تطوير الذات

بقلم
محمد أمين هبيري
تحرر النفس
  المقدمة
يعتبر الإنسان كائنا يسعى دائمًا لتحقيق النّجاح والتّفوّق في مجالات حياته المختلفة، سواءً من النّاحية الشّخصيّة أو الأسريّة أو المهنيّة. ولكن في كثير من الأحيان يواجه الفرد عوائق داخليّة تمنعه من تحقيق أهدافه وتحقيق طموحاته. ومن هنا تأتي أهمّية سياسة النّفس في محورها المتعلّق بتحرّرها من العوائق الدّاخليّة التي تحول دون تحقيق النّجاح.
تعتبر سياسة النّفس إحدى أركان التّنمية الشّخصيّة، وهي عبارة عن تدبير أمر كيان الفرد وذلك للوصول إلى المنفعة القصوى بأقلّ الموارد المتاحة، وهو ما يساهم في اتباع النّفس لعديد الخطوات للتّحرّر من العقبات الدّاخليّة وتطوير شخصية الفرد وقدراته. وتشمل هذه الأساليب العديد من الممارسات الإيجابيّة، مثل الاسترخاء والتّأمّل والتّحلّي بالصّبر والإيمان بالنّفس والتّفكير الإيجابي والتّعلّم من الأخطاء والخطوات العمليّة لتحقيق الأهداف.
يمكن تعريف التّحرّر من النّاحية اللّغويّة بكونها مشتقّة من الجذر الثّلاثي (ح، ر، ر،)، حسب معجم اللّغة العربيّة المعاصرة، يقال تحرَّرَ من يتحرَّر، تحرُّرًا، فهو مُتحرِّر، والمفعول مُتحرَّر منه ، تحرَّرتِ الرِّسالةُ : مُطاوع حرَّرَ: كُتبت «تحرَّرت المقالةُ». ، تحرَّر العبدُ من الرِّقِّ : أُعتِق، صار حُرًّا لا سلطان عليه، تحرَّر من الاستعمار ونحوه : حَرَّر نفسَه منه، وتخلَّص من سيطرته عليه «تحرَّرت شعوبُ العالم الثَّالث من الاستعمار ولم تتحرّر من سلطانه، تحرَّر من التَّقاليد : لم يلتزم بها، تحرَّر البلدُ : استعاد سيادتَه واستقلالَه؛ وعموما فإنّ تحرّرت النّفس أي استعادت سلطانها ومنه فإنّ تحرّر النّفس لا يكون إلّا من خلال استعادة السّيادة الكليّة على النّفس.
يلعب تحرّر النّفس من العوائق الدّاخليّة دوراً مهماً في كيان الفرد، حيث يمكنه من خلاله تحقيق التّوازن النّفسي والعاطفي والجسدي. وعلى المستوى الأسري، يمكن لسياسة النّفس أن تساعد في تحقيق السّعادة الشّخصيّة مطمح جميع البشر على وجه الأرض. وعلى المستوى المهني، يمكن لسياسة النّفس أن تساعد على تحسين الأداء وزيادة الإنتاجيّة في مجال العمل، وتحقيق النّجاح المهني المرجو. إذ أنّ تحرّر النّفس من نقاط ضعفها عبر التّقبّل ابتداء ومعالجتها انتهاء يجعل من النّفس كيانا عصيّا أمام العواصف الهوجاء التي قد تحطّم البنيان (1)
يمكن تجزئة الموضوع إلى جزأين: النّظر في العوائق الدّاخليّة للنّفس (الجزء الأول) والنّظر في التّحرّر من العوائق الدّاخليّة للنّفس (الجزء الثّاني)
الجزء الأول: تحديد العوائق الدّاخليّة للنّفس
يمكن تقسيم الجزء إلى عنصرين؛ فمن جهة يمكن النّظر في أنواع العوائق الدّاخليّة للنّفس (العنصر الأول) ومن جهة أخرى يمكن النّظر في شروط التّحرّر من العوائق الدّاخليّة للنّفس (العنصر الثّاني)
العنصر الأول: أنواع العوائق الدّاخليّة 
يوجد نوعان من العوائق
- عاطفيّة؛ فالعواطف الإنسانيّة هي جزء لا يتجزّأ من حياة الإنسان وتشكّل جانباً مهمّاً من العوائق الدّاخليّة للنّفس. فالغضب والكبت والغرور وغيرها من العواطف الإنسانيّة، إذا سيطرت على النّفس بشكل مفرط وغير متوازن، فقد تؤدّي إلى زيادة هذه العوائق الدّاخليّة وتعرقل عمليّة التّحرّر النّفسي.
