حق الرد

بقلم
محمد المرنيسي‎
ولي نظر في «وجهة نظر»
 قرأت في العدد الأخير من مجلة الإصلاح التّونسيّة مقالا للأستاذ الفاضل سعيد سليماني تحت عنوان:«التعليم الديني في المغرب وتحديات العولمة – التعليم العتيق نموذجا»( 1). قرأت المقال عدّة مرّات بعد استنساخه على الورق، وراجعت أكثر النّصوص المستشهد بها في المراجع التي أحيل عليها في الهوامش، وحاولت أن أكوّن خلاصة مركّزة عن الموضوع الذي يصلح أن يكون أطروحة جامعيّة فما استطعت، وفي رأيي أنّ العناوين الفضفاضة يصعب التّحكّم في مسالكها للوصول إلى الهدف المنشود. وعليه فإنّ نظري في المقال المذكور أعلاه يركّز على عنصرين اثنين: المنهجيّة والأسلوب. 
أولا: على مستوى المنهجية 
* لم يستطع صاحب المقال أن يحافظ على الفصل بين محوري التّعليم الدّيني وتحديات العولمة،ونموذج التّعليم العتيق.
* التّعليم الدّيني في المغرب ينضوي تحته التّعليم العمومي، أو العصري كما يسمّيه البعض، لكونه يشتمل على مادّة التّربية الإسلاميّة في مختلف المراحل التّعليميّة من التّعليم الأوّلي إلى نهاية التّأهيلي، وهذا هو التّعليم السّائد اليوم في المجتمع المغربي، وعلى الرّغم من حصصها الضّعيفة في مختلف المراحل التّعليميّة(2) فإنّها تشكّل هاجسا مزعجا لدى بعض السّفارات الغربيّة وبعض الأفراد والهيئات بالبلاد، يقرؤون كتبها باستمرار ظاهرا وباطنا، حتّى تكاد أن تكون وردهم اليومي؛ مخافة أن يتسرّب إلى قيمهم وشعاراتهم ما يشكّك فيها أو يعارضها، ولذلك تعتبر مضامين هذه المادّة أكثر من غيرها عرضة للتّعديل بدعوى الإصلاح، والذين يمارسون العمل في الميدان يعرفون أكثر ممّا أقول.
ولعمري كيف يربط البعض التّعليم الدّيني - كما يقولون – بالإرهاب والعنف، مع هذا الوضع المقلق الذي تعيش فيه مادّة التّربية الإسلاميّة في التّعليم العام؟ أعتقد أنّ الجهل بالإسلام هو الذي يسهم في تفريخ الإرهاب والعنف، وليس العكس.
كما ينضوي تحته التّعليم الأصيل، وهو التّعليم الذي كان سائدا وقائدا قبل الاستعمار الفرنسي، وما يزال صامدا في الميدان رغم قلّة الأنصار والأعوان، ونظام التّعليم الأصيل هو قسيم للتّعليم العام، يبدأ من التّعليم الأوّلي إلى البكالوريا، له مؤسّساته ومناهجه وكتبه المدرسيّة، وميزته أنّه يشتمل على مواد التّعليم العام مع ارتفاع في حصص المواد الإسلاميّة،ومع ذلك نجد أنّ نسبة المنتمين إليه ضعيفة لأسباب لا داعي لذكرها الآن. ولمن أراد الاطّلاع عليه يمكنه الدّخول إلى موقع «التّعليم الأصيل الجديد».ويتولّى الإشراف على التّعليم العام بنوعيه وزارة التّربية والتّعليم.
أمّا التّعليم العتيق فهو تعليم مهيكل بشكل تامّ، تشرف عليه مديريّة التّعليم العتيق ومحو الأمّية بوزارة الأوقاف والشّؤون الإسلاميّة، ويمكن الاطلاع على نظام هذا التّعليم ومحتوياته في موقع: «مديرية التّعليم العتيق ومحو الأمّية». 
