في العمق

بقلم
د.محرز الدريسي
العنف المدرسي: تمثلات التلاميذ ومدخل الجودة التربوية (6)
 3/ مداخل التّوقي من العنف داخل المدرسة العموميّة 
تتطلّب معالجة العنف في الوسط المدرسي عدم الاقتصار على الاستجابة الآنيّة، وإنّما رسم ملامح خيارات أساسيّة ومتكاملة تستند على مبدأ الجودة التّربويّة وشروطها(1)، وتقديم إجابات ذات منحى هيكلي وإنساني بنفس تجديدي، يؤمن بأنّ للتّربية والمدرسة دورا حيويّا في تطويق العنف والوقاية من السّلوكات العدائيّة، لهذا فإنّ المداخل التي نقترحها تنبني على ترقية المناخ المدرسي لتحقيق مؤشّرات الجودة التّربويّة، فلا جودة تربويّة دون مناخ مدرسي إيجابي، ولا مناخ مدرسي إيجابي دون الالتزام بمعايير الجودة التّربوية وشروطها. 
3-1  أنسنة المدرسة وتجويد المناخ التربوي
لا يعني التّوقي من العنف في الوسط المدرسي «صفر عنف»، وإنّما تجويد المناخ المدرسي وإرساء ثقافة مدرسيّة تعتمد قيم الحوار والتّفاهم، وتنشئ آليّات توطينها وترسيخها، لذلك من الضّروري تبنّي مقاربة مجتمعيّة تشرف عليها وزارة التّربية بالشّراكة مع مختلف الوزارت ذات الصّلة بالشّأن الشّبابي، والتّنسيق مع المؤسّسات الفاعلة  في المجتمع المدني، لبلورة حلول مؤسّسيّة تغيّر المشهد التّربوي والثّقافة المدرسيّة في مستوى القيم والآليّات. فالمدرسة ليست فضاء للتّعلّمات فقط بل هي فضاء تدريب على التّعايش وعلى المواطنة وقيم التّسامح والتّضامن، وهي مصنع القيم الاجتماعيّة والمدنيّة بامتياز، لذا فإنّ تطوير الحياة المدرسيّة صلب المؤسّسات التّربويّة يتطلّب تأمين جودة الفعل التّربوي وتكريس الحقوق التّربويّة، وتنويع أنشطتها وتجويد مختلف الخدمات التي تقدّمها. كما يتطلّب تحرّرها من انغلاقها داخل «قلعتها»، وتكون أعمق تفاعلا مع مستجدّات عصرها، وأكثر انفتاحا على محيطها، بتوسيع الشّراكات مع المنتديات المواطنيّة والجمعيّات التّربويّة بهدف تأطير التّلاميذ، وتجعل من فضاءاتها مجالا للعيش المشترك وإطارا لتنمية شخصيّة المتعلّم ومواهبه بتعميم النّوادي الثّقافيّة والرّياضيّة والصّحيّة والمروريّة والبيئيّة، وإعادة النّظر في أنشطتها حتّى تتلاءم مع رغبات التّلاميذ وتنجح في استقطابهم. 
تستوجب الأنشطة الوقائيّة من العنف المدرسي حوكمة المنشآت التّعليميّة وأن يتقاسم الفاعلون فيها نفس الرّؤية، وتتعاون أطرافها المتنوّعة على تحقيق هذا الهدف بانخراط كافّة المتدخّلين في هذا المبتغى، الذي يعسر إنجازه دون تحسين العلاقات صلب الأسرة التّربويّة، ومزيد إدماج المربّين والأولياء والتّلاميذ في عمليّة حوار موسّع لتبادل الأراء والمواقف والرّؤى، والاتفاق على نموذج موحّد للمدرسة يتوافق عليه الجميع ويحترمونه. 
