شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
د. رضوان السيد
 الدكتور رضوان السيد مفكر لبناني، متخصّص في الدّراسات الإسلاميّة. أستاذ بالجامعة اللّبنانيّة، وأستاذ زائر بالعديد من الجامعات العالميّة. ولد في العاشر من أكتوبر من سنة 1949 بقرية ترشيش بجبل لبنان، درس بجامعة الأزهر وتحصّل على الإجازة من كلّية أصول الدّين قسم العقيدة والفلسفة (1970)، ثمّ انتقل إلى ألمانيا حيث نال درجة دكتوراه الدّولة في الفلسفة من جامعة توبنغن. 
شغل سابقا عدّة مهمّات منها: رئيس تحرير مجلة الفكر العربي، مدير معهد الإنماء العربي، رئيس تحرير مجلة الاجتهاد، مستشار مجلة التّفاهم...إلخ. نشر مئات الأبحاث وشارك في عدّة مؤتمرات وملتقيات. نشر عشرات المؤلّفات والتّحقيقات والتّرجمات، منها : «الأمّة والجماعة والسّلطة» (1985)، و«الإسلام المعاصر»(1986)، و«الصراع على الإسلام» (2006)، و«المستشرقون الألمان»(2007)، و«أزمنة التغيير: الدين والدولة والإسلام السياسي»(2014)، و«العرب والإيرانيون»(2014)، و«تسهيل النظر وتعجيل الظفر للماوردي»(1987)، و«مفهوم الحرية في الإسلام لفرانز روزنتال»(1979)، و«محمد والقرآن لرودي باريت» (2008).  ومؤلفات أخرى عديدة، بالإضافة إلى ذلك فله مقالات سياسيّة وفكريّة في عدّة صحف. 
الدكتور رضوان السّيد من أكبر المفكّرين العرب المسلمين انفتاحًا على كلّ الأفكار والثّقافات، يتعامل معها تعامل الواثق من فكره وثقافته، فلا يعرف في طرحه وأبحاثه تشنّجا ولا تعصّبا ولا يشعر القارئ بأيّ نفحة من نفحات التّشدّد والتّمسك بالرّأي مهما كانت درجة صوابه ونسبة قربه من الحقّ. 
مارس رضوان السّيد في عمله العلمي ثلاثة أصناف: التّحقيق، والتّأليف، والتّرجمة، واشتغل على المفاهيم وأنجز دراساتٍ مفهوميّة مفتاحيّة (مثل الجماعة، والأمّة، والفتنة، الإحيائية، والدّولة . . .)، بهدف الوصول إلى إعادة تشكيل الحقل التّاريخي لظهور الأمّة وظهور الدّولة في الإسلام، وهذا العمل ينتمي إلى حقل جديد في التّاريخ يسمّى تاريخ الأفكار. كما اهتمّ بدراسة حواريّة النصّ الإسلامي والتاريخ في المجال السّياسي، حيث أوضح في كتابه «الأمّة والجاعة والسّلطة» منزلة النّص في الإسلام، وبيّن كيف أنّ النّصّ الإلهي بقي الحقيقة الأساسيّة في الجماعة، بل إنّ الجماعة لم تكن لتستمر بغيره، فهو مسوّغ استمرارها، وهو الذي يمنحها رعيّته المتعالية، وكيف أنّه دار صراعٌ عبر القرون حول ما أسماه «المؤسّسة البديلة» التي يمكن أن ترث النّبي ﷺ في تأويل النّص. 
اشتهر رضوان السذيد بنقد الإيديولوجيّات الدّينيّة والمادّية، ففي مجال القراءات الحداثيّة للقرآن الكريم، انتقد بشدّة بعض الانزلاقات التي طالت هذه القراءات، وخصّ بالذّكر التّيار البحثي الذي يقوده على الخصوص المفكر الجزائري محمد أركون. ولأنّه من دعاة صيانة الدّولة الوطنيّة وصيانة الدّين في آن، انتقد الإيديولوجيّات الإسلاميّة الحركيّة، خاصّة تلك التي تسعى لإقامة «دولة الخلافة»؛ ونادى إلى العمل على دعم مشروع الحكم الصّالح والرّشيد بغض النّظر عن اسمه، لكي يشعر النّاس بأنّ مصالحهم الأساسيّة مرعيّة، فينصرفون عن العنف وأوهام الدّولة الدّينيّة البديلة. كما دعا إلى الاشتغال على نقد المفاهيم، خاصّة وأنّه أصبح لدينا مفاهيم جديدة سواء في الإسلام أو في الاجتماع والسّياسة وفي الدولة، وكلّها مفاهيم قاتلة على حدّ تعبيره، مثل تطبيق الشريعة أو القول بأنّ الدولة ركن من أركان الدّين، ومثل الجهاد في الدّاخل والخارج. أو الاعتقاد بأنّ الإصلاح الدّيني لا يتمّ إلاّ بالطّريقة الأوروبيّة، وكذلك القول بأنّ الإسلام التّقليدي هو المشكلة. وهذه المسائل تتراوح بين معالجة على يد إسلامي متطرّف، ومرّة أخرى على يد علماني متطرّف أيضاً. فتحوّلات المفاهيم، هي التي أدّت إلى الانحراف بالدّين وضيّعت الأمل في إمكانيّة قيام مجتمعات مطمئنة. لقد صار الدّين عنصر انقسام وليس عنصر توحيد.
قاوم رضوان السيّد في كتاباته وتدخّلاته الفكر المتطرّف المتجسّد فعليّا في الجماعات الإسلاميّة الحاملة للسّلاح، التي يعتبرها «جماعات مأزومة لأنّها وليدة الأزمة الشّاملة، وليس بإمكانها أن تنتظم سياسيّاً وفق مقتضيات الحكم الدّيمقراطي» ويدعو صنّاع القرار الدّيني إلى تأهيل المؤسّسات الدّينية، معتبراً أنّه «شئنا أم أبينا، ليس لدينا اليوم سوى المؤسّسات الدّينيّة للقيام على الشّأن الدّيني، بما يعنيه رعاية العبادات والفتوى والتّعليم الدّيني والإرشاد. وهي مؤسّسات ليست ناهضة، لكنّها هي الحافظة لبقية السّكينة في الدّين وفي المجتمع. كما أنّه لا يستطيع القيام بهذه المهام غيرها» لكنّه يرى أنّ على هذه المؤسّسات أن تأخذ مسافة عن السّلطات،  ليس بمعنى أن تكون ضدّها ولكن ألّا تكون تابعة لها وتعمل عندها. فهي حسب رضوان السّيد في خدمة المجتمع وخدمة دينه ومصالحه الدّينية الحميمة. وهي ضروريّة باعتبارها من بين أدوات طمأنة المجتمع بأنّ دينه بعيد عن العنف، وأنّ هناك مهمّات شرعيّة يجب القيام بها حتّى لا يقال بأنّ الإسلام مهمل.