
ومن ذلك المنطلق لا يُمكن الحدّ من الفقر ما لم تتكاتف جهود الجميع على مختلف المستويات الفرديّة والجهويّة والمحلّية والعالميّة للحدّ من مختلف أبعاد الفقر، ولن يتحقّق ذلك الاّ بسعي الجميع نحو رغد العيش وطيب الحياة للإنسان أينما وجد وعلى مختلف المستويات النّفسيّة والذّهنيّة والماديّة والاجتماعيّة والاطمئنان على مُستقبل النّوع البشري، ومن السّعي على المستوى الكلّي اعتماد مجموعة من السّياسات المتكاملة والمتوازنة بين مختلف المجالات، الاقتصادية منها والاجتماعيّة والبيئيّة وكذلك الهيكليّة، الضّروريّة للحدّ من الفقر وإتّساع دائرته.
وأهمّ ما نبدأ به هو حزمة من السّياسات الاقتصاديّة الّتي نقترحها لتحقيق تلك الأهداف خاصّة وأنّ الحاجة أكثر من حيويّة لخلق الثّروة وتوفير الاحتياجات التّمويليّة اللاّزمة والضّرويّة للاستثمار والإنتاج وهي على التّوالي:
1 - سياسات حماية العملة وتشجيع الاستثمار وقَوَامَةُ الانفاق وتنويع الموارد
 من المؤشّرات التي تؤثّر سلبا على الوضع الاقتصادي، وبالتّالي على معاش النّاس ونوعيّة حياتهم، ارتفاع حجم الدّين العام نظرا لما ينتج عنه من انكماش في الإنفاق وتراجع للاستثمار وهذا من شأنه أن يحدّ من النّمو الاقتصادي وبالتّالي من الزّيادة الكمّية للثّروات المُنتجة ويزيد بالمُحصّلة من ارتفاع نسب البطالة والفقر، الأمر الذي من شأنه أن يحُدّ من دوران محرّكين أساسين من محرّكات توسيع الاختيارات والفرص أمام كلّ النّاس ليحقّقوا ذواتهم ويشعروا بالكفاية والرّضا، وهما النّمو الاقتصادي، خلقا للثّروة، والحدّ من الفقر من خلال إنصاف الجميع.
 وأمام هذا التّعثر لمُحرّكات التّنمية النّاتج عن الانكماش في الإنفاق وتراجع الاستثمار النّاتج بدوره عن ارتفاع حجم الدّين العام، لابدّ من اتّباع سياسات ثلاث لنصل الى تقليص حجم الدّين العام الى مستويات مقبولة أوّلها حماية العملة المحليّة وتشجيع الاستثمار وثانيها قَوَامَةَ الإنفاق وثالثها تنويع الموارد:
1-1 سياسة  حماية العملة وتشجيع الاستثمار
من الموارد الّتي يُمكن العمل على جذبها وتشجيع أصحابها على إدراجها في الدّورة النّقديّة والنّظام المالي ببلدنا والتي من شأنها، إذا نجحنا في ذلك، تعزيز احتياطاتنا من العملة الصّعبة، وبالتّالي حماية عملتنا من تلك العملات التي يتمّ تبادلها وصرفها في السّوق السّوداء، ففي دمجها تعديل لسعر الدّينار تُجاه أسعار العملات الأجنبيّة وبالتّالي خفض لنسب التّضخم ممّا يُحسّن من المقدرة الشّرائيّة للفئات الضّعيفة من النّاس ويُمكّنهم من تلبية بعض من احتياجاتهم المعيشية والذي من شأنه أن يحُدّ من آثار فقرهم وعوزهم.
ومن الإجراءات الفوريّة والتدابير العاجلة يُمكن تشجيع عمّالنا بالخارج على تحويل مبالغ نقديّة كبيرة وضخّها في الدّورة الاقتصاديّة والتي من شانها أن تخفّف من وطأة ندرة السّيولة والتّمويل عموما بالبلاد. 
من جهة أخرى ولتوفير التمويل اللازم للاستثمار، يُمكن الحصول على موارد ضخمة من عدّة قطاعات منتجة إذا تمّ اعتبارها قطاعات سيادية كقطاع المناجم والطّاقة والفلاحة والسّياحة، والتّعامل معها بحزم حتى تزداد مردوديّتها والضّرب على ايدي كل العابثين بها ووضع كل التّدابير اللاّزمة حتى يحصل النّفع منها للجميع بعيدا عن أي احتكار أو استغلال باعتبار انها كقطاعات، تشكل أحد عناصر الثّروة الوطنيّة الّتي يحقّ للجميع التّمتّع بثمارها على المستوى التّنموي.