* والملاحظ في المقال أنّ المصطلحات المركزيّة لم يتم تعريفها بما يكفي ليتّضح مفهومها لدى القارئ، وسأقف قليلا عند مصطلح تردّد كثيرا بعبارة «التّعليم الدّيني» ومرّة بـ «التّعليم الدّيني الإسلامي»، ويستعمل هذا الخلط عند الكثير من الكتّاب والباحثين، وهم يعلمون يقينا أنّ التّعليم الدّيني يدخل فيه كلّ دين سماوي أو غيره، والمسلمون يعتقدون أنّ الدّين عند اللّه الإسلام، لقوله تعالى:﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾(3)، وقوله عز وجل:﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾(4)
وعليه فإنّ التّعليم عند المسلمين كان ولا يزال تعليما إسلاميّا شاملا لحياة المسلمين، ولا يمكن فصله عن مختلف مظاهر الحياة العامّة للمجتمع المسلم؛ لا لوجود مادّة أو مواد إسلاميّة في منهاجه الدّراسي فحسب،ولكن لأنّ المواد الأخرى في المنهاج يجب أن تتجنّب في مضامينها ما يتعارض او يشكّك في تعاليم الإسلام وأحكامه وآدابه.والحسّ الإسلامي قويّ جدّا لدى المغاربة فهم لا يتسامحون مع من يحاول أن يتسلّل إلى حصون الإسلام قصد التّخريب والهدم،وآخر الأمثلة اكتشاف عبارة « التّوجّه الجنسي» في كتاب من كتب محو الآمّية،وكانت له آثار على الوزارة الوصيّة (5).
* وفي سياق المنهجيّة أيضا لاحظت أنّ بعض المراجع المعتمدة في المقال لم يكن لها صلة بالتّعليم الدّيني في المغرب تحديدا، وعناوينها والنّصوص المستشهد بها تؤكّد ذلك، فعند الرّجوع إلى دراسة الأستاذ محمد فاعور«التّعليم الدّيني والتّعدّديّة في مصر وتونس»، نجد أنّه حدّد موضوعه بدقّة،وكان هاجسه هو:ماذا سيفعل الإسلاميّون في مصر وتونس بالمنهاج الدّراسي بعد وصولهم إلى السّلطة؟ وظلّ هذا السّؤال يؤرّقه حتّى انتهى إلى ترجيح عدم أسلمة المناهج التّعليميّة مراعاة للتّوازنات والأولويّات المطلوبة في تلك الفترة.
وفي النّصّ المقتبس من تاريخ الفكر التّربوي للأستاذ العربي فرحاني عموم يدخل فيه كلّ تعليم ديني على الأرض، ولا يخصّ المغرب، ثمّ إنّ هذا الاقتباس يأتي مباشرة بعد حديث عن(مؤسّسات التّعليم العتيق) وما ورد فيه متاهة لا يحتاج إليها التّعليم العتيق لقناعة القائمين عليه بأهداف رسالته وأهمّيتها في المجتمع المغربي.
أما مقال الأستاذ مصطفى بن حمزة: «رؤية في التّعليم الدّيني بالمدرسة المغربيّة»المنشور في مجلة «الفرقان»العدد 78 سنة 2016، فيخصّ التّربية الإسلاميّة بالتّعليم العامّ، وكان السّؤال الذي طرحته المجلة: «مراجعة التّربية الإسلاميّة، لماذا؟» وقد جاء في تقديم ملف العدد ما يأتي:
«تمّ تخصيص ملف العدد78 لمقاربة موضوع أثار جدلا واسعا في الآونة الأخيرة..وقد استكتبت المجلة ثلّة من الباحثين والأكاديميّين قصد تنوير الرّأي العام،وكان الدّكتور مصطفى بن حمزة من المشاركين بمقال...»، وعليه فلا يحمل رأيه هذا على التّعليم العتيق للمناسبة التي كتب من أجلها المقال.
وأخيرا نجد في خاتمة المقال نصّا منقولا من «احصائيّات مؤسّسات التّعليم العتيق للموسم الدّراسي 2017-2018» يقدّم معطيات رقميّة عن فضاءات التّعليم الأوّلي، ومدارس، وكتاتيب قرآنيّة، ومراكز لتحفيظ القرآن الكريم، مع تقويم عام يشيد بالإقبال المتزايد على هذا النّوع من التّعليم رغم أنّنا نعيش عصر المدرسة الحديثة والمعاصرة كما جاء في أواخر المقال.
والسّؤال الوجيه: لماذا يستشهد بهذه الإحصائيّة تحديدا وقد مضى عليها أربع سنوات؟ ألا توجد إحصائيّات حديثة؟ وبغض النّظر عن فترة الوباء، فإنّ الاعتماد على إحصائيّة موسم واحد لا يصحّ أن يصدر فيه حكم، وعليه فإنّ التّقويم العام للتّعليم العتيق لا يستند على مقومات الحكم السّليم.
ثانيا:على مستوى الأسلوب
هناك تفاوت واضح في مضامين الأساليب المستعملة من حيث الوضوح والغموض، والتّداخل والاضطراب أحيانا، وسأقف على مثالين تجنّبا للتّطويل.