ما يوحّد الفاعلين حقيقة إرساء هياكل للحوار والتّشاور داخل الوسط المدرسي على غرار تفعيل «المجلس البيداغوجي» و«مجلس المؤسّسة»، أو ابتكار أشكال تشاوريّة أخرى تتيح  لمدير المدرسة هامش تصرّف لإنجاز مبادرات، والتّعاون مع مختلف المتدخّلين التّربويّين من أجل صياغة «مشروع المؤسّسة» تبعا لما تمليه حاجيّات المدرسة الفعليّة والخصوصيّات المميّزة لمحيطها الاجتماعي والجغرافي. ولا يمكن الحديث أيضا عن حوار حقيقي في الوسط المدرسي مالم تتغيّر طبيعة تشريك المتعلّمين في إبداء أرائهم وتقديم مقترحاتهم والتّفاعل معها، إلاّ بإقامة ثقافة مؤسّسيّة مضادّة للنّظام الهرمي، تعتبر التّلميذ مسؤولا وقادرا على تمثيل مصالحه وتنظيم شؤونه، وترسّخ لديه المسؤوليّة الفرديّة في خدمة المجموعة، عبر تركيز آليّات فضّ النّزاعات وتنشيط منابر الحوار وبعث فضاء تواصلي منصف بين المدرّس والتّلميذ. والتّفكير في إحداث «مجلس التّلاميذ» وتفعيل انتخاب نواب الأقسام لدعم إسهام التّلاميذ وإشراكهم عبر نوّابهم في مختلف شؤون الحياة المدرسيّة، إذ لا يمكن تعليم الدّيمقراطيّة للتّلاميذ إذا كانوا عاجزين على عيشها داخل المدرسة، فالشّبان يؤمنون بالدّيمقراطيّة حين التمرّس بوسائلها وأدواتها وتملّك قيمها وتشرّب ثقافتها.  
تتطلّب كافّة المداخل الوقائيّة المضي بجدّية في إصلاح تربوي متكامل، من أبرز مكوّناته إرساء الجودة التّربوية، تتفرع منها جودة المناهج وتجويد أساليب التّعليم والتّعلّم واعتماد استراتيجيات جديدة في هندسة البرامج تقوم على تأكيد الجوانب القيميّة وتعزيز المهارات الاجتماعيّة، وعلى الكيف عوض الكمّ وعلى التّعدّد عوض الأحاديّة. ومن أبرز شروط الجودة التّربوية تنمية كفاءة الأطر التّربويّة والإداريّة، وتعميق جودة التّكوين الأساسي، وتطوير مهارات المرافقة والوقاية من السّلوكات العدائيّة في الوسط المدرسي، لذا من المهمّ تحديث التّكوين الموجه للإطار التّربوي وتدريبه على الإدارة الصّفّيّة وتقنيات التّواصل والاعتراف بأحاسيس التلاميذ والإقرار بكرامتهم. حيث يشكّل التّعامل الإنساني مع التّلاميذ، والإصغاء للمراهقين بتقنيات تربويّة وإنسانيّة تستجيب لانتظارات المتعلّمين وحاجيّاتهم، ويقوم منطق التعلّم المعاصر على مبدأ مساعدة المتعلّم على التّعلّم، ويقتصر دور المدرس على التّنظيم والمساعدة. فالتّلميذ يتمتع باستقلاليّة واسعة تمكّنه من بناء المعرفة المدرسيّة والمساهمة في عمليّة التّخطيط. وما من شكّ أنّ الجميع أصبح واعيا بمحوريّة المتعلّم في العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة ومكانته في المنظومة التّربويّة وحقوقه الإنسانيّة.
 لكنّ الوعي بهذا المعطى غير كاف للنّهوض بقطاع التّربية والتّكوين إلاّ بمنح الأولويّة المطلقة للمتعلّم انطلاقا من مبادئ احترام خصوصيّاته الفرديّة وصيانة حقوقه في تعليم ذي جودة مبني على أساس تكافؤ الفرص، ما يستدعي من المربّين استيعاب مبدأ قابليّة التّربية لكافة التّلاميذ دون استثناء، وتبني « أنّ كلّ تلميذ يعتبر مهمّا» دون تصنيفهم، والتّواصل معهم إيجابيّا وبتفهّم عميق.  
بينت التّجربة أن مكاتب الإصغاء تساهم جزئيّا في حماية المراهقين من المخاطر الصّحيّة والانزلاقات السّلوكيّة، لذلك من المهمّ توسيع شبكتها(2)والتّرفيع في عددها ولم لا تعميمها على جميع المعاهد والمدارس الإعداديّة باعتبارها آليّة ناجعة للتوقّي من وضعيّات التّوتر والعنف وصعوبات التّواصل. إلى جانب الإحاطة بكلّ تلميذ يحتاج إلى المساعدة أو الإرشاد حين يمرّ بمرحلة حرجة من حياته الشّخصيّة أو الاجتماعيّة أو المدرسيّة ومرافقته للوعي بذاته وبناء شخصيّته ودعم ثقته بقدراته على النّجاح في الدّراسة والحياة، وتعهّد المراهقين الذين يمرّون بصعوبات مختلفة وتمكينهم من التّعبير عن مشاغل شخصيّتهم وذواتهم. 
