ونفس وما سوّاها

بقلم
د. سعيد الشبلي
أسرار النّفس البشريّة: قراءة قرآنيّة الحلقة 11 : النّفس الشّهيدة
 يقول تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾(1).
الشّهادة للّه هي كلمة السّرّ، وهي نواة مشروع العمل الإنساني فوق الأرض، وهي خصوصيّة الذين آمنوا لأنّ من خالفوهم العقيدة لا يقدرون عليها. وعبر منطق الشّهادة، وعبر أسلوب الشّهادة وضمن حقائقها العظمى، يتأسّس معنى الذّات ومعنى الحقيقة ومعنى الخلاص في الإسلام؛ بل إنّ الشّهادة كما قدّمها القرآن قادرة على أن تعرّفنا ومن خلال منهج قرآني واضح بسيط عميق وصريح ما معنى أن يكون الإنسان إنسانا، وما الهدف من الحياة الدّنيا، وما هي أسباب النّجاة؟
إنّ الشّهادة باختصار، رؤية كاملة للإنسان، ومنهج تربوي إسلامي يهدف إلى ترقية الإنسان إلى أقصى مستويات الإيمان (العقل)، وإلى أقصى مستويات الفعاليّة (العمل) وذلك عبر إمداد متواصل للعقل بالحقّ، وتلك هي كيفيّة تنشئة العقل وتأسيس بنيانه في هذه الذّات الإنسانيّة: أن نمده باستمرار بالحقّ في كلّ تجلّياته ومعانيه، وأن نبعد عنه الباطل الذي هو سبب دماره. حينئذ يصل العقل إلى إظهار كمالاته وفضائله. وفضيلته الكبرى وكماله الأسمى الإيمان اليقين الذي لا يتزعزع ولا يداخله الرّيب. أمّا قوّة العمل فيقع ترقيتها بفضيلة الصّبر. فعبر الصّبر يتربّى الإنسان على العمل. وكلّما ازداد في مسار الصّبر، ازداد في قوّة العمل. وكمالات العمل هي الصّالحات، وأعظمها ما يشترك فيه مع الإيمان وهو عمل الشّهادة. فالشّهادة أقصى العمل بأقصى الإيمان.
وهنا نذكر قوله تعالى الذي منه نستمد :﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾(2). فسورة العصر واضحة الدّلالة محكمة المعنى، كاشفة فاضحة لسرّ الإنسان. فالإنسان مشروع فاشل خاسر، وكيان فان،عدم وخراب يباب ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾. وقد جاءت هذه الصّفات في آية واحدة لتدلّ على أنّ المقصود إنسان واحد وهو المؤمن عامل الصّالحات المتواصي بالحقّ والمتواصي بالصّبر. تلك أربع حقائق اثنتان منها للحقيقة (الإيمان والعمل الصّالح) واثنتان منها للطّريقة ( التّواصي بالحقّ والتّواصي بالصّبر) فمن التزم بصفتي الطّريقة في هذه السّورة، وصل بإذن اللّه إلى صفتي الحقيقة. وليس وراء ذلك مطمع لإنسان، لأنّ المؤمن أرقى البشر، وهو صاحب الجنّة، وهو الذي لأجله شرّف اللّه هذه الإنسانيّة، ولأجله قبل اللّه تحدّي ابليس، ومن أجله سيسوء اللّه هذا الشّيطان وعبيده. وهو مفخرة اللّه، وباختصار إنّه إنجاز إلهي صرف. وماذا تتوقّع أن يكون إنجاز اللّه تعالى إلاّ أن يكون آية من الآيات الباهرات.فالمؤمن آية اللّه في هذا النّوع البشري الهالك، وسبحان من يصنع من العدم وجودا قويّا متينا صحيح النّسبة إلى وجهه تعالى.
تلك الصّفات الأربع هي أركان الإنسان الأربعة التي إن أقامها أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان، وتجنّب بنيانا فاسدا مؤسّسا على جرف هار (أنظر الرّسم).
إذا قامت أركان هذه الذّات، نهض الإنسان واستوى، وتجنّب بإذن اللّه آفات العدم التي تلاحقه بلا هوادة وضمن البقاء؛ لأنّه بهذا البناء الصّالح يدخل الوجود، ويندمج ضمن أهله الباقين سلام اللّه عليهم إلى أبد الآبدين. هذا الإنسان الذي رأينا أنّه ذات تُبنى وبيت تُرفع أركانه وتُقام قواعده هو الشّاهد والشّهيد، وذلك لأنّه أصبح نفسا مطمئنّة خالصة للّه بما عقل نفسه في اللّه ومن اللّه وباللّه.