_ في نص الأستاذ فاعور: «فالتّعليم كان يتمّ تاريخيّا في أماكن العبادة التي يسيطر عليها رجال الدّين الذين اضطلعوا بدور المعلّمين والإداريين. في نظام «الكُتَّاب»التقليدي، تعلّم الطّلاب المسلمون القرآن الكريم والأحاديث النّبويّة ( شرحها الأستاذ في النّصّ الأصلي) من علماء الدّين وتلقّوا التّعليم الأساسي في اللّغة العربيّة والرّياضيّات، ووفّر نظام «الكُتَّاب»وظيفة اجتماعيّة حيويّة باعتباره وسيلة للتّعليم العام الرّسمي للأطفال وشباب المسلمين حتّى ظهور النّماذج الغربيّة للتّعليم».
في هذا النص يمكن الوقوف على معان بعيدة عن الصّواب،منها :
عبارة :«أماكن العبادة التي يسيطر عليها رجال الدين»، فأماكن العبادة عند المسلمين يراد بها المساجد، ويمكن أن تكون العبادة في غيرها، في البيت والحقل والمصنع وغيرها، واستعمال كلمة «يسيطر» يدلّ على مستوى لغويّ هزيل، واختياره لهذه الكلمة يجعلنا نتساءل:ومن يصلح (أن يسيطر عليها )؟ مزارعون، تجار،..؟
وعبارة «الكُتَّاب»الذي وصفه بالتّقليدي،له ثلاث مهمّات :تعليم القرآن الكريم والأحاديث النّبويّة،أخذ التّعليم الأساسي في اللّغة العربيّة والرّياضيّات،وتوفير وظيفة اجتماعيّة حيويّة،وختم كلامه بأنّ هذا النّظام ظلّ قائما حتّى ظهور النّماذج الغربيّة للتّعليم. وحسب معرفتي المتواضعة فإن«الكُتَّاب»في النّظام التّربوي القديم هو مكان ملحق بالمسجد أو يكون بعيدا عنه، يخصّص لتعليم القراءة والكتابة مع تحفيظ القرآن الكريم، أمّا الأحاديث النّبويّة فلا تدرس عادة في «الكُتَّاب»، وإنّما تدرس في مستوى أعلى مع التّفسير والفقه وبعض العلوم الأخرى في المسجد أو في قاعات مخصّصة لهذا الغرض، أمّا التّعليم الأساسي في اللّغة العربيّة والرّياضيات، فهو أسلوب شبيه بسيطرة رجال الدّين على أماكن العبادة، وهنا ينتهي عنده تاريخ التّعليم عند المسلمين، بعد أن يتلقّوا تعليما أساسيّا في العربيّة والرّياضيات،ولماذا الرياضيّات بالخصوص ؟وهنا يكمن الجهل بعينه، فأين درس علماء المسلمين وفقهاؤهم وأدباؤهم؟وكيف تركوا تراثا ضخما في كلّ المعارف التي كانت سائدة في عصورهم؟ لقد كانت مستويات تعليميّة متدرّجة في النّظام التّعليمي، وكانت لهم مدارس علميّة وجامعات مشهورة في الشّرق والغرب، وكانت لهم إجازات علميّة، وكانت أغلب الأطر العليا للدّولة من بعض خرّيجي هذه الجامعات.
وآخر الأثافي أنّ «الكُتَّاب» كان يوفّر الوظائف الاجتماعيّة للتّعليم العام الرّسمي ...حتّى ظهور النّماذج الغربيّة للتّعليم، وليته كان يعلم أنّ هذه الوظيفة كانت غاية ما يطلبه العلماء، يتقرّبون بها إلى اللّه، يعلّمون أبناء المسلمين ما ينفعهم في دينهم ودنياهم. 
فما قيمة هذا النّص في موضوع المقال؟
* وفي نص ثان ورد في الفقرة الموالية للنّص السّابق، ولكنّه غير منسوب لأحد، فهو إذن رأي صاحب المقال، يتحدّث فيه عن التّعليم العتيق فيقول: «ويسعى القائمون عليه لتوحيد هذا النّمط ليتماشى وتحدّيات العصر المعولم، ومن ثمّ مقاومته للعصرنة والتّشبّث بالتّقاليد العريقة للمغاربة، واعتبارها مكسبا يجب الحفاظ عليه، سواء ما تعلّق منها بطرق التّدريس التي تعتمد أساسا على الحفظ والاستظهار والمشيخة...الخ».
أشرت سابقا إلى التّعليم العتيق وأحلت على موقعه في الشّبكة العنكبوتيّة، وسأقف في هذا النّص على عبارتين: «لتوحيد هذا النّمط؛ ليتماشى وتحدّيات العصر المعولم...العريقة للمغاربة» وطرق التّدريس «التي تعتمد أساسا على الحفظ والاستظهار والمشيخة...الخ».
أقول إنّ التّعليم العتيق نظام تعليمي موحّد ومهيكل بشكل تامّ، فحسب فهمي فإنّ مجاراة تحدّيات العصر المعولم تقتضي أن تكون برامج التّعليم العتيق منفتحة على علوم العصر للتّعايش مع كلّ شعوب العالم، ولكن العبارة الموالية : «ومن ثمّ مقاومته للعصرنة ...» تفيد عكس ما سبق؛ فإذا كانت العصرنة تعني أن يعيش الإنسان منفتحا على عصره، يأخذ منه ما ينفع، ويرفض ما يضرّ، وإذا كان هذا الفهم سليما لغويّا فإنّ مضمون العبارة السّابقة ترفض العصرنة وتقاوم وجودها. 
أمّا طرق التّدريس التي تعتمد أساسا على الحفظ والاستظهار والمشيخة...الخ، فكنت أتمنّى أن تعرض طرق التّدريس كاملة كما يتصوّرها الأستاذ، وأن لا يقتصر على مفردات الحفظ والاستظهار والمشيخة، ويكتفي بنقط الاستكفاء، لاعتقاده أنّ القارئ يفهم الباقي، وقد آلمني هذا التّسطيح والفهم البائس لطرق التّدريس في التّعليم العتيق، واستغربت من كلمة «المشيخة»المقحمة في طريقة التّدريس، وما أزال لا أصدق أنّ مثل هذا الخطأ يصدر من الممارس في الميدان.
ولرفع هذا الظّلم عن طرق التّدريس بالعلوم الشّرعيّة في التّعليم العتيق، أنقل لكم النّصّ باختصار من كتاب «المنهاج التّربوي لتدريس مواد العلوم الشّرعيّة بالتّعليم العتيق»(6)
المنهجيّة العامّة لتدريس المواد الإسلاميّة:
* افتتاح الدّرس بآدابه الشّرعيّة ( البسملة والثّناء على اللّه عزّ وجلّ والصّلاة على رسول اللّه..)
- المرحلة الأولى : التّقويم التّشخيصي، ويشمل مراجعة المكتسبات السّابقة، ومراقبة الإعداد القبلي مع توظيف بطاقة التّنقيط، واستظهار المتن.
- المرحلة الثّانية: تقديم المتن أو الموضوع،ويشمل: التّمهيد للدّرس،كتابة النّص المقرّر وقراءته.
- المرحلة الثّالثة: شرح الألفاظ والعبارات وتحديد المصطلحات والوسائل، إبراز المضامين وتوضيحها وبيانها حسب مستوى المتعلّمين، استثمار المكتسبات وتوظيفها المناسب في النّصّ، استخلاص الأحكام والقيم والفوائد وربطها بالواقع.
- المرحلة الرّابعة: التّقويم والتّطبيق ويشمل:التّقويم الإجمالي للدّرس،مع استثمار نتائجه وإدراج نشاط دعمي عند الحاجة، تنزيل الأحكام على صور وأمثلة ونوازل.
- المرحلة الخامسة: السّرد والإعداد القبلي، ويشمل: السّرد من الكتاب المقرّر مع تصحيح الأخطاء، وتوضيح العبارات الغامضة، واستدراك ما أغفل بيانه، التّكليف بالإعداد القبلي.
* اختتام الدّرس بآدابه الشّرعيّة.
هذه هي مراحل الطّريقة العامّة ولكلّ مادّة خصائصها في نفس المرجع.
الهوامش
 (1) مجلّة الإصلاح - العدد 184 - نوفمبر 2022 - من الصفحة 59 إلى الصفحة 63
(2) الحصص الأسبوعية :3 ساعات في التعليم الابتدائي.ساعتان في التعليم الإعدادي. ساعتان في الشعب الأدبية، وساعة واحدة في الشعب العلمية والتقنية بالتعليم الثانوي التأهيلي
(3) سورة  آل عمران - الآية 19
(4) سورة  آل عمران - الآية 85
(5) جريدة مدار 21 الإلكترونية، وهبة بريس.
(6) من مطبوعات مديرية التعليم العتيق بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 1437 / 2015 .ص: 93 – 94 .