في العمق

بقلم
د.محرز الدريسي
العنف المدرسي: تمثّلات التّلاميذ ومدخل الجودة التّربويّة (2)
 2/ العنف المدرسي: الجودة المتعثّرة وتمثّلات التّلاميذ
2 1- صورة إحصائيّة عامّة للعنف المدرسي
لا تحتوي المواقع الإلكترونية لوزارة التربية – التى قمنا بزيارتها- إلا على إحصائيات تخص نسب التمدرس وتطور الفضاءات التربوية والبنية التحتية، مع غياب تامّ لكلّ معطيات حول السّلوكات اللاّمدنيّة أو العنيفة، وحرصنا على الاتصال بمسؤولين (1) بوزارة التّربية للحصول على  بعض البيانات أو تقارير حول العنف، إلّا أنّنا لم نجد تجاوبا أو بدقّة منحنا وعودا لم تنفذ. 
ولا تتضمن الورقة التّأليفية الوحيدة التي مدّنا بها المرصد الوطني للتّربية (2) مؤشّرات كثافة العنف وتطوّره وأصنافه حسب المتغيّرات والفئات، لذا في ظلّ غياب معطيات وأرقام دقيقة حول العنف المدرسي، وانعدام قاعدة بيانات، يعسر تقديم خارطة دقيقة تسمح بتحليل مؤشّراته وضبط مآلاته المستقبليّة. لذا سنتوقّف عند مجرّد صورة تقريبيّة عن حجم الظّاهرة في المدارس التّونسيّة، والإشارة إلى بعض المعطيات الإحصائيّة العامّة والمشتّتة، بالارتكاز على تقارير بعض المؤسّسات البحثيّة والمدنيّة وشذرات من أرقام وزارة التّربية.  
لم يكن تفشي العنف في الوسط المدرسي مستجدّا أو مرتبطا بحراك 2011 وما تلاه من تداعيّات، فقد كشفت الاستشارة الشّبابيّة الأولى سنة 1995 كثافة العنف الشّبابي، وأكّدت دراسة سوسيولوجيّة أجراها «المرصد الوطني للشّباب»(3) سنة 2004 عمق ظاهرة العنف اللّفظي وخطورته حيث شكّل أسلوبا تداوليّا يتبادله التّلاميذ في الفضاءات التّعليميّة، جعل من المدرسة ثاني الفضاءات من حيث حجم الانتشار بنسبة 43,21 % . 
وشهد الوسط المدرسي مثلا خلال السّنة الدّراسيّة 2005-2006 حوالي (2025)حالة عنف، وترفع  وزارة التّربية سنويّا ما بين 1100 و1200 قضيّة عدليّة في الاعتداءات والسّلوكات العنيفة حسب بياناتها. وتضمن تقرير أعدّته الإدارة الفرعيّة للحياة المدرسيّة بالتّعليم الثانوي سنة 2014 أنّ العنف المادي بلغ  (355) حالة عنف في الثّانوي و(1350)حالة عنف في الإعدادي، و(68)حالة عنف مادي ضدّ الإطار التّربوي، وتجاوز العنف اللّفظي أكثر من (3600)حالة في الإعدادي و(3354) حالة في الثّانوي، وطال العنف المادّي واللّفظي كلّ المستويات التعليميّة من السّابعة أساسي إلى الباكالوريا بنسب متفاوتة. وواصلت الظّاهرة انتشارها خلال العشريّة الأخيرة، مثلما بينت نتائج المسـح الوطنـي(4) للشّباب 2018 - 2019 تأكيد كافة أفراد العينة باختلاف متغيّراتها الانتشار الواسع للعنف في الأوساط الشّبابيّة بنسبة 94.1 %. 
نسب حالات العنف في الوسط المدرسي (2012-2019)
 
 
 يظهر الرّسم مجموع حالات العنف في الوسط المدرسي، في المدارس الإعداديّة والمعاهد الثّانويّة، وقد سجّلت أرفع نسبة من مجموع التّلاميذ في السّنة الدّراسيّة 2013-2014، وأدنى نسبة في السّنة الدّراسيّة 2018-2019. أمّا عدد حالات العنف المادّي واللّفظي الصّادر عن التّلاميذ فقد
بلغ مثلا سنة 2017-2018 قرابة (20344) منها (14792)حالة عنف مادّي و(5552)حالةعنف لفظي. أمّا العنف الصّادر عن الأساتذة فيقرب من  نسبة (8312) حالة منها (7392) حالة عنف جسدي و(920) حالة عنف لفظي، أمّا العنف الصّادر عن الطّاقم الإداري والإرشادي فقد بلغ (5627) حالة منها (4812) حالةعنف مادي و(815) حالةعنف لفظي. 
