وجهة نظر

بقلم
محمد الدرداري
البنية التحتية للمدرسة وأهميتها في تجويد الفعل التربوي
 إنّ تأهيل البنية التّحتيّة للمؤسّسات التّعليميّة شرط أساس لتجويد الفعل التّربوي، إذ لا معنى للحديث عن نجاعة مخرجات أيّ نظام تعليمي دون النّظر إلى الإمكانات المتاحة على مستوى البنية، ومدى ملاءمتها لاحتواء العمليّة التّعليميّة في جميع أبعادها التّربويّة والنّفسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة وغيرها.
إنّ معيار الحكم على نجاعة الخطط الإنمائيّة في أيّ مجال هو النّظر إلى مقدار الإنفاق المخصّص لتعزيز البنية التّحتيّة، وهذا يقتضي من الدّول والحكومات صرف المزيد من المال والجهد في هذا المجال، ولعلّ الحقل الاقتصادي من أكثر الحقول استعمالا لهذه العبارة (البنية التّحتيّة) والتي تمثّل «الهيكل المنظّم واللاّزم لتشغيل وعمل الورشات، أو لتحقيق الخدمات أو المرافق اللاّزمة والضّرورية لجذب الاستثمارات ونمو الاقتصاد بما يحقّق التّقدّم والازدهار، وفي ظلّ عدم توفّر البنية التّحتيّة الملائمة يمكن أن يؤثّر على أداء المشروعات الاقتصاديّة وقدرتها الانتاجيّة والتّنافسيّة، حيث إنّ البنية التّحتيّة تعمل على تعزيز عمليّة الانتاج والتّسويق»(1) .
والمقصود عندي من هذه المقارنة، أنّ الحقل التّعليمي ـ كما الحقل الاقتصادي ـ في حاجة إلى بنية تحتيّة متكاملة وقويّة، فكما لا يمكننا أن نتصوّر اقتصادا قويّا وناجحا دون بنية تحتيّة قويّة؛ كذلك الشّأن للنّظام التّعليمي، فهو في حاجة إلى هياكل بنيويّة وافية وملائمة، ويمكن إجمال عناصرها ومواصفاتها فيما يلي:
1. الحجرات الدّراسيّة: 
وهي الفضاء الأساس الذي يحتضن العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة برمّتها؛ لأجل ذلك فإنّ أيّ خطّة استراتيجيّة في مجال التّربية والتّعليم لا يمكن أن تحقّق أهدافها إلاّ إذا أمّنت فضاءات دراسيّة كافية، وذات جودة وجاذبيّة في نفوس المتعلّميّن. 
ولعلّ من أكثر المشاكل التّعليميّة المرتبطة بالحجرات الدّراسيّة هي مشكلة الاكتظاظ، وهي من العوامل الرّئيسة في التّعثّر الدّراسي، وأحد الموانع الحاسمة التي تحول دون بلوغ العمليّة التّعليميّة أهدافها المحدّدة.
لقد صار مصطلح الاكتظاظ رائجا في خطاباتنا التّربويّة، وهو يعكس جانبا من الأزمة التي يتخبّط فيها نظامنا التّعليمي، وهو كما يقول الأستاذ عبد الرحيم الضاقية: «مؤشّر كمّي، يحيل على كون عدد التّلاميذ في الفصل الدّراسي يفوق الطّاقة الاستيعابيّة الكفيلة باحتضانهم في ظروف وشروط تربويّة مثلى... ويؤدّي تواجد نسبة هامّة من الأقسام المكتظّة إلى التّأثير على الأداء التّربوي بالنّسبة للأستاذ والتّلميذ من حيث التّأطير، والانتباه، وأداء المهام الضّروريّة، مثل: العمل في مجموعات، أو إنجاز الأشغال التّطبيقيّة العلميّة، أو غيرها. فتنقلب الدّروس برمّتها إلى أسلوب التّلقين والمحاضرة والإملاء، ممّا يحدث فجوات كبرى على مستوى التّكوين، ويعطي تلاميذ لا يتواصلون؛ لأنّهم لا يستطيعون أخذ الكلمة وسط كمّ كبير، إضافة إلى شيوع الجماعات السّائبة، والشّغب، ولامبالاة المدرّس، لأنّ جهوده تذهب سدى»(2).
هذه المعيقات وغيرها تجعل من تحقيق  المنظومة لأهدافها أمرا صعبا، إن لم يكن مستحيلا في بعض الأحيان، ومن ثمّ فإنّ أيّ مشروع إصلاح للمنظومة لا يسوغ له التّغاضي عن أهمّية الفضاءات التّعليميّة، وهذا يحتاج كما ـ أشرت سابقا ـ إلى تأمين العدد الكافي منها، وأن تكون ذات مواصفات فنيّة وتقنيّة تجذب المتعلّمين، وتحقّق الإشباع الدّاخلي لديهم.
