من وحي الحدث

بقلم
فيصل العش
«الإخوان» يفوزون .... هل هو خروج من الأزمة أو دخول في متاهة أزمة أخرى ؟

 وأخيرا إنتهى مسلسل الإنتخابات الرئيسيّة المصرية وأعلنت اللجنة العليا لإنتخابات الرئاسة النتائج النهائيّة بفوز محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة  الجناح السياسي لحركة الأخوان المسلمين  بنسبة 51.73%، ليصبح أول رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية لمصر . فبعد سبعة أيام كاملة من نهاية العملّية الإنتخابية وبعد طول إنتظار ومفاوضات بين العسكر والإخوان لا يعلم مكانها ومحتواها إلا الله وذلك من أجل تسوية ترضي الطرفين وبعد أن توتّرت الأجواء بالعاصمة المصرية واستعمل الإخوان ورقة الشارع تقرر الإعلان عن النتائج  بفوز مرسي . وهكذا تطوى صفحة من صفحات الحياة السياسية المصرية المعقّدة لتُفتَح صفحة أخرى عنوانها الرئيسي  ”مصر تحت حكم الإخوان“.

وقد تنفس الاسلاميون في تونس  الصعداء بعد نجاح إخوانهم في مصر ليقينهم أن العلاقة وطيدة بين ما يحدث هناك في مصر ويحدث هنا بتونس 
فكيف يمكن قراءة ما حدث ؟ وما هي الاستنتاجات الأساسية التي يمكن إستخراجها من هذه المحطة الفاصلة في الثورة المصرية؟ وما مدى التشابه بين التجربتين التونسية والمصرية ؟ وأي تداعيات لهذا الفوز على مستقبل الثورات العربية ؟
 
t إن نسبة مشاركة المصريين في الدورتين الأولى والثانية من الانتخابات لم تتجاوز نصف المسجلين حيث بلغت في الأولى  46 %  و في الثانية 52 %  بالرغم من الأهمية التي تكتسيها هذه الإنتخابات. وهو ما يعني  أن جزءا كبيرا من الشعب المصري ليس معنيا بهذا الاستحقاق وأنه لا يرى أهميّة لأصواته في صناديق الإقتراع فقد تكون من وجهة نظره مضيعة للوقت وقد تكون نتيجة عدم ثقته في السياسة والسياسيين ولإن تعددت الأسباب فإن الإستنتاج واحد وهو قلّة وعي هذه الشريحة بخطورة المرحلة وأهمية اللحظة التاريخة بالنسبة لمصر ومن ورائها الأمة العربية جمعاء. وهذا لا يختلف كثيرا عمّا حدث في تونس بمناسبة إنتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011. 
 
t إن الاغلبية التي فاز بها مرسي تعتبر هشّة ذلك أن نسبة الأصوات التي تحصل عليها لا تبعد كثيرا عن نسبة أصوات شفيق آخر رئيس وزراء مبارك ، فالفارق لم يتجاوز  4%   وهو ما يجعلنا نستنتج أن القوى المعادية للثورة التي تحن إلى نظام الحكم القديم  ليست ”فلولا“ كما أطلق عليها شباب الثورة بمصر بل تمثل نصف الناخبين وهو معطى جدّ هام في العملية السياسية المستقبلية التي لابّدّ أن يقف عندها المحللون طويلا . فمرسى إعتلى كرسي الرئاسة بموافقة ربع المصريين المسجلين في قوائم الناخبين وهو مؤشر يجعل مهمّة الرئيس الجديد عسيرة ويجعله يقرأ الف حساب لمواقف معارضيه قبل أن يخطو أية خطوة في هذا الاتجاه أو ذاك.
 