فعلى سبيل المثال، تؤدّي سيطرة الغضب على النّفس بشكل مفرط، إلى تفكّك العلاقات الاجتماعيّة وزيادة الشّعور بالعزلة والانفصام، ويعدّ ذلك عاملاً مؤثّراً في تشكيل العوائق الدّاخليّة للنّفس. وكذلك، فإنّ سيطرة الكبت والغرور على النّفس، قد يؤدّي ذلك إلى تقييد حرّية الإنسان الدّاخليّة وزيادة العوائق التي تمنع التّحرّر النّفسي. لذلك، وجب على الإنسان أن يتحكّم في عواطفه وتوجيهها بشكل صحيح ومتوازن، وأن يتعلّم التّعامل معها بشكل إيجابي وفعال، لتحرير نفسه من العوائق الدّاخليّة وتحقيق التّحرّر النّفسي
- احتياجية؛ يعتبر هرم ماسلو للحاجات الإنسانيّة من أهمّ النّظريّات في علم النّفس، حيث يركّز على الاحتياجات الخمسة الأساسيّة للإنسان، وهي: الحاجة إلى الأمان والأمان النّفسي، والحاجة إلى الانتماء والمحبّة والتّعلّق الاجتماعي، والحاجة إلى الاحترام الذاتي والتّقدير، والحاجة إلى التّحقّق والتّحقيق والتّنمية الذّاتيّة، وأخيرًا الحاجة إلى تحقيق الذّات والتّحقيق الشّخصي. إذا سيطرت هذه الاحتياجات الخمسة على النّفس ولم يتم تحقيقها بشكل كافٍ وصحيح، فإنّ ذلك يعدّ عاملاً مؤثّرًا في زيادة العوائق الدّاخليّة للنّفس. فعلى سبيل المثال، إذا لم يحصل الإنسان على الانتماء الاجتماعي الذي يحتاجه، فقد يشعر بالوحدة والعزلة والقلق النّفسي، وهذا يؤثّر بشكل كبير في صحّته النّفسيّة وقدرته على التّعامل مع الحياة. لذلك، يجب على الإنسان تحقيق هذه الاحتياجات بشكل صحيح ومتوازن لتحرير نفسه من العوائق الدّاخليّة.
العنصر الثاني: تأثير العوائق الدّاخليّة على النّفس
العوائق الدّاخليّة للنّفس بنوعيها الاحتياجات والعواطف يمكن أن تؤثّر سلبًا في حياة الإنسان، وتعيق التحرّر النّفسي والنّمو الشّخصي. فإذا لم تتوفر الاحتياجات الأساسيّة للإنسان كالطّعام والشّراب والمأوى والأمان بشكل كافٍ، فقد تؤدّي إلى الإحساس بالضّيق والقلق وعدم الارتياح، ممّا يزيد من العوائق الدّاخلية ويعيق التّحرّر النّفسي. ومن جهة أخرى، إذا سيطرت العواطف السّلبية مثل الغضب والكبت والغرور، على النّفس بشكل غير متوازن ومفرط، فقد تؤدّي إلى تفكّك العلاقات الاجتماعيّة وزيادة الشّعور بالعزلة والانفصام، وتعيق التّحرّر النّفسي.
ولذلك، يجب على الإنسان تحديد احتياجاته الأساسيّة وتلبيتها بشكل مناسب، وكذلك تعلّم كيفيّة التّعامل مع العواطف السّلبيّة بشكل صحيح، والتّحكّم فيها بدلاً من السّماح لها بالسّيطرة على النّفس وتعطيل عمليّة التّحرّر النّفسي.
الجزء الثّاني: التّحرّر من العوائق الدّاخليّة للنّفس
يمكن تقسيم الجزء إلى عنصرين؛ فمن جهة يمكن النّظر في شروط التّحرّر الدّاخلي (العنصر الأول) ومن جهة أخرى يمكن النّظر في خطوات التّحرّر من العوائق الدّاخليّة للنّفس (العنصر الثّاني)
العنصر الأول: شروط التّحرّر الدّاخلي
تحرّر النّفس من العوائق الدّاخليّة مهمّ جدًا للحصول على حياة مستقرّة وسعيدة. ولكي يتمّ ذلك، هناك بعض الشّروط التي يجب توفّرها:
1. التّواصل مع الذّات وفهم احتياجاتها والتّركيز على تحقيقها. ويجب أن يكون التّحرّر الدّاخلي مرتبطًا بتحقيق الأهداف والطّموحات الشّخصيّة.