وكشفت المحادثات حاجة حقيقيّة داخل المدرسة والمقاربات التّربويّة بضرورة إيلاء التّربية على التّطوّع والخدمة الاجتماعيّة المنزلة التي تستحقّها، فمن غير المقبول تربويّا أن لا يتمّ إدماجها بصيغة ما صلب المنظومة التّربويّة، والتّفكير في نمط تكويني جديد عبر تلقيح الوضعيّات التّعليميّة بممارسة تربويّة أفقيّة تطوّر شخصيّة التّلميذ وتنمّي ذاته. وأن تتحوّل المؤسّسة التّربويّة إلى مدرسة «موجّهة» لا تنفصل فيها المعرفة عن الكفاية والنّجاح المدرسي عن النّجاح الاجتماعي، وأن تواكب التّعلّمات  تنشئة اجتماعيّة وتدريبيّة وتربويّة موازية، ويمكن  للتّوجيه المدرسي أن يفتح هذه العوالم التّربويّة والإرشاديّة بتفعيلها في خدمات مدرسيّة ترتقي بملامح التّلاميذ المعرفيّة والنّفسيّة والمهاريّة.
3 2- مداخل الجودة التّربويّة للتّوقي من العنف المدرسي
تنطلق الإجراءات الوقائيّة من المداخل التّالية:
* تعزيز قدرات المؤسّسات التّربويّة وتوسيع العرض التّربوي وتجويده في جميع المدارس من أجل الدّراسة في أحسن الظّروف، وعملا بمبدأ تكافؤ الفرص يجب الاهتمام بالبنية التّحتيّة للمؤسّسات التّربويّة ومدّها بكافة الوسائل والإمكانيّات لتؤدّي الأدوار المنوطة بها وتقديم خدمات ذات جودة لكي تصبح جاذبة للتّلميذ لا طاردة له، وأكثر حفاوة بالمتدخّلين التّربويين والأولياء، وفتح المدرسة القلعة لكي تكون لا مجرد مساحة للمرور إلى عالم الحياة بل هي عالم الحياة والاندماج الفعلي.  
* تنقية العلاقات الإنسانيّة في المدرسة، بحيث يسودها مناخ الاحترام المتبادل بين كافة الفاعلين يطبعه وعي بالحقوق والواجبات، وتغلب عليه روح التّعاون والتّآزر، ما يخلق شعورا لدى المتعلّمين بالاطمئنان والرّضا عن جودة فضائهم المدرسي. فالمدرسة فضاء للحياة يحسّ فيه المتعلّم أنّه مرّحب به، تشتمل على فضاءات متعدّدة كالمكتبات والملاعب الرّياضيّة وقاعات الأنشطة، وتتميّز بالنّظافة ومهيأة بشكل جيّد لاحتضان أنشطة المتعلّمين. 
* الحرص على نقل الممارسة التّربوية من «التمركز على التّعليم» إلى «التّمركز على التّعلّم» كتجدد في أشكال الاندماج، وأن تبنى اتجاهات التّلميذ في النّموذج التّربوي الحديث على التّعاون والعلاقات التبادليّة تعويضا للفردانيّة والتّنافسيّة، ومن العلاقة المهيمنة إلى العلاقة التّشاركيّة، والاستفادة من النّظريّات البنائيّة والسّوسيوبنائيّة («ج. بياجي»، و«ل. س. فيقوتسكي»، و«ج. برونار») في إحياء الصّفوف المتضامنة لا المتنافرة، وهو ما يتطلّب من المدرسة تجديد عمليّاتها التّدريسيّة، والاعتناء بالبعد الاجتماعي والتّربية على الكفايات الأفقيّة، وتغذية قيم التّشاركيّة ورفض التّنميط عبر «تنمية الحسّ النّقدي في البرامج الدّراسيّة وتطوير التّربية على المواطنة العالميّة» (3). 
* الارتقاء بالمدرسة لتكون فضاء مواطنيّا، بتنمية قيمة الإنصاف، وأن توضع قواعد النّظام والانضباط على طاولة النّقاش الجماعي صلب المدرسة، وبناء قواعد سلوكيّة ومرجعيّة قيم موحّدة،  بتشجيع مشاركة التّلاميذ والمربّين والأولياء بهدف إنشاء جماعة تربويّة متماسكة، فالمدرسة مجتمع مصغّر، حيث كلّ فاعل مواطن مشارك. 