وأخيرا وليس آخرا، ومن خلال اتباع سياسات التّعاون الدّولي التي تفرضها الأخوّة الآدميّة وتشابك المنافع ومصير البشريّة المشترك والتّحدّيات وكذلك المخاطر المحدقة بالجميع، يُمكن للخيرين في العالم ان يُساهموا في توفير موارد ضخمة ضروريّة للاستثمار داخليّا وذلك لحلحلة الوضع التّنموي ببلدنا، دون أي تدخّل في شؤوننا الدّاخلية، بل بوعي منهم على أنّ أيّ تراخٍ في ذلك من شأنه أن يُفاقم ظواهر عديدة تعود عليهم وعلى الأمن والاستقرار في المنطقة بالوبال والذين هم في غنى عنها وفي مقدمتها ظاهرة الهجرة السرّية. 
من جهة أخرى، تستوجب مواجهة ضعف الاستثمار الدّاخلي والخارجي الذي عطّل أحد مُحرّكات النّمو الاقتصادي وبالتّالي أحد مُحرّكات التّنمية وضع سياسات جاذبة لكليهما ومشجّعة، وذلك من خلال تذليل كلّ العقبات أمام الاستثمار وإحداث جاذبيّة محليّة لكلّ أنواع الاستثمار خاصّة الاستثمار في القطاعات الاستراتيجيّة كالبنى المادّية التّحتيّة واللاّمادّية الرّقميّة وإيلاء إهتمام خاصّ بالاستثمار الخارجي المباشر، لما فيه من فرص لنقل التّكنولوجيا الحديثة الضّروريّة لكلّ زيادة في إنتاجيّة عوامل الإنتاج، ولن يكون ذلك مجديا ما لم يكن ضمن منوال وطني متصالح مع هويّة المجتمع وضامن لحصول نفعه.
1-2 سياسة قَوَامَةَ الانفاق
 أمام ندرة المال ولمُواجهة تحدّي السّيولة الذي قد تعود بعض أسبابه الى الاسراف من جهة، بما هو إنفاق غير اقتصادي وبالتّالي غير عقلاني، وإلى التّقتير، من جهة أخرى، بما هو إنفاق شحيح غير مُتلائم مع الاحتياجات التّمويليّة للنّشاط الاقتصادي والحياة الاجتماعيّة عموما، لا مناص من عقلنة الإنفاق وجعله قادرا على تلبية الاحتياجات التّمويليّة لقوامة الأعمال ولإقامة حياة طيبة للنّاس. 
ولتحقيق ذلك نحتاج، الى وعي جمعي مُتوازن يجعل الجميع لا يطغون في ميزان الحاجة والانفاق كما نحتاج، على سبيل المثال، الى إقامة الوزن بالقسط بين التّوريد والتّصدير وذلك من خلال إعادة ترتيب أولويّات التّوريد وفي المقابل التّشجيع على التّصدير وإزالة كلّ العراقيل أمامه وحسن التّفاوض عند عقد الاتفاقيّات مع الأطراف الأجنبيّة، بما يساهم في التّخفيض من عجز الميزان التّجاري وبالتّالي التّخفيض من عجز ميزان الدّفوعات.
1-3 سياسة تنويع الموارد
أصبح البحث عن موارد إضافيّة بطرق غير تقليديّة وأخذ التّدابير اللاّزمة أمرا ضروريّا لكبح جماح الدّين العام وحيويّا لإحياء النّشاط التّنموي عموما، فالمال قُوام الأعمال وبدون موارد ماليّة لا يُمكن للإنفاق أن يزداد وللاستثمار أن يزدهر، وبالتّالي لا يُمكن للنّشاط الاقتصادي أن يتكثّف ويتنوّع وللثّروة أن تُنتَجَ ولا لهدف الحدّ من البطالة والفقر أن يتحقّق. 
ولعلّ من بين هذه التّدابير، تأطير المشاعر الفطريّة لدى أفراد المجتمع لحبّ الخير وفعله وتكريس ثقافة التّآخي والتّعاون والتّكافل ومأسسة موارد بقيت الى اليوم غير مؤطّرة ممّا أفقدها النّجاعة وأضعف مساهمتها سواء في إدماج فئات عريضة من المقصيّين في النّشاط الاقتصادي أو في الحدّ من الفقر والذي يُعتبر هدفها الأساسي، ونذكر على سبيل المثال أساسا الموارد المتأتية من شعيرة الزّكاة التي يلتزم بها طوعا الكثير من المتدينين الملتزمين والتي بقيت محدودة النّجاعة إن لم نقل موارد مهدورة، وذلك لغياب التّأطير وحُسن التّوجيه وما يتطلّب ذلك من بيانات دقيقة ومُفصّلة عن المحتاجين ونوعيّة احتياجاتهم خاصّة إذا استحضرنا أنّ القرار السّليم في توزيع تلك الموارد لن يكون دون معلومات دقيقة ومُفصّلة عن مستحقّي تلك الموارد ومسالك إنفاقها.
