همسة

بقلم
محمد المرنيسي‎
المفاتيح السود
 «مفتاح» موظف سام أنيق رشيق، يحلّق لحيته كلّ صباح قبل الخروج، وقبل وضع العطر والدّهن يقوم بالدّلك والشّد للجلد، ثمّ مراقبة الأشداق، بالمجهر الدّقيق؛ لمعرفة جذور الشّعر الغريق في خلايا الوجه الصّفيق.
يحكى عنه أنّه يأكل بشماله، وينام بنعاله، بخلاف أصحابه وأقرانه، يفسخ المفتول، ويجحد المنقول، يشيد بالدّخيل، ويزدري الأصيل، يركب كلّ جديد، ويتحدّى كلّ عنيد.
يوزّع الغنائم على المريدين، ويشوي بالشّتائم أكباد المعارضين والمنتقدين، لا يسأم من إذاية أهل الخير والصّلاح، ولا يتردّد في مساعدة أولي الفسق والفجور والمرح على مسح آثار معالم النّجاة والفلاح،.يفكّر في نشر الظّلمات، وتكثيف الشّبهات، وإذكاء النّعرات والعصبيّات؛ بغية تعميق الفرقة والخلافات بين الأسر والقبائل والأعراق؛ لصرفهم عن طلب الحقّ والصّواب، وإلهائهم بالتّفاهة وبؤس الخطاب.
يكره التّعظيم والتّمجيد لغير السّلطان، ويحبّ سلخ الخرفان، وكسر أضلاع الفرسان؛ لخدمة الطّغيان  وترسيخ الحرمان،  ومن يجرؤ أن يمدح الضّياء في مجتمع العميان؟ ويلعن الشّيطان في مجلس الخرسان؟
يبحث في تاريخ القهر والاستبداد لسلب أحلام العباد، قبل طلوع الفجر وعند الزّوال وحين الرّقاد، فيرفع المخمور، ويخفض المستور، وينصب المكسور، ويجزم المجرور، ويحذف آخر  المقصور،  ويثبّت المعلول المغمور، ويلعن القطيع، حين يصيح من حرّ الصّقيع، ولباس البؤس والعيش المرّ وحكم الرّقيع.
نسي «المُفَيْتَحُ» أنّه عبد ضعيف سخيف، لا يملك من أمره شيئا، يجهل ما يتقلّب فيه من النّعم، ويستجلب بفعله النّقم، لا ينظر إلى الوراء، ولا يؤمن بالقضاء، يحبّ الأضواء والإطراء والإعلاء، شعاره قول أبي فراس: «اذا متّ ظمآنا فلا نزل القطر !»
أمثال هذا موجودون في كلّ مجال، يعملون ليل نهار؛ لتزيين دولة الشّيطان في قلوب العميان، واحتضان الفتيان؛ لترسيخ الفجور والبهتان، ليستمر الشّر والفسوق  والطّغيان.
لهم وجوه من رصـاص، لا تخجـل من الافتراء والنّفـاق وسـوء الأخـلاق،  وقلوب من حديـد، لا تخشى من وعيد، ولا تخاف من تهديد، تطرب للمنكر، وتألم للمعروف.
وعقول من حجر، لا تعي خيرا ولا تذر شرّا. تفكّر بما تهوى، وتفعل ما تحبّ وترضى دون حسيب ولا رقيب.
رجال السّوء، غلاظ الرّقاب، قساة القلوب، عديمو الضّمير، مفاتيح سود، تنشط في الظّلام، وتنفر عن فعل ما ينفع النّاس، متعلّمون جاهلون، ومفكّرون ملحدون، ومتكّبرون مغرورون، لا يفكّرون بتجرّد فيما هم فيه وما حولهم، ولا يتفكّرون فيما مضى من حياتهم، ولا يتّعظون بما قرؤوا وما سمعوا وما رأوا من آيات وعبر.
﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ سورة المائدة، الآية 74.