شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
د. وجيه كوثراني
 الدكتور وجيه كوثراني مؤرخ لبناني وباحث  في الأدب والسّياسة، بالإضافة إلى كونه أستاذا جامعيّا يعمل أستاذًا باحثًا في المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات، وهو المدير العلمي لإصدارات هذا المركز. كما عمل سابقًا مديرًا للدّراسات في مركز دراسات الوحدة العربيّة ومدير تحرير مجلّة «منبر الحوار» في بيروت. وشغل وظيفة أستاذ التاريخ في كلية الآداب بالجامعة اللّبنانيّة قبل عام 2005.
ولد الدكتور وجيه في بلدة أنصار إحدى قرى جبل عامل في جنوب لبنان وذلك في العام 1941م. حاز على شهادة الماجستير من جامعة بروكسل بعد أن نال البكالوريوس في التاريخ من الجامعة اللّبنانيّة، ثمّ الدّكتوراه في التّاريخ من جامعة السوربون في باريس في العام 1974م ثمّ تحصّل على دكتوراه دولة في الآداب من جامعة القديس يوسف - بيروت في العام 1985م.
ينتمي إلى صفوة من المؤرّخين العرب الذين جمعوا بين التّمايز الأكاديمي في علم التّاريخ وبين الإنشغال المعرفي في شؤون الفكر والفلسفة والسّياسة والاجتماع. وإذا كان قد لقّب بمؤرخ البنى والتّحولات، ووصف بأنّه يكتب بقلم مؤرّخ مبدع ومفكر لمّاح، فذلك لأنّه قد تصدّى لدراسة الاشكاليّات التّاريخيّة بعدّة منهجيّة ومفاهميّة مغتنية بما لدى العلوم الاجتماعيّة من معرفيّات وتقنيات. كما أنّه وزّع اهتماماته على مساحة بحثيّة شاسعة تشمل الكتابة التّاريخيّة والتّأريخيّة حول المشرق العربي والكتابة في تاريخ الأفكار وفي قضايا الفكر المعاصر، إضافة للكتابة في القضايا المعرفيّة والمنهجيّة التي يثيرها الشّغف بالتّأصيل الابستيمولوجي في أفق فلسفة التّاريخ. 
يتّسم وجيه كوثراني بالنّزاهة العلميّة والترفّع عن التّحيّزات، ومع ذلك فقد كان للتزامه بقضيّة العدالة  الاجتماعيّة أثر واضح منتصف السّبعينيّات في عمله الأكاديمي الأول عن الاتجاهات الاجتماعيّة والسّياسيّة في جبل لبنان والمشرق العربي. 
كرَّس الدكتور وجيه كوثراني جزءًا كبيرًا من أبحاثه لدراسة تحوّلات السّلطة في المجال العربي الإسلامي. فكان مدار اهتمامه تحليل التجربة السّياسيّة العربيّة الإسلاميّة، وأسلوب بناء السّلطة وآليّات عملها وجذورها الاجتماعيّة والعصبيّات المساندة لها، وعلاقة ذلك كلّه بالإسلام، مستعينًا بمنهجيّة ومرجعيّات تاريخيّة معاصرة، ولا سيما منهجيّات مدرسة الحوليّات الفرنسيّة، فأظهر تفضيله للمنهج التّاريخي على المناهج الأخرى، بما فيها المنهج الأنثروبولوجي. 
ولا يُخفي تأثّره بمنهج ابن خلدون في دراسته للتاريخ، وفهمه للعلاقة بين العصبيّات ونشوء الدّول وتطوّرها وانهيارها، ومن ثمّ إعادة إنتاجها في ضوء بزوغ عصبيّات جديدة، وأيضًا فهمه لعمليّة التطوّر والانتقال من مثال الخلافة إلى نسق المُلك، والتّعامل الفقهي مع إمارة التّغلّب، وفوق ذلك كلّه تشريح وتفكيك مفهوم العلاقة بين الشّريعة والسّلطة، وبين المؤسّسة الدّينيّة والمؤسّسة السّياسيّة، إذ اعتقد كوثراني أنّ في عصر ابن خلدون تكاملت مسالك المعرفة العقليّة والنّقليّة والتّجريبيّة، لتؤسّس منهجًا تاريخيًّا، هو في الأساس تجاوز لما حقّقه ابن خلدون على مستوى المنهج. إنّه تجاوز لمنهج الجرح والتّعديل في الرّواية، وتجاوز أيضًا لمنهج كلّ علم من علوم الحضارة الإسلاميّة بمعزل عن الآخر، إنّه التّكامل في الاستخدام الوظيفي لعلوم الحضارة الإنسانية مجتمعة وملتقية في حقل مشترك لهذه العلوم هو حقل التّاريخ.
وقد صبّ اهتمامه على التّحوّلات الفعلية للدّولة والسّياسة في علاقتهما بالإسلام، وليس على التّأويلات الأيديولوجيّة، فذكِّر بأنّ مهمّات الدّولة/الخلافة «ليست حراسة الدِّين وسياسة الدّنيا» كما شرّع لها العديد من الفقهاء بتأثير الثّقافة الفارسيّة، بل إنّ الدّولة عندما صادرت الولايات الدّينية أساءت إلى الدِّين.
إنّ الإشكالية الحقيقية التي يواجهها د.كوثراني في بحثه عن صورة تجربتنا التّاريخية السّياسيّة، هي كيفيّة الانتقال من منهج النّماذج مافوق التّاريخيّة، ومن ضباب الأيديولوجيا والطّوباوية إلى المنهج الاجتماعي التّاريخي، على قاعدة مصالح الجماعة ومستقبلها، كما في البحث عن الحكم الرّشيد والدّولة العاقلة، وهذا ما يجعله قريبًا من الأسئلة والمخارج التي يفرضها الحاضر ودواعي المستقبل. 
من أهمّ مؤلفاته: «الاتجاهات السياسية والاجتماعية في جبل لبنان والشرق العربي» و«بلاد الشام: الاقتصاد والسكان والسياسة الفرنسية في مطلع القرن العشرين» و«وثائق المؤتمر العربي الأول المسألة الثقافية في لبنان» و«السلطة والمجتمع والعمل السياسي» و«الفقيه والسلطان» و«مشروع النهوض العربي» و«الدولة والخلافة في الخطاب العربي إبّان الثورة الكمالية في تركيا» و«الذاكرة والتاريخ في القرن العشرين» و«تاريخ التأريخ»