وإذا ألقينا نظرة على حجم الموارد المتأتّية من الزّكاة في بلدنا على سبيل المثال، لوقفنا عند أهمّيته وفرص التّمويل التي يُمكن أن توفّرها تلك الموارد، فاعتمادا على دراسة اقتصاديّة لمقترح إضافة فصل لقانون الماليّة لسنة 2019 الذي سبق أن عُرض على لجنة الماليّة بمجلس نواب الشّعب نوفمبر 2018 من إعداد «الجمعيّة التونسيّة لعلوم الزّكاة»(1) وصل المبلغ الجملي المتأتّي من الزّكاة بأنواعها المختلفة(زكاة منتجات فلاحية، الأموال المدخرة، الاموال المستثمرة في بورصة تونس، زكاة الشركات، تجارة الذهب وزكاة الفطر) 5.05 مليار دينار وهو مبلغ هام جدّا حيث أنّه يمثّل نسبة 1/7 من حجم ميزانيّة الدّولة التّونسيّة سنة 2018 ممّا يؤكّد أهمّية الزّكاة كرافد إضافي من روافد التّمويل إذا تمّ تجاوز مجموعة من العقبات.
وامام استفحال ظاهرتي الفقر والبطالة في بلدنا وعجز الدولة عن القيام بدورها الاجتماعي بالمستوى المطلوب الا يعتبر اغفال هذا المورد اهدارا لفرصة حقيقية للمساهمة في معالجة الفقر والبطالة؟
إضافة للموارد المتاتية من شريعة الزّكاة، توجد موارد أخرى متأتّية من حبّ الخير وفعله المتأصّل في الذّات الإنسانيّة الذي أثبتته التّجارب في أكثر من دولة بمختلف مرجعيّاتها الفلسفيّة والفكريّة مُساهمته في التّخفيف من ندرة الأموال، تلك الموارد هي التي توفّرها صناديق التّمويل الجماعي، حيث بيّنت دراسات عديدة جدوى تلك الصّناديق وأوضح الخبراء اتساع الرّقعة الجغرافيّة لهذا النّوع من التّمويل حيث أنّه بعد تمركزه في الولايات المتّحدة الأميركيّة في بداياته وبعض دول أوروبا، عرف انتشارا في السّنوات الأخيرة في مناطق أخرى من العالم منها المنطقة العربيّة.
والتّمويل الجماعي (Funding Crowd) عمليّة جماعيّة وتعاونيّة مبنيّة على الثّقة وشبكة العلاقات بين الأفراد عبر الإنترنت وهي آليّة تمويل للمشروعات، تسمح لأصحابها بتجميع مبالغ ماليّة  أحيانا تكون مبالغ منخفضة جدّا، من عدد كبير من الأشخاص، ويوفّر هذا النّهج أساليب وأدوات لمعاملة ماليّة تقوم على إلغاء الوسطاء من جهات ماليّة تقليديّة مثل البنوك، كما أنّها تتيح الفرصة لكلّ عضو في المجتمع من مبلغ مالي، يوفّر له التّمويل الكافي لمشروعه. 
وخلافا للنّظام المصرفي التّقليدي فإنّ فلسفة التّمويل الجماعي لا تستهدف فقط تحقيق الرّبح من الإستثمار، بل تهدف أيضا الى مساعدة ودعم أصحاب المشاريع لتنفيذ فكرتهم الإنتاجيّة وكذلك دعم عمليّات الإغاثة في حالة الكوارث، وتمويل المشاريع الصّغرى وإنشاء برامج إنسانيّة واجتماعيّة وبيئيّة مجانية...
2 - سياسة زيادة إنتاجيّة عوامل الإنتاج
نعرّف إنتاجيّة عوامل الإنتاج من خلال الكسر التّالي (= الإنتاج/العمل + رأس المال)، أمّا زيادة إنتاجيّة عوامل الإنتاج فتعني انخفاض كلفة الإنتاج الفرديّة (= العمل + رأس المال / الإنتاج) وهذا يترجم بانخفاض سعر البيع وارتفاع الأجور وزيادة المرابيح ممّا يعني أنّ النّفع يحصل للمستهلك والعامل والمستثمر في آن واحد. 