t إن إعلان النتيجة النهائية جاء بعد ضغط كبير من الشارع المصري وقيام مناصري مرسي بالنزول إلى ميدان التحرير وهو ما يوحي بأن قوى الجذب إلى الوراء ومن ورائها القوى الخارجيّة الفاعلة والمؤثرة في الساحة العربية  ليست بالقوة التي يتصورها البعض ولم تعد قادرة على فرض ما تراه لمصلحتها بالقوّة وإنما تتحرك بتفاعل جدلي مع الواقع وتعتمد مبدأ ”الأخذ بأخف الأضرار“ فكلّما ارتفع منسوب ضغط قوى الثورة  تراجعت القوى المعادية  عن مواقفها وتبنت مواقف أخرى في انتظار تغيّر الأحوال. وهو ما يفرض على القوى الوطنية سواء في مصر أو في تونس مواصلة الضغط  في اتجاه تحقيق أهداف الثورة وذلك بالاعتماد على الزخم الجماهيري المؤيد لها وعدم اللجوء إلى مناورات الصالونات المغلقة فكلما اقتربت هذه القوى من الجماهير وتوكلت على الله وعليها إلاّ وكسبت المعركة ولو بعد حين وكلما ابتعدت عن شعوبها ودخلت في متاهات التفاوض إلاّ وخرجت بيد فارغة وأخرى لا شئ فيها . 
 
t إن الأزمة الأخيرة  التي عاشتها مصر خاصة بعد صدور الإعلان الدستوري من طرف المجلس العسكري، ومحاولة ”شفيق“ تجييش مناصريه لقطع الطريق أمام ”مرسي“ جعلت الإخوان يراجعون مواقفهم القديمة ويكثفون في مشاوراتهم ويسرعون في انجاز اتفاقيات وتحالفات مع بقية الاطراف الوطنية وذلك لمواجهة الانقلاب العسكري الناعم  المسمى بالإعلان الدستوري المكمل وهم بذلك قد بدؤوا ، في حالة التبني الإستراتيجي لهذا التمشي، في تجاوز أخطاء الماضي بالانتقال من السير المنفرد إلى شراكة حقيقية في الرؤية والأهداف وتجاوز المشروع الحزبي الضيق إلى المشروع الوطني الجامع بكل استحقاقاته لاستكمال حقيقي لمسيرة الثورة . ولعلّ ما صرح به مرسي بعد توليه الرئاسة من أنه سيكون رئيسا لكل المصريين وأنه يمدّ يده لجميع التيارات السياسية والطوائف بما في ذلك الاقباط من أجل بناء مصر و نهضتها وأن حكومته ستكون ائتلافية تمثل كل التيارات  ولن تكون حكومة حزب الحرية والعدالة وأن رئيسها سيكون شخصية وطنية مستقلة، لإشارة جيّدة لتحقيق الالتفاف الوطني حول السلطة الجديدة في مصر . فالمشروع الوطني الذي نفضت عنه الثورة التراب و أعادت إليه الروح ليس ملكا لحزب أو جماعة ولا يمكن تحقيقه إلاّ بتكاتف جهود جميع القوى الوطنية وهذا ليس حكرا على مصر ، بل يهم جميع الدول العربية وخاصة تونس. فالتعثر الذي يميّز نشاط الحكومة والاضطراب الذي يحدث هنا وهناك مردّه عدم اقتناع أصحاب القرار في تونس بأن الشرعية الانتخابية وحدها لا تكفي و أنه لابدّ من  صيغة لتشريك مختلف الأطراف ولا بدّ من تجنب التصادم وتوحيد القوى المناصرة للثورة لصدّ قوى الجذب إلى الوراء  والاهتمام بتلبية طموحات الشعب فى العيش الكريم والحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية، تلك المطالب التى نطقت بها حناجر الثوار فى كل مشاهد الثورة المستمرة حتى تتحقق كل أهدافها. 
 
t إن التحول من حكم العسكر الذي دام طويلا إلى حكم مدني صرف أمر صعب التحقيق في مصر نتيجة عدّة أسباب داخلية وخارجيّة. فأمّا الدّاخلية فتتمثل في صعوبة تنازل الجيش عن الإمتيازات التي تمتّعوا بها بصفتهم الحاكم الحقيقي للبلاد ولهذا السبب عمدوا إلى إصدار ”الاعلان الدستوري“ الذي يحد من صلوحيات الرئيس مقابل توسيع صلوحيات المجلس العسكري وذلك قبل صدور النتائج النهائية للإنتخابات. وهم بذلك يعبرون عن عدم استعدادهم للعودة إلى الثكنات والاكتفاء بمهامهم العسكرية. وأما الأسباب الخارجيّة فهي مرتبطة بموقع مصر الجيوسياسي ووجودها على حدود غزّة والكيان الