باختصار

بقلم
د. آمال بوحرب
التلوث النفسي وتداعيات المجتمع
 إن كان ما يحيط بنا هو جدير بتسميته الواقع، فإنّ من أبرز  أخطائنا أنّنا نفترض بأنّ  الأشخاص الآخرين يفكّرون بنفس طريقة تفكرينا، وهذه أساسا مقولة «رينيه ديكارت». وما دفعني لذكرها  الكثير، ولكن ما يفرضه الواقع أكثر، وذلك لأنّ المفاهيم في جوهرها أشدّ عمقا، فإذا كان الحديث عن ماهية  المعارف تتويجا لعمل فكري ممنهج، فإنّ الحديث عن التّلوّث مثلا يحمل العقل الى أبسط مراتبه، فهي  تتّجه تلقائًيّا نحو البيئة الطّبيعيّة، وتثور ثورتنا عادةً عندما يتعلّق الأمر بالتّلوث الذي يمكن أن يحدث لها، والسّبب يكمن في أنّنا إذا لم نهتم بحفظ التّوازن أو النّظام البيئي فإنّ الطّبيعة ستنتقم لنفسها، ونحن من سيدفع الثّمن. ومن ثمّ ننهمك لإصلاح ما فسد لأنّ حياتنا ستعاني من تأثير هذا التّلوّث البيئي الذي لا يفسد صحّة النّاس فحسب بل يمكن أن يلوّث أخلاقهم أي طبقا لما أظهرته نتائج الأبحاث. 
ولكن ماذا عن تلوث البيئة النّفسيّة التي بداخلنا؟ هل نكترث لها؟ وماذا إذا لم نعتن بها، فهل ستنتقم هي الأخرى كالبيئة الطّبيعيّة؟.
إنّ الإجابة عن كلّ هذه التّساؤلات يجعلنا نبحث في أصل فكرة «التّلوث النّفسي»، فمن جهة تعتمد هذه الفكرة على منطق الواقع الذي يعيش فيه مجتمعنا والذي يتعرّض لكثير من العوامل والظّواهر التي تسبّب تغيّرات اجتماعيّة وفكريّة وفلسفيّة، ومن ثمّ تسهم في شيوع هذه الظّاهرة السّلبيّة التي لم يعتد تفاقم حجمها بهذا الشّكل والمضمون.
ومن الجهة الأخرى، فإنّ فكرة التّلوث النّفسي لم تأت من فراغ، بل إنّها قضيّة ذات جذور وأولويّات تاريخيّة نظّمها التّاريخ وفق التّطوّر الحضاري الإنساني وفي التّقليديّة الانتقاليّة للحداثة وما بعد الحداثة التّفكيكيّة.
  لذلك يعـُّد  التّلـوّث  النّفسي من أخطر أنــواع التّلــوّث، وبدايته هي أشدّ خطـورة، لأنّــه لو بدأ فسينتشر بسرعـة وسنـرى آثـاره حولنا في المجتمع، لأنّه سيصبح واقًعـا متراكما بما يعجز المصاب به التّخلّص منه دون أن يدرك ذلك. 
ونادرا ما نفكر حين نطوّر حياتنا الخاصّة أو العامّة أو الاجتماعيّة في هذا التّلوث داخل البيئة البشريّة، وبمرور الوقت نبدأ بالتّلوث بالبيئة التي نعيش فيها عن طريق أخذ السّلوكيّات والعادات السّيئة من المحيط الذي ننشأ ونترعرع فيه، وهذا ما ذكره العلماء أنّه بسبب الأجواء النّفسيّة الملوّثة، التي يبدو أن الآخر يخلقها، يحدث التلوّث النّفسي ويتداخل مع بعض المفاهيم السّيكولوجيّة والأنثولوجيّة منها التّمرّد النّفسي، والاغتراب  الثّقافي، والتلوّث الفكري. 
ومن الملحوظ أنّ كلّ مفهوم من هذه المفاهيم السّابقة يقارب مفهوم التّلوث النّفسي في أحد أبعاده، فبالنّسبة للتّمرّد النّفسي يقارب التّلوث النّفسي في بُعد التّنكر للهويّة الحضاريّة والإساءة إليها، حيث يشير إلى انسلاخ الفرد عن واقعه الاجتماعي بكلّ ما به من عادات وتقاليد ومعتقدات وقيم، والإساءة  لكيانه.
ولذا فمن أهم سمات المجتمع أن تكون له هويّة حضاريّة تميّزه لأنّها تجسّد طموحاته المستقبليّة وتبرز معالم التّطوّر في سلوكه، فحضارة المجتمع وهويّته دليل وجود شخصيّة كلّ فرد وعنوانها وعلاقة ذلك الفرد بمجتمعه، وعليه فكلّ محاولة انكار هذه الحضارة يعني إنكار الكيان والإساءة إليه