بلغت أرقام الاعتداءات بالفضاءات المدرسيّة التي تمّ تسجيلها قرابة 180 ألف شكوى لاعتداءات مادّية أو لفظيّة ما بين 2006-2010 ، بينما تمّ تسجيل حوالي 218 ألف شكوى في الفترة 2011-2017 بارتفاع 20 % حسب الإحصائيّات المضمنة في تقرير «المعهد التّونسي للدّراسات الاستراتيجية»(ITES)، ويشير إلى تسجيل 34 ألف واقعة عنف لفظي أو جسدي بالفضاءات التّعليميّة خلال السّنة الدراسيّة 2016-2017، وهي حالات أعلى من السّنة الدّراسيّة 2015-2016  بنسبة 57 % تقريبا، وضعف نسب 2013-2014، تتوّزع حوالي 80 % اعتداءات بالعنف الجسدي و 20 % عنف لفظي، تبرز المعطيات الرقميّة حالات العنف المبلغ عنها فقط، ما يعني أن ّالأرقام الحقيقيّة تفوق ذلك بكثير. 
هذه السّلوكات العنيفة نتيجة للاستفزازات واستهلاك الكحول والأقراص المخدرة وهرسلة جنسيّة وسرقات وغشّ في الامتحان الخ، وبيّن أنّ ظاهرة العنف المدرسي في كلّ من الإعداديّات والمعاهد مرتفعة في الوسط الحضري أكثر من الوسط الرّيفي، نظرا للكثافة الدّيمغرافيّة والظّروف السّوسيو اقتصاديّة والثّقافيّة والنّفسيّة. وفي مستوى توزّع الظّاهرة تتبوّأ تونس الكبرى المرتبة الأولى بنسبة 14 % من السّلوكات العنيفة صلب المؤسّسة التّربويّة، تليها بالتّساوي كل من ولايتي سوسة وصفاقس بنسبة 10 %، وأنّ ثلاثة أرباع (3/4) السّلوكات العنيفة تصدر عن التّلاميذ الرّاسبين، وأنّ ثلثي التّلاميذ (2/3) ممّن لديهم اتجاهات عنيفة لديهم نتائج مدرسيّة متواضعة. 
واعتبر تقرير «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة» لسنة 2019 أنّ العنف المدرسي ظاهرة اجتماعيّة حارقة في المجتمع التونسي، ما جعل تونس في المرتبة الثّالثة عالميّا بعد الولايات المتحدة الأمريكيّة وفرنسا من حيث حجم حوادث العنف المدرسي. وصنّف مصادر العنف المباشر بين اعتداءات من خارج الفضاء المدرسي في أكثر من نصف الحالات، واعتداءات بالعنف صادرة عن الشّباب المدرسي، من بينها ثلثي (2/3)حالات العنف صادرة عن تلامذة تتراوح أعمارهم بين 14 و17 سنة. وكشف المنتدى في نشرية (أفريل 2021) أنّ العنف في المؤسّسات التّربويّة يأتي في المرتبـة الثّالثـة بعد الشّـارع والمنزل بنسبــة 9.5 %، وأنّ 51 % من العنف في الوسط المدرسي يصدر من أشخاص ليست لهم علاقة بالمؤسّسة التّربوية (دخلاء)، ويمثّل العنف المتبادل من الإطار التّربوي والإداري نسبة 14 % من مجموع حالات العنف المسجّلة. 
وبين «المرصد الوطني للعنف المدرسي»(5) في إحصائيّات – لا نملك تأكيدا لدقّتها- أنّ الاعتداءات الصّادرة عن التّلاميذ تجاه الإطار التّربوي بلغت قرابة (4568) حالة سنة 2019 منها (2266) اعتداءً لفظيًا و(2302)اعتداءً ماديًا، وأن القيمين والقيمين العامين هم أكثر المتضررين من الاعتداءات بنسبة 47 % مقابل 23 % على الأساتذة، و11 % على المعلمين بالمدارس الابتدائيّة، و19 % على المديرين والنّظّار. 