ولكم عانيت في مساري المهني ـ ولا زلت ـ من المشاكل المرتبطة بالحجرات الدّراسيّة، سواء من حيث نقصها، أو هشاشتها، فعن الأولى يتولّد مشكل الاكتظاظ، بحيث يجد المدرس نفسه أمام حشود من المتعلّمين، وهو لأجل ضبطهم، وبثّ النّظام بينهم، يحتاج إلى جهد جهيد ووقت مضاعف، وفي الثّانية يجد نفسه في حجرات رديئة، وغير ملائمة. (مقاعد محطّمة، ستائر ممزّقة، نوافذ مكسّرة، جدران مشوّهة...). 
والوجه الآخر والإيجابي لهذه المسألة، ما يستشعره المدرّس من الفرق الواضح في جدوى عمله حينما يتاح له تقديم درسه في فصل دراسي مخفّف وملائم، فإنّ مدخلات العمليّة التّعليميّة حينئذ تكون سهلة وسلسة، كما أنّ مخرجاتها غالبا ما تأتي مماثلة أو مقاربة للأهداف المسطّرة. 
2. فضاءات إيواء التّلاميذ أو ما يعرف بالدّاخليّات ودور الطّالبات
 وهي أحد العوامل المسهمة في التّخفيف من نسب الهدر المدرسي، والتي تتيح لأعداد كبيرة من تلاميذ الوسط القروي مواصلة مسارهم الدّراسي، كما أنّها تشجّع الأسر على تمدرس أبنائها بما توفّره لهم من التّغذية والمبيت. 
وأنا مقتنع تماما بأهمّية هذه الفضاءات في دعم الإصلاح الشّمولي للمنظومة، لذا فإنّ القيّمين على الشّأن التّعليمي ملزمون بالعمل على توسيع شبكات دور الطّالبات والدّاخليّات والمطاعم المدرسيّة، وتعميمها في مختلف المناطق القرويّة، وتجهيزها، وتجديدها، والعناية بها.
وما قيل في أهمّية توفير فضاءات الإيواء، يقال عن النّقل المدرسي، مع ضرورة تحسينه، وتطويره، وجعله متاحا لجميع التّلاميذ القاطنين بعيدا عن المنشآت التّعليميّة(3) .
3. المكتبات المدرسيّة
صار توفير المكتبات المدرسيّة داخل المؤسّسات التّعليميّة من الأولويّات الملحّة، لما لها من أهمّية كبيرة، وتتجلّى فيما يلي:
ـ غرس حبّ القراءة في نفوس المتعلمين 
ـ دعم عمليّة التّعلّم بالرّجوع إلى المصادر والمراجع المختلفة
ـ استثمار الوقت الضّائع ـ كغياب أستاذ مثلا ـ فيما هو نافع بدل مغادرة المدرسة والتسكّع خارج أسوارها 
ـ تزويد المتعلّمين بالمهارات الأساسيّة التي تعينهم على توسيع أفقهم العلمي والمعرفي؛ 
ـ تنمية السّلوك القرائي القويم لدى المتعلّمين؛
ولتحقيق هذه الأهداف أقترح ما يلي:
ـ انتداب قيِّم ذي كفاءة علميّة وخبرة مهنيّة تُسند إليه مهمّة تسيير المكتبة، والإشراف عليها؛ 
ـ تحفيز المتعلّمين على الانخراط في مشروع المكتبة، وبيان أهمّيتها في توسيع مداركهم الثّقافيّة والمعرفيّة؛
ـ إحداث بنك معلومات خاصّ بكلّ متعلّم، يشارك فيه الأساتذة أعضاء مجالس الأقسام، والأسر، ويتضمّن حاجات المتعلّمين وميولاتهم، ثمّ البحث عن صيغ عمليّة لاستثمار فضاء المكتبة لتحقيق تلك الحاجات والرّغبات؛
ـ إدراج حصّة أسبوعيّة على الأقل في جدول حصص المتعلّمين تكون خاصّة بالمكتبة؛
ـ تتبّع المتعلّمين ومواكبتهم بتنسيق بين الأساتذة أعضاء مجلس القسم، والقيِّم على المكتبة؛
ـ اعتبار الوقت الذي يقضيه المتعلّم في المكتبة ضمن معايير التّقييم والنّجاح؛
ـ تخصيص جوائز تحفيزيّة للتّلاميذ المواضبين، والأساتذة الفاعلين ؛
ـ تنظيم مسابقات قرائيّة في فضاء المكتبة، يكون هدفها إغراء المتعلّمين بالكتاب، وتشجيعهم على ثقافة القراءة والمطالعة. 
وبالقدر الذي أنا مقتنع فيه بأهمّية المكتبة المدرسيّة كمركز إشعاع ثقافي وعلمي داخل المؤسّسات التعليمية، بقدر ما أستغرب من غياب هذا الفضاء في جلّ المدارس، وهذا الوضع لا زال يستفزّني منذ أن التحقت بقطاع التّربية والتّعليم، فكلّ المؤسّسات التي اشتغلت فيها لا تتوفّر ولا واحدة منها على مكتبة مدرسيّة. ولكم أتأسّف ـ في بعض الظّروف الطّارئة كتغيب أستاذ أو تأخّره ـ لمّا أرى جحافل المتعلّمين والمتعلّمات يهرولون صوب أبواب المؤسّسات التّعليميّة، وكان من الأجدى ـ لو توفّرت على مكتبات ـ أن يقضوا هذا الوقت بين أروقتها بدل التّسكع خارج أسوار المؤسّسات، ما يجعلهم عرضة لمختلف الآفات الأخلاقيّة والسّلوكيّة.