كما أنّ زيادة إنتاجيّة عوامل الإنتاج تؤدّي في المحصلة النّهائيّة الى زيادة الطّلب الذي بدوره يؤدّي الى زيادة الإنتاج ممّا يخلق مواطن شغل إضافيّة ويقلّص بالتّالي من ظاهرة البطالة ويحدّ تبعا لذلك من ظاهرة الفقر، ولكن كيف ذلك؟
ذكرنا أنّ زيادة إنتاجيّة عوامل الإنتاج تؤدّي الى انخفاض سعر البيع ممّا يزيد من القدرة التّنافسيّة الخارجيّة للمنتجين وهذا من شأنه أن يزيد من حصّة التّصدير لديهم ويحدّ من التّوريد وبالتّالي تتحقّق الزيادة على مستوى الطّلب.
ولا ينتج عن زيادة إنتاجيّة عوامل الإنتاج انخفاض سعر البيع فقط بل ينتج عنه أيضا ارتفاع الأجور وكلاهما يرفع من القدرة الشّرائيّة للمستهلكين ممّا يؤدّي الى ارتفاع الاستهلاك النّهائي وتتحقّق تبعا لذلك الزّيادة على مستوى الطّلب أيضا.
وفضلا عمّا تنتجه زيادة إنتاجيّة عوامل الإنتاج من انخفاض سعر البيع وارتفاع الأجور فإنّها تزيد المرابيح أيضا وكلا هذين الأخيرين من شأنه أن يزيد الموارد الجبائيّة والاجتماعيّة ممّا يزيد من الانفاق العام وتتحقّق تبعا لذلك الزّيادة على مستوى الطّلب ايضا.
كما ينتج عن الزّيادة في المرابيح النّاتجة عن زيادة إنتاجيّة عوامل الإنتاج، زيادة في الاستثمار الذي من شأنه أن يزيد في الطّلب. 
وبزيادة الطّلب الذي تفرزه زيادة إنتاجيّة عوامل الإنتاج، يزداد الإنتاج لتلبية ذلك الطّلب ولتأمين ذلك يتمّ استيعاب مهارات ذهنيّة ويدويّة إضافيّة ممّا يُقلّص من عدد العاطلين عن العمل وبالتّالي يتمّ الحدّ من ظاهرة البطالة، وبالحدّ منها وباعتبارها أحد أهم أسباب الفقر يتمّ الحدّ من ظاهرة الفقر.
3 - سياسة التّسخير والإعمار
يُقصد بالتّسخير التّذليل للإنسان باعتباره كائنا عاقلا من خلال امتلاكه لقدرات كامنة يكتشفها تدريجيا عبر تقدّمه في الزّمن وباتباعه للمنهج العلمي التّجريبي، قُدُرات تمكنُّه من توظيف ما في السّماوات والأرض بما يُحقّق النّفع للنّاس ضمانا لاستمرار الحياة والنّوع البشري وبما يُمكّنه من القيام بدور الاعمار في الأرض وإصلاح ما فسد في البرّ والبحر بما كسبت ايدي النّاس. 
فالتّسخير مرتبط بالقدرة على التّوظيف كالقدرة على استعمال ما في السّماوات والأرض بما ييسّر حياة النّاس وتعارفهم تحقيقا لنفعهم، كإرساء الشّبكة العنكبوتيّة وإنتاج أدوات التّواصل والاتصال وتبادل المنافع كتبادل الأموال عبر «سوافت» وكتوليد الطّاقات المتجدّدة وغيرها وكإرساء بُنى تحتيّة مادّية متطوّرة من طرقات سيّارة ومطارات وموانئ وبُنى لا مادّية رقميّة تُغطّي كلّ تراب البلد وتقوم بتشبيك كلّ المناطق حتّى يصبح تنقل الأشخاص والأفكار والسّلع والبضائع والخدمات الماليّة وغيرها بشكل يسير وسلس ومشجع على الاستثمار في كلّ ربوع البلاد. 
ويعتبر الوقت والمكان من أهمّ عوامل الإنتاج التي تؤثّر بشكل مباشر في زيادة انتاجيتها وإن كان قد تمّ احتواء عامل الزّمن جزئيّا من خلال العمل عن بعد والذي لا يتأثّر بعامل المكان الاّ أنّ إحداث تنمية متوازنة وعادلة بين الجهات يتطلّب إحداث بُنى تحتيّة مادّية ورقميّة -وكأولوية مطلقة - تُغطّي البلاد في كلّ أبعادها الجغرافيّة لتسهيل عمليّة الإعمار والتّشجيع على الاستيطان واحتواء ظواهر الهجرة والنّزوح حتّى تتحقّق التّنمية في جميع الرّبوع وينعم الجميع برغد العيش ويسر الحياة ويُطمأن على مستقبل النّوع البشري..
الهوامش
(1)  لمزيد من المعلومات يمكن الاطلاع على موقع الجمعيّة : www.atz.tn