فالعقل المؤمن لا يَعرف له وجها ولا معنى ولا حقيقة إلاّ وهي مستمدّة من اللّه تعالى. فاللّه تعالى هو العقل الكلّي(3) المصدر الممدّ للعقل المؤمن الأصغر ولذلك سمّاه الخليفة بدون اسم آخر ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ...﴾(4). فالخليفة هو هذا العقل الأصغر الذي هو صورة مصغّرة من العقل الأكبر الكلّي المحيط بكلّ شيء جلّ وعلا. فسبحان من نفخ من روحه فجعل الرّوح واحدا في الخالق والمخلوق وذلك أرفع النّسب وأعلاه سبحانه.
ولا عقل عندنا نحن المؤمنين باللّه تعالى، إلاّ ما صنعه اللّه وبناه بيد عبده. فالتقى في بناء العقل تدبيراللّه مع جهدالإنسان فتمّت الصّنعة بالأمرين جميعا. فيكون هذا العقل المؤمن بهدي اللّه، المبني على عين اللّه، سفينة النّجاة القادرة على الخلاص من الطّوفان الغامر. يقول تعالى لنوح عليه السّلام:﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾(5). ويقول أيضا:﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾(6). ليس عجيبا أن يستعاد التّأكيد على أنّ الفلك التي أنجت نوحا عليه السّلام قد صُنعت بأعين اللّه ووحيه في سورة هود وفي سورة المؤمنون.
وهذه الفلك سواء أكانت واحدة أم متعدّدة، والتي حمل فيها نوح من كلّ زوجين اثنين، وحمل فيها أمما ممّن معه، استوت بفضل اللّه وتأييده. يقول تعالى:﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾(7). ويقول تعالى :﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ﴾(8). 
هناك أوّلا مسألة الاستواء ممّا يدلّ على خاصيّة العقل ومعنى النّهوض والتّمكّن، يقول تعالى:﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾(9). فالاستواء هو التّمكّن والهيمنة والسّيطرة، والعقل هو القوّة التي إذا قامت في هذه المملكة الإنسانيّة هيمنت عليها وقامت فيها بواجب الاستخلاف المطلوب. ولذلك كان لابدّ للفلك من الاستواء. واستواؤها سكينتها وثباتها. فإذا كان الرّحمان قد استوى على العرش، فإنّ الفلك قد استوت على الجودي. فما هو الجودي؟ 
نذهب واللّه أعلم، إلى أنّ سفينة نوح قد استوت بالفعل على الجودي، وأنّه موضع بالجزيرة العربيّة، وأنّه على الأرجح موضع المسجد الحرام. ونرجح واللّه أعلم، أنّ هذه السّفينة العجيبة التي حمل فيها نوح من كلّ زوجين اثنين وأهله إلاّ من سبق عليه القول وأمم أخرى طوتها أكناف الغيب، هي نفسها الكعبة البيت الحرام الذي تجبى إليه ثمرات كلّ شيء، وهي الحرم الآمن الذي وضع في الأرض المباركة. قال نوح :﴿وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾(10) فهل من مُنزل مبارك أحسن من موضع المسجد الحرام ؟ يقول تعالى عن نوح وسفينته :﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِين﴾(11).
ففي قوله تعالى «إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَة» تنبيه إلى أنّ هذه القصّة لم تنته وأنّها بقيت آية للعالمين. وقوله تعالى:﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ *لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾(12). ثمّ إنّ الكعبة البيت الحرام تقوم ومنذ أذان إبراهيم الذي رفع قواعدها واسماعيل عليهما السّلام، باستقطاب المؤمنين من النّاس من كلّ حدب وصوب:﴿إِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾(13)
ومنذ ظهور الإسلام الخاتم كشف اللّه تعالى لنبيه محمد ﷺ عن القبلة الحقيقيّة وعن المسجد الحرام الذي جعله تعالى مثابة للنّاس وأمنا:﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾(14).
وقد أعيد هذا التّأكيد على التّوجه نحو القبلة (الكعبة) أكثر من مرّة، فالكعبة المشرّفة هي قبلة صلاة المؤمنين. والصّلاة كما هو معلوم عندنا، هي قمّة الوعي لأنّها لحظة اللّقاء والصّلة باللّه تعالى. واللّه تعالى نور كلّه، فالصّلة الصّادقة به تعالى استنارة كلّها.فالكعبة هي همزة الوصل، وهي البيت الذي عنده يأخذ العقل الإنساني كمالاته وثمراته من العقل الإلهي المطلق المهيمن:﴿وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾(15).