* العناية بالموارد البشريّة، نظرا لدورها الحيوي في الارتقاء بمستوى المنظومة التّربويّة والوقاية من العنف، لهذا ينبغي الاهتمام بكافة المتدخّلين في الحقل المدرسي سواء على المستوى المادّي وظروف العمل أو على مستوى التّكوين الأساسي والمستمر (صناعي وإنساني)  وتبادل التّجارب وكذلك شروط انتداب المشرفين على المدارس.
* تحرير المربين وكذلك الإطار الإداري من الخطاطات المهنية الروتينية للتصرف بطريقة تجديديّة تستلهم المبادرات وتثمّنها،  وتجعل من المدرسة مخبر المستقبل، وتدعم مهارات التّخطيط والبرمجة والنظرة العقلانيّة للزّمن، وأن تولّي التّنشئة الاجتماعيّة اهتماما أكبر من نقل المعرفة (Rochex,1997)، واستثمار الزّمن  الحرّ من قبل المدرسة، وأن تفتح أبوابها طوال اليوم/السنة، وأن تبتكر أدوارا جديدة  في مواجهة الانحراف والسّلوكات العنيفة واللاّمدنيّة.
* تأهيل الفضاء المدرسي عبر حماية التّلاميذ من المحيط الخارجي، بتوفير قاعات مراجعة خلال ساعات الشّغور تقلّل من تعرّضهم لمخاطر الشّارع، وضبط روزنامة زمنيّة تخصّص قاعة للتّلاميذ باستمرار وجدولة زمنيّة متوازنة تتيح للقيّمين القيام بأدوارهم الإرشاديّة والتّربويّة. وأن تحظى المدرسة باحترام كامل لحرمة فضاءتها من خلال تأمينها بسياج مع الحرص على منع التّسلّلات اللّيليّة باعتماد عناصر بشريّة (إدارة، يقظة، حراس..) ووسائل تكنولوجيّة (كاميرات) للمراقبة والحماية.
* ترسيخ سياسة اللاّمركزيّة على مستوى التّسيير وتقاسم المهام، وتكييف السّياسات التّربويّة مع خصوصيّات كلّ منطقة، ومنح المؤسّسات التّربويّة هامشا من الاستقلاليّة في تسيير شؤونها وإعطائها صلاحيّات إداريّة وماليّة حقيقيّة، وإمكانيّة تكييف المناهج التّعليميّة مع حاجياّت متعلّميها، بالتّوازي مع إخضاعها إلى تقييم أدائها بشكل دوري لمعرفة مدى جودة الخدمات التّربويّة المقدّمة. 
* إحداث مرصد وطني لرصد العنف بالوسط المدرسي وتدعيمه بهياكل جهويّة ومحليّة وإسناده ببوابة أو منصّة رقميّة لإنشاء قاعدة بيانات دقيقة حول العنف وتحديد البؤر «السّوداء» في عدد ارتفاع الاعتداءت، والاشتغال عليها علميّا، لضبط الاجراءات وصياغة موضوعيّة لسبل العلاج والوقاية.
* إصدار نصوص تشريعيّة وترتيبيّة لتأطير سياسات الحدّ من العنف وإبرام الشّراكات، وإنجاز وثائق مرجعيّة لمأسسة الرّؤية والاجراءات تشمل مرجعيّة الجودة التّربويّة ودليل تحسين المناخ المدرسي ودليل إجرائي لمديري المؤسّسات التّربويّة وغيرها.
* من الضّروري تطويق العنف الشّبكي (الرّقمي) بصياغة ميثاق استعمال التّكنولوجيّات الحديثة داخل المؤسّسات التّربويّة، وتكريس أخلاقيّات استعمال الشّبكات الاجتماعيّة والتّقنيات الجديدة، وإنشاء نوادي التّربية على بيداغوجيّات التّفاعل مع الشّبكات العنكبوتيّة والمنصّات الافتراضيّة ووسائل الإعلام المختلفة. 
* بلورة مشاريع مشتركة داخل المؤسّسة التّربويّة تحت عنوان «مشروع المؤسّسة» مثل إنشاء مواقع إلكترونيّة، عقد احتفالات متنوّعة، إثارة اهتمامات ومشاريع بيئيّة، تنظيم رحلات علميّة وترفيهيّة، إقامة لقاءات رياضيّة وثقافيّة وفنيّة الخ.
* من الضّروري مراجعة آليّات التّقييم (الاختبارات)، فالمدرس الذي يقيّم جيّدا لا يفرز عنفا في صلب هذا المسار، فالتّقييم ليس وسيلة للعقاب والضّغط والمقايضة (Perrenoud,1998)، وإنّما أداة لتحسين النّشاط البيداغوجي وتوفير المعلومة وإجراء التّغذية الرّاجعة للمتعلّم لتعديل تمشيّاته في التّعلّم، وكذلك للمدرّس ليتمكّن من تعديل نشاطه.
