شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
د. فهمي جدعان
 الدكتور فهمي بن راجح جدعان مفكر أردني من أصل فلسطيني، ولد عام 1940 في بلدة عين غزال جنوب مدينة حيفا الفلسطينيّة. درس الفلسفة في جامعة دمشق، ثمّ رحل إلى فرنسا وحصل على الدكتوراه في الفلسفة وعلى دكتوراه الدّولة في الآداب من جامعة السوربون بباريس. عمل أستاذا للفلسفة والفكر الإسلامي في جامعة الكويت والجامعات الأردنيّة، وشغل منصب عميد البحث العلمي بالجامعة الأردنيّة، ونال عضويّة مجلس إدارة معهد العالم العربي في باريس بالفترة من 1980 حتى 1984. ألّف العديد من الكتب منها «أسس التّقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث» و«نظرية التراث» و«الطّريق إلى المستقبل» و«الماضي في الحاضر» و«المحنة، بحث في جدلية الدّيني والسّياسي في الإسلام»، و«خارج السرب. بحث في النّسوية الإسلاميّة الرّافضة وإغراءات الحرّية»
يدافع الدّكتور فهمي عن عن مبدأ «إبداع التّراث» وهو مبدأ يقوم على رفض المقاربات المعروفة لمسألة التّراث والتي تتمثّل إمّا الاعتقاد بأنّ تقويم الحاضر وبناء المستقبل يتمّ بالعودة إلى التّراث أو بـ«القطيعة» معه، ويعتبر فكر من يدعو إلى القطيعة فكرا مستعارا، هجرانيّا، لا أصالة فيه ولا ابتكار. وهو غير منصف وغير عادل حين يلقي بالتّراث في سلّة مهملات التّاريخ. لا شكّ في أنّ جزءا كبيرا من التّراث فقد القيمة والمعنى، لأنّ معطيات كثيرة حديثة ومعاصرة قد تجاوزته. لكن ثمّة وجوه عديدة منه مازالت وستظلّ حيّة فاعلة مؤثّرة: معرفيّا، أو ثقافيّا وجماليّا. لكن على المفكر الذي يليق به نعت «المفكر العربي» هو أن ينظر في المعطيات المباشرة لوجوده وينطلق في التّفكير منها أوّلا وقبل أيّ شيء آخر. 
وظائف التّراث كما يراها الدّكتور فهمي ثلاث، الأولى نفسيّة حيث يعمل التّراث كحافز للتّحرّر من الذلّ والهزيمة لتجاوز تحديات العصر. والثّانية جماليّة وتعني استلهام القيم الجماليّة والفنيّة من المعطى التّراثي وهي أنجع وظائف التراث وأقربها للواقع الرّاهن. والثّالثة وظيفة (الاستخدام): وهي التي يسميها الدكتور جدعان بـ «الجدوى»، فهي وظيفة عمليّة تعني توظيف(بمعنى الاستخدام وليس الاستلهام) بعض عناصر التّراث الحيّ في علم الفقه أو علم الكلام ودمجها في البنى الفكريّة المعاصرة. وأما أداة الدكتور جدعان لتنويرنا بالتّراث وإنتاج ثقافة حيّة تتحوّل إلى تراث حيّ عند الأجيال القادمة، فهي «العقلانيّة النّقديّة» وهي عقلانيّة لا تهمل الأبعاد الرّوحيّة واللاّعقليّة والمتيافيزيقيّة المرافقة للإنسان. فهو يرفض أن يستبدّ العقل التّجريبي الاختباري المجرّد بوجود الإنسان، وبمصيره على الأرض ويدعو إلى عدم التنكّر للكينونة الوجدانيّة في وجود الإنسان. فالعقل المعرفي، بالنسبة له، انحرف ليصبح عقلاً أداتيّاً، وتكنولوجيّاً، يطلب القوّة والغلبة والتّحكم والسّيطرة، وأدّى، تاريخياً، إلى«النّزعة الاستعماريّة» التي شهدناها القرون الثلاثة الأخيرة.
لا ينطلق الدكتور جدعان في بحوثه ودراساته من الفلسفات الغربيّة بل من الواقع الإسلامي المشخّص، ويؤمن بمحوريّة الدّين في مختلف جوانب الحياة، ويشدّد على بعده من العلمانيّة، ويدعو إلى إعادة رسم صورة الإسلام الكونيّة وتحرير الذّات من عقدة النّقص، وإقامة سياسات دفاع اجتماعي حقيقيّة مشخّصة. 
يحمّل العرب الحالة المتردية التي وصل إليها المسلمون ويجزم بأنّ الأهواء «غلبت على أفعال العرب، وأن انقلاب بني أميّة على عصر النّبوة كان بمقتضى الهوى، وكذلك كان انقلاب بني العباس على بني أميّة، وهكذا إلى أيامنا هذه»، وطالب بالعودة لما سماه «الإسلام الأصلي» إسلام الحرّية والرّحمة والعدل والمصلحة والمقاصد، وليس إسلام الفقهاء الذي تحكمت فيه نزعاتهم ورغباتهم وظروفهم التّاريخيّة.وبهذا المعنى يرفض «تحويل الإسلام إلى أيديولوجيا تغرق الدّين في السّياسي وتحوّل الرّسالة السّماوية إلى سلطة دنيويّة مهيمنة وإلى مكيافيليّة سياسيّة غير أخلاقيّة»، لهذا كان رافضا للإسلام السّياسي ويرى أنّه لا ضرورة له « فحيثما ظهرت أمارات العدل ثمّ شرع اللّه». ويرى أنّ «هوية الإسلام الحقيقيّة تكمن في مقاصده، وأنّ تحقيق هذه المقاصد هو من وظيفة الدّولة الإنسانيّة العادلة».
يدافع الدّكتور جدعان في كتاباته عن كرامة الإنسان وحرّيته ويرى أنّه لا معنى لهما ما دام يهدّده الجوع والمرض، وبالتالي فإنّ التّحرّر المادّي أول مرحلة في سبيل التّحرر الفكري والمعنوي، ويعتبر الحرّية أسبق من العدل، والعدل لا يحتمل أن يجتمع مع نقيضه «الاستبداد» وبالتّالي فلا معنى للمستبد العادل. ولا فائدة ترجى من استمرار الدّولة العربيّة الحديثة في الاستناد إلى «مبدأ السّيد والعبد» في علاقتها مع مواطنيها، فهي لن تستطيع التّشبّث بأدبيّاتها في الحكم وتتجاهل الحقائق الثّاوية وراء تقدّم العالم الحديث.
في موضوع العولمة، يرفض جدعان الاستسلام لقيم السوق، كما يرفض «النقيض النكد المتمثل بالاجتماعية الديمقراطية»، حيث يرى فيها انصياعا لفلسفة مدمرة لمفهوم العدالة.
ويؤيد اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية ليكونوا نماذج واقعية جاذبة، لأنه يؤمن بأن الإسلام ليس ضعيفا.