2. القبول والتّسامح، وعدم التّمسّك بالماضي والأفكار السّلبيّة التي تعيق التّحرّر النّفسي.
3. العمل على تحسين العلاقات الاجتماعيّة وتعزيز الاتصالات الإنسانيّة، وتعلّم مهارات التّواصل الفعّال.
4. تعلّم كيفيّة التّحكّم في العواطف السّلبية والتّعامل معها بشكل صحيح، والتّعلّم من الخبرات السّابقة وتجاوز الصّعاب بصفة إيجابيّة(2). 
5. الاهتمام بالصّحة النّفسيّة والجسديّة، والعمل على تقوية النّفس وتحسين الوضع الصّحّي.
6. وأخيرًا، التّفكير الإيجابي والتّفاؤل، والتّركيز على الجوانب الإيجابيّة للحياة والتّحلّي بالشّجاعة والثّقة بالنّفس، ممّا يساعد على التّحرّر الدّاخلي والحصول على الرّضا والسّعادة في الحياة.
العنصر الثّاني: خطوات التّحرّر الدّاخلي
يتطلب تحرّر النّفس من الشّهوات والغرائز تفكيرًا عميقًا وجهودًا جادّة، ويتطلّب اتباع خطوات محدّدة. وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن اتباعها لتحرّر النّفس من الشّهوات والغرائز:
1 - الاعتراف بالمشكلة: يجب الاعتراف بأنّ هناك مشكلة في السّيطرة على الشّهوات والغرائز والتّعرّف عليها.
2 - الاستشارة والتّوجيه: يمكن الحصول على المشورة والتّوجيه من مستشار نفسي أو معالج نفسي، أو من الأصدقاء أو الأقارب المقربين.
3 - تحديد الأهداف: يجب تحديد الأهداف التي تريد تحقيقها والعمل عليها، مثل تحسين العلاقات الاجتماعيّة، والعمل على النّجاح في العمل أو الدّراسة، وغيرها.
4 - التّغيير في نمط الحياة: يجب تغيير نمط الحياة وتجنّب المواقف والأماكن التي تثير الشّهوات والغرائز.
5 - تطوير العلاقات الاجتماعيّة: يجب العمل على تطوير العلاقات الاجتماعيّة الإيجابيّة وتحسين العلاقات مع الآخرين.
6 - الاسترخاء والتّخفيف من التوتّر: يجب العمل على الاسترخاء والتّخفيف من التّوتر والقلق من خلال التّمارين التّنفّسية والتّأمل وممارسة الرّياضة.
7 - الاهتمام بالصّحة النّفسيّة: يجب الاهتمام بالصّحّة النّفسيّة والتّخلّص من العوائق النّفسيّة التي تعيق التّحرّر من الشّهوات والغرائز.
8 - الاستمرار في العمل على التّحرّر: يجب الاستمرار في العمل على التّحرّر من الشّهوات والغرائز وتعزيز الصّحّة النّفسيّة والعلاقات الاجتماعيّة الإيجابيّة
الخاتمة
يمكن القول إنّ التّدين هو أحد العوامل المؤثّرة في التّحرّر النّفسي والتّخلّص من الشّهوات والانغماس فيها. فالتّديّن يساعد الإنسان على إيجاد الهدوء الدّاخلي وترتيب أفكاره وتوجيهها نحو الخير والإيجابيّة، وبالتّالي ينعكس ذلك على السّلوكيات والأفعال. والتّديّن يعتبر كذلك مصدرًا للتّحفيز والدّافع لتحقيق الأهداف والتّخلّص من الشّهوات، حيث يعطي الإنسان الشّعور بالمسؤوليّة والحسّ الدّيني العميق الذي يشجّع على العمل الصّالح وتجنّب المحرّمات. بالإضافة إلى ذلك، يعزّز التّديّن الإحساس بالأمان النّفسي وذلك من خلال مجاهدة النّفس بركنيها جهد (كسبا للعادات) واجتهاد (الاستمراريّة والمداومة)
الهوامش
(1)   في إشارة إلى مدى أهمّية دور النّفس في التّحكم في العواطف التي تتحكّم في قرارات الإنسان، والقرارات التي يتّخذها الإنسان هي في حقيقة الأمر حياته.
(2) وهو ما يعرف بمجاهدة النفس بالمنطق القراني