وبين أنّه خلال أشهر سبتمبر- أكتوبر- نوفمبر من سنة 2020 ، بلغ العنف المسلّط على التّلاميذ (369)حالة عنف مادّي منها (228)صادرة عن «منحرفين» مقابل (33)حالة عنف مادّي على المؤسّسة التّربوية من غرباء، وسجّلت  (537)حالة عنف تعرّض لها الإطار التّربوي من قبل التّلاميذ ، منها  (470)حالة عنف لفظي مقابل (67)حالة عنف مادّي، كما شمل العنف الإطار التّربوي فيما بينه حيث بلغت الإحصائيّات 58 حالة عنف لفظي.في المقابل، انخفض منسوب العنف إلى 56 % مقارنة بالثّلاثية الأخيرة من سنة 2019 ويفسَّر ذلك بتقليص ساعات التّمدرس بسبب الإجراءات الاستثنائيّة الخاصّة بالجائحة. 
وبخصوص الاعتداءات المرتكبة من غير التّلاميذ، فقد بلغت  (3860)حالة اعتداء منها  (2721) اعتداء مادّي (567 اعتداء بسلاح أبيض) و(1139) اعتداء لفظي مع التّهديد، وتمّ تسجيل (350)حالة اعتداء في إطار «براكاجات» أمام المؤسّسات التّربويّة تضرّرت منها مختلف مكوّنات الأسرة التّربويّة، منها 37 % صادرة عن التّلاميذ، أمّا البقيّة فقد نفّذتها أطراف من خارج المؤسّسة التّربويّة (6).  
وتسهم المناطق المحيطة بالمدرسة في تغذية ممارسات العنف وتصاعد وتيرتها، فقد كشفت الأبحاث الأمنيّة أنّ ترويج المخدّرات تصاعد بنسب مقلقة(7) ، وأنّ 60 % من المتعاطين لديهم سلوك عنيف في المدرسة، وأنّ 67 %  من مستهلكي المخدّرات تتراوح أعمارهم ما بين 13 و18 سنة، وأنّ 46 %  من المستهلكين ذوي نتائج ضعيفة(8).
الهوامش
(1) رغم ما بذلناه من جهد ولقاءات شخصيّة، لم تتم موافاتنا بإحصائيّات دقيقة( مستشارين في الدّيوان، إدارة الحياة المدرسيّة بالمرحلة الإعداديّة والتّعليم الثّانوي، الإدارة العامّة للتّقييم والجودة)، يبدو أنّ أروقة الوزارة تسودها ثقافة الصّمت والكتمان وعدم النّفاذ إلى البيانات.
(2)في لقائنا بمديرة المرصد الوطني للتّربية بيّنت أنّ هذا الهيكل يفتقد إلى العناصر اللّوجستيّة والموارد البشريّة لتفعيل مهامه في الرّصد،  وأنّ المنصّة الرّقميّة التي أعدّتها وزارة التّربية بطيئة جدّا وغير مهنيّة ولا تستجيب للحاجيّات الإحصائيّة والتّوثيقيّة. ما يعني أنّ إنشاء قاعدة بيانات حول العنف المدرسي تتطلّب تكوين هيكل/ مرصد خاصّ بامتدادات جهويّة ومحليّة يرصد ظاهرة العنف ويعالجها بالأدوات العلميّة والإحصائيّة. 
(3) المنجي الزيدي، محمد نجيب بوطالب، محمد المهدي المبروك، ظاهرة العنف اللّفظي لدى الشّباب التّونسي، دراسة سوسيو-ثقافيّة، المرصد الوطني للشّباب، نسخة ورقية، مارس 2004.
(4) الملخّص التنفيذي للمسح الوطني للشباب، 2018-2019،  المرصد الوطني للشباب، الرابط: https://bit.ly/3D6MGRn
(5) تأسّس المرصد الوطني للعنف المدرسي بتاريخ 1 جوان 2014 كجمعيّة تربويّة  من قبل الجمعيّة الوطنيّة للقيمين التّونسيين.
(6) أيمن، سوسيّة،  رئيس المرصد الوطني للعنف المدرسي ، الصّباح الأسبوعي ، 3 فيفري 2020.
(7) ممثّل وزارة الدّاخليّة في جلسة استماع في  لجنة الأمن والدّفاع بمجلس نواب الشّعب بتاريخ 17 فيفري 2020.
(8) محاضرة «الإدمان والمخدّرات بالوسط المدرسي»، الإدارة العامّة للسّجون والإصلاح، بتاريخ 7 أفريل 2017.