* تطوير حلقات الاتصال بين العائلات والمدرسة، وتشريكها في مشاريع المدرسة، وتخصيص مكان لائق لمقابلة الأولياء وضبط حيّز زمني(السّبت صباحا مثلا)  يطلق عليه مثلا «ساعة الأولياء». 
خاتمة
خلص المقال إلى أنّ العنف المدرسي متعدّد الأبعاد ومركّب في تنوع مفاهيمه وتعدّد مبرّراته واتساع تداعياته على الفاعلين وخاصّة المتعلّمين، لذا حرصنا على الاستماع إلى «سرديتهم» ورصد فهمهم للسّلوكات العنيفة، عبر منهج تفاعلي يستقرئ ما يجري داخل «العلبة السّوداء» من خلال تجربة الفاعلين في الوسط المدرسي. تمحورت المقاربة الكيفيّة حول دلالات العنف ومظاهره وارتباط قوادحه بنمط اشتغال المؤسّسة وتجاويف العلاقات البيداغوجيّة المتوتّرة وتأثير الطّرائق التّربويّة وأشكال العلاقات السّائلة والصّلبة في تكثيفه وتأجيجه. وتوصّلنا إلى استنتاج محوري أنّه حين يتدهور المناخ المدرسي وتتضخّم الانحرافات الصّغرى وتتكاثر وتتراكم الوقائع والخلافات التي لم تعالج، تنتهي إلى خلق إحساس بعدم الأمان لدى التّلاميذ والمربّين،وتجعل من الرّوابط المدرسيّة متراخية مع انكماش على الذّات من قبل الضّحايا ولكن أيضا الجسم التّربوي. 
ورسمنا في الختام حزمة من المداخل التّعديليّة بغاية أنسنة المدرسة العموميّة التّونسيّة ومناصرتها على ترقية أدائها بتفعيل رهانات الجودة في المناخ المدرسي للتّقليص من سلوكات العنف وتوفير الظّروف المناسبة لتحسين أداء المدرسة وتجويد مخرجاتها من رأسمالها البشري وملامح المتعلّمين، وتجويد التّربية وتحسين المناخ المدرسي وتطوير البرامج والتّقنيات البيداغوجيّة وحواملها. بالإضافة إلى استهداف إجراءات موضعيّة دقيقة، تبرز أنّ الجودة في التّربية بقدر ماهي إعلان مبادئ، تحتاج إلى تفعيلها في الواقع المدرسي وممارستها ميدانيّا وتقديم الخدمات المطلوبة بفعّاليّة حتّى ترتقي إلى مستوى انتظارات المستفدين، وأجرأة المبادئ المعلنة حول الإنصاف والمساواة بشكل يومي، وإقامة جسور الثّقة بترسيخ ثقافة التّشاركيّة. 
نعتقد أنّ على المدرسة أن تقاوم باستمرار وبشكل دوري لتجفيف منابع العنف في الوسط المدرسي، ويكفي أن تكون في المدرسة حالة عنف واحدة حتّى تحرج كلّ الفاعلين وتقلق كلّ مهتم بالتّربية والتّعليم عن مصير الشّبان وتخدش المثل التّربويّة.
الهوامش
(1)في انتظار ضبط مرجعية جودة بمؤشرات دقيقة.
(2) أحدثت مكاتب الإصغاء و الإرشاد بمقتضى المنشور عدد 66/1/99 الصادر سنة 1999 بهدف «مزيد دعم الإحاطة التربوية والنفسية والاجتماعية بالتلاميذ وتحسين الجانب العلائقي بالمؤسسة التربوية»،  و من أهدافها  « مقاومة الإخفاق المدرسي و الانقطاع عن التعليم وحماية المراهقين من المخاطر الصحية والانحرافات السلوكية « استعملت لأول مرة في النصوص القانونية والترتيبية المعنية بالشأن التربوي لفظة المرافقة في الفصل 33 من القانون التوجيهي عدد 80 / 2002 في 23 جويلية 2002، إلا أن استعمالها يبقى غير واضح المعالم إذ سبقتها لفظة الدعم مما يعطي بعدا ثانيا لمفهوم المرافقة لن يتضح إلا بصدور الأمر المتعلق بالحياة المدرسية.  
(3) تقرير اليونسكو في التعليم لسنة 2017.