شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
إبراهيم نصر اللّه
 إبراهيم نصر اللّه روائي وكاتب وشاعر وأديب فلسطيني، وُلد في مخيم الوحدات بعمان (عاصمة الأردن) في 2 ديسمبر 1954م، الذي لجأ إليه مع أهله من قرية البريج (قضاء القدس) في فلسطين بعد أن دمّرها الصهاينة وشرّدوا سكّانها. وفي المخيم رأى «الوطن كلّه في مكان واحد.. في منفاه» كما يصف.  بدأ حياته التّعليميّة الأولى في مدرسة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وبدت عليه علامات النبوغ في كتابة الشعر والقصّة منذ أن كان تلميذا. التحق بمركز تدريب عمان لإعداد المعلمين رغم غرامه بالموسيقى وحصل منه على دبلوم تربية وعلم نفس. ثمّ انتقل في العام 1976 إلى السعودية، في محافظة حائل للعمل في قرية فقيرة اسمها «القنفدة»، شهد فيها فقر الأهالي الشبيه بالمخيمات الفلسطينية، مرفقاً بانتشار الأمراض وخصوصاً الملاريا قضت على العديد من الأهالي ومن زملائه المعلمين وطلابه الصغار، وقد أصيب بها ايضا، ومن هذه الإصابة استوحى روايته الأولى «براري الحُمّى».
لم تدم إقامته بالسعودية طويلا حتّى عاد إلى عمان عام 1978 ليبدأ مشروعه الأدبي الذي كان يحلم به. تضمّن هذا المشروع الذي أصبح علامةً من علامات الأدب الفلسطيني، ومنارةً من مناراته عشرات الكتب، منها 15 ديواناً شعريّاً و22 روايةً من ضمنها مشروعا «الملهاة الفلسطينية» و«شرفات»، وآلاف المقالات وعدداً من معارض الصّور الفوتوغرافيّة والرسوم. يعدّ نصر اللّه اليوم واحدا من أكثر الكتاب العرب تأثيرا وانتشارا، حيث تتوالى الطبعات الجديدة من كتبه سنويا، محقّقة حضورا وإعجابا لدى ملايين القراء في عالمنا العربي خاصّة من الشّباب المثقف الذي يسعى إلى إشباع روحه بالثقافة والإبداع، كما حظيت أعماله بترجمات إلى لغات مختلفة، وكانت موضوع كتب نقدية، ورسائل ماجستير ودكتوراه في الجامعات العربيّة والأجنبيّة. 
إبراهيم نصر اللّه برغم بعده عن فلسطين فإنّه يحنّ إليها ويعيش فيها ومن أجلها وهو مثقّف مخلص لقضيتها،  يحاول من خلال أعماله إعادة بناء عالمها، يقول: «في ظني أن الكتابة الروائية أكثر من تذكر وأكثر من بوح، فهي إعادة بناء عالم، لا بالحنين إليه أو باستعادته، أو بتقليب أوجاع الروح وأحلامها. إنها رؤية بالدرجة الأولى يتضافر فيها الوعي الفني والوعي الإنساني والتاريخ والقيم الكبرى، وأسئلة الإنسان التي أرّقته منذ أن وجِد على هذه الأرض، سواء كان موضوع الرواية متعلّقا بوطن أو بشخص أو بجماعة أو بمكان صغير أو شاسع. وفي الحالة الفلسطينية أنت لا تتذكر بل تبني الذاكرة، بتحويلها إلى ذاكرة جديدة مدهشة يعيشها قراؤك ويشتهونها، أو يسكنونها، بعد أن سكنتهم». 
«الملهاة الفلسطينيّة» ملحمة روائيّة دراميّة وتاريخيّة لإبراهيم نصر اللّه. صدرت قبل ومع مشروعه الرّوائي الموازي «الشرفات». حتّى الآن ضمّ هذا المشروع إثنتي عشرة رواية لكلّ منها استقلالها التّام عن الرّوايات الأخرى. جاب نصر الله في الملهاة مراحل متتالية وواسعة من تاريخ فلسطين؛ بداية من سقوط الإمبراطورية العثمانية في «قناديل ملك الجليل»، ووضع اليد البريطاني على أراضيها في «زمن الخيول البيضاء»، ثم وعد بلفور، فالنكبة والنكسة وحرب الأيام الست، وإلى آخره من اتفاقيات أوسلو والانتفاضات الفلسطينية والشتات الذي لم تخلُ منه أي من روايات الملهاة؛ أعاد نصر الله كتابة مئتين وخمسين عاما تقريبا من تاريخ فلسطين الحديث، الرسمي وغير الرسمي، مانحا ملهاته عن استحقاق وصف «الإلياذة الفلسطينية». أراد نصر الله من خلال ملهاته أن يقص حكايات الفلسطينيّين في الشّتات ويعود بها للوطن في خيالاته، حتّى لا تنسى الأجيال القادمة من الفلسطينيين أو العالم الكيفية التي احتل بها الصهاينة أرض فلسطين وطردوا أهلها منها، ومن أجل منح القضيّة الفلسطينيّة والفلسطينيّين تفاصيلهم الخاصّة؛ حتّى لا يبقوا مجرد أرقام للشّهداء أو المحاصرين، بل بشر يُسفَّرون للعمل في مدن أخرى، يمتلكون مشاعر إنسانيّة متناقضة كباقي البشر، وينقلون سرّا جوابات العشق والغرام، ويبكون بيوتهم المسلوبة من محتلّ لم يمنحهم فرصة وداعها أو وداع قتلاهم لمرّة أخيرة. 
«الملهاة الفلسطينيّة» ورواياته الأخرى وآخرها «طفولتي حتى الآن» هي ردّ مباشر على قول «بن جوريون» مؤسّس دولة الاحتلال: «سيموت كبارهم وينسى صغارهم»، فقد أكّد نصر اللّه في كتاباته أَنَّ الصغار تحديداً هم الأَقدر على حمل راية فلسطين، «يتعلَّمون بسرعةٍ تفوق سرعةَ تعلّم آبائهم»، على حدِّ تعبيره، لأَنَّهم تجرَّعوا مرارة المنافي مضاعفةً بكلِّ ما تحمل من أَلمٍ وحلمٍ في وطنٍ تشكَّل قطعةً قطعةً في الذّاكرة، ببطءٍ، واكتمل عبر تلك الكتابة التي تحوِّل الوطن إلى حال مقدَّسةٍ، لأَنَّها تقترب من التّجريد وإعادة الخلق من جديدٍ. 
إنّها معركة مستمرّة لا يقبل فيها نصر الله الخسارة، يقول في «زمن الخيول البيضاء»:«إذا خسر اليهود فإنّهم سيعودون إلى البلاد التي أتوا منها، أمّا إذا خسرنا نحن، فسنخسر كلّ شيء»