إنّ الوعي بأهمّية المكتبة المدرسيّة هو الذي نحا ببعض الغيورين بالمؤسّسة التي أشتغل فيها (ثانوية عبد الرحيم بوعبيد بالمضيق) للانخراط في مبادرة إحداث مكتبة مدرسيّة، وقد كانت هذه الخطوة في بدايتها تستهدف كرم المشتغلين بالمؤسّسة من أساتذة وإداريّين، وكنّا نطمح إلى جمع 400 كتاب، فلم تمرّ سوى مدّة قصيرة حتّى اجتمع لنا أكثر من هذا العدد، ثمّ وسّعنا المبادرة بالانفتاح على جهات خارجيّة كبعض الجمعيّات، والمراكز، والمجالس العلميّة، فزاد العدد كثيرا، إذ تجاوز 1200 كتاب ومجلّة.
4. المختبرات المدرسيّة
ويقصد بها الفضاءات التي يمارس فيها المتعلّم خطوات التّفكير العلمي؛ ليصل بنفسه إلى المعرفة عن طريق إجراء التّجارب، وذلك للإجابة عن بعض الأسئلة، أو حلّ بعض المشكلات، بهدف تحقيق أهداف تعليمية متنوعة(4).
ولمعرفة حالة المختبرات بمؤسّساتنا التّعليميّة، يكفي أن تسأل مدرّسي مادّتي الفيزياء، وعلوم الحياة والأرض، لتقف على الوضع غير المطمئن لهذا المرفق التّعليمي، فأغلب المؤسّسات لا يزال التّدريس فيها نظريّا صرفا، بالرّغم لما لهاتين المادّتين من خصوصيّة، سواء على مستوى المضمون، أو المنهج.
إنّ المختبرات التّعليميّة لها أهمّية قصوى في نقل المعرفة العلميّة من حقلها النّظري إلى الحقل التّطبيقي، ولتحقيق ذلك فإنّني أقترح ما يلي: 
ـ العمل على توفير هذا الفضاء في جميع المؤسّسات التّعليميّة؛
ـ تجهيزه بمختلف الأدوات والحاجيّات المتلائمة مع المناهج التّعليميّة المقرّرة؛
ـ تحديثه بشكل دوري ليتوافق مع المستجدّات التي يعرفها المجال العلمي والتّكنولوجي؛
ـ إحداث ورشات داخليّة لإصلاح الأجهزة المعطّلة تحت إشراف تقنيّين متمرّسين وبحضور التّلميذات والتّلاميذ؛
ـ تشجيع الأساتذة المعنيّين على استخدام التّجربة في عملهم؛
ـ توفير قيِّم تكون مهمّته الإشراف على المختبر، وتهيئته لتسهيل عمل الأستاذ.
تلك كانت نظرة مختصرة عن دور البنية التّحتيّة المدرسيّة في تجويد الفعل التّربوي، وقد خلصت من خلالها إلى أنّ إصلاح الحقل التّربوي في جلّ الدّول العربيّة والإسلاميّة  أمر آني ومستعجل، وهو أمر ممكن، إذا توفّرت لدى المسؤولين على هذا القطاع الإرادة القويّة، المقرونة بالعمل الجادّ والمخلص، وتوفّرت لديهم الرّغبة في توفير البنيات المناسبة، والتّمويل الكافي.
الهوامش
(1) دور البنية التّحتية في تحقيق النّمو الاقتصادي، عبد الفتاح أحمد نصر اللّه وزكي عبد المعطي أبو ريادة، بحث مقدّم إلى المؤتمر الثّاني المحكّم لكلية الاقتصاد والعلوم الاجتماعيّة بعنوان: «نحو رؤية شاملة لتعزيز البنية التّحتية الاقتصاديّة في فلسطين» المنظّم من طرف: كلية الاقتصاد والعلوم الاجتماعية بغزّة بتاريخ: 3/4/2019. (ص: 3).
(2) مسارات إصلاح المدرسة: دراسة مفاهيمية نقدية، عبد الرحيم الضاقية، مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال ـــ مراكش، ط/1، 2015م (ص: 131).
(3) ظاهرة الهدر المدرسي: الأسباب والحلول، عبد العزيز رشدي، مقال منشور بتاريخ 17 يناير 2015م على صفحة المركز المغربي للتنمية الفكرية: www.cmdi.ma
(4) أثر استخدام طريقة المختبر المدرسي في تنمية مهارات التفكير العلمي في مادة الفيزياء، سمير بن لكحل ومحمد خماد، مجلة البحوث والدراسات العلمية الصادرة عن جامعة يحى فارس بالمدية، المجلد: 12، العدد:1، السنة: 2018م (ص: 704).