فالحرم الآمن يجبى إليه ثمرات كل شيء، فهو العقل الحاوي لكل خير، العاقل لكل منفعة وفائدة. فكل حكمة وكل ثمرة موئلها إلى البيت الحرام، وهي من نصيب المؤمنين. ولذلك يُحرم المؤمن في الحج إشارة إلى حرمة الالتفات إلى سوى الحرم ورب الحرم، لأن الالتفات إلى سوى الحرم الآمن جهل فظيع. وهل يلتفت إلا من ضيع شيئا ؟ والمؤمن من آمن أنه بتولية وجهه للحرم وبتكبيره تكبيرة الإحرام عند الصلاة، فقد حرم عليه الالتفات؛ وهل يلتفت الإنسان إلاّ لحاجة؟ وهل من حاجة لمحتاج إلا عند الله؟ فكيف يلتفت إلى سوى اللّه من هو بين يدي اللّه إلاّ أن يكون غير محرم أصلا.
فإذا اتجه الإنسان إلى الكعبة وجعلها قبلته ومقام روحه، فهو المسلم المنتمي إلى الأمّة الوسط، الشّاهدة على النّاس. ولذلك ارتبط الحديث عن الأمّة الوسط بمسألة القبلة:﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾(16).
واضح أنّ التّرابط متين بين قضايا الاستواء والمركز الوسط والشّهادة والكعبة (المسجد الحرام). فالاستواء وهو التّمكّن والتّمكين وهو تمام التّأييد، إنّما يكون في النّقطة الوسط. فإذا ما استوى موقعه من الكلّ، كان حينئذ قادرا على الشّهادة على الكلّ ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾. والأمة الوسط هي قلب الأمم، وهي أمّة الأميين الذين ما كانوا يعلمون ما الكتاب من قبل. فالأميّون هم قلب الإنسانيّة، ورسولهم النّبي الأميّ هو الشّاهد عليهم وهم على الإنسانيّة شهود. أمّا بقية الخلق فهم محيط الدّائرة، ويهدي اللّه لنوره من يشاء. هكذا يتّضح أن مسار الإنسانيّة هو مسار وعي وعقل، وأنّ من يصل إلى القمّة في العقل، يصل إلى القمة في التّمكين، وأنّ التّمكين الحقيقي هو تحصيل الوعي الحقيقي. وهنا اختلف البشر واستحال عليهم الاتفاق.
فالوعي (قبلة البشر) تَمَثّله كل إنسان بكيفيّة معيّنة، ورأته كلّ أمّة على معنى مخصوص. وقد امتازت هذه الأمّة الأمّية بالوعي الأكمل باتجاهها إلى العقل الكلّي المهيمن الذي هوالرّحمان إن مسألة القِبلة تحدد المسألة الحضارية في المنظور الإسلامي، وتؤكد على أن أرقى من تحضر من البشر محمد رسول الله ﷺ، وأرقى من تحضر من الأمم الأميون عليهم بركات الله وصلواته، وأن هذه الحضارة هي قمة الحضارات، وأن ما عداها يقصر عن بلوغها. ولنا في ذلك مقال بإذن الله تعالى.
الهوامش
(1) سورة المائدة- الآية 8
(2) سورة العصر - من الآية 1 إلى الآية 3
(3) نحن لا نستعمل هذه العبارات بنفس المعنى الذي يستعمله لها الفلاسفة وعلماء الكلام وكل من تكلم في هذه المواضيع، وإنما نستعملها بالقدر الذي نرى أنها توضح لنا معنى نستقيه من القرآن الكريم ونؤصله في هذا الكتاب العزيز.
(4)  سورة البقرة - الآية 30
(5) سورة هود - الآية37
(6) سورة المؤمنون- الآية27
(7) سورة هود- الآية 44
(8) سورة المؤمنون - الآيتان 28و29
(9) سورة طه- الآية 5
(10) سورة المؤمنون - الآيتان 29 و30
(11) سورة الشعراء - من الآية 119 إلى الآية 121
(12) سورة الحاقة - الآيتان 11 و12
(13) سورة الحج - الآيتان 26 و27
(14) سورة البقرة - الآية 144
(15) سورة القصص - الآية 57
(16) سورة البقرة - من الآية 142 إلى الآية 144