مرايا

بقلم
د.عزالدين عناية
كتاب حوارات مع عالم الأديان
 منذ أكثر من ثلاثة عقود عوّل عالم الأديان التّونسي عزالدين عناية(1) على انتهاج نهج مغاير في تفهّم قضايا الدّين والأديان، مستلهما منهج علم الأديان بتفرّعاته التّاريخيّة والسّوسيولوجيّة والمقارنة التي تنأى عن المنهج اللاّهوتي. يرى عناية أنّ جانبا كبيرا من ورطة العرب الدّينيّة تعود إلى غياب الوعي العلمي بالدّين وانحصارهم داخل منظور لاهوتي مغلَق. يدفعه في ذلك حافز قويّ ألا وهو تطوير الدّراسات العلميّة للدّين والأديان في الأوساط الثّقافيّة العربيّة. وفي هذا العمل الجديد نجد مجموعة من الحوارات معه بشأن هويّة الدّراسة العلميّة للأديان وخصائصها.
يقول عناية في مطلع كتابه: «شغلتني في هذه الحوارات، على العموم، قضايا الذّات والآخر، وعلى وجه الخصوص، قضايا الدّين والأديان. وفي سائر الإجابات التي أدليت بها، ربّما كنت منساقا إلى انتقاء العبارة الأنسب والفكرة الأوضح، ولربّما كنت أيضا جامحا في التطلّع إلى أفق بعيد في فهم الدّين والإحاطة بأوضاعه، تقديرا منّي أنّ الأمر لدينا قد أضحى عنوانَ أزمة اجتماعية وأزمة معرفيّة على حدّ سواء؛ ولكنّي كنت حريصا دائما على محاولة تشخيص الأوضاع، وعرض الإشكاليّات، واستنباط الحلول برويّة وتبصّر، وبشكل ينأى عن الإفراط في الجزم والحسم.
وقد آثرتُ جمعَ هذه الحوارات ونشرها، على أساس كونها مصارَحة ومصافَحة، لمن تستهويهم كتاباتي أو تروق لهم ترجماتي، ويجدون فيها ما يثير أشجانهم ويدفعهم إلى المضي قدما في سبيل ترسيخ منهج علمي في قراءة الظّواهر الدّينيّة، ذات الصّلة بالواقع العربي أو الفضاء العالمي.
أتت مختلف الحوارات في أوضاع متباينة، وربّما في أزمنة متابعدة نوعا ما، حيث تراوحَ الإدلاء بها بين سنتي 2008 و 2022، ولكنّها كانت دائما بوحًا عفويًّا بما يختلج في صدر المحاوَر. وجاءت معنونة بـ «حوارات في الدّين والأديان»(2) من باب تسمية الكلّ بالجزء، أي بالغالب والمتكرّر، وإن كانت في واقع الأمر حوارات في قضايا الإنسان والاجتماع، وفي جدل الشّرق مع الغرب بوجه عام. ولم يخضع ترتيب الحوارات في الكتاب إلى تسلسل زمني، بل توزّعت بحسب القضايا المعالجة. هذا وقد سبق أن نُشر جميعها في صحف ومجلات ومواقع على الشّبكة، غير أنّ فكرة تجميعها راودتني على أمل أن يجد فيها القارئ رؤية أوضح عمّا أتطلّع إليه من خلال كتاباتي وترجماتي.
فقد تبيّن لي وأنا أدلي بتلك الإجابات أن لا مجال في الحوار للإسهاب. فما نريد أن ندرجه موسّعا في مؤلّف أو دراسة، ونبحث له عن دعائم وسندات، نورده في الحوار خاطفا وموجزا، بحسب المساحة المتاحة في منبر الحوار. ونخاطب به أناسا تختلف مشاربهم ومقاصدهم، هكذا وُلدت جميع الحوارات بدون سابق تخطيط أو إعداد من جانبي.
كما أشير إلى أنّ هذه الحوارات ليست مجرّد شروحات أو تعليقات على ما كتبتُ، ولكنّها بوح ومصارَحة. فمع كلّ حوار أَدليت به لم أزعم امتلاك القول الفصل عن السّؤال المطروح، بل حاولت صياغة إجابة من عمق التّجربة، واستنادا إلى ما ترسّخ لدي من قناعة ومعرفة بالوقائع والظّواهر. ولذلك قد تتماثل بعض الأسئلة ولكن الإجابات عنها تتغاير من موضوع إلى آخر جراء كون الجواب لديّ هو محاولة ومقارَبة وليس مجرد استحضار لما هو جاهز».
الهوامش
(1) عالم أديان تونسي إيطالي، خرّيج الجامعة الزيتونية بتونس، يدرّس بجامعة روما إيطاليا. نشر ما يربو عن عشرين مؤلفا بين بحث وترجمة، تناولت الدراسات العلمية للأديان والمناهج العلمية في دراسة الظواهر الدينية، فضلا عن نشره ما يزيد عن ألفي مقالة، علمية وصحفية، في مجلات وصحف عربية وإيطالية لتطوير علم الأديان.
(2) الكتاب: حوارات في الدين والأديان مع عزالدّين عناية، 
الناشر: مجمع الأطرش (GLD)
مكان النشر: تونس- 2023
عدد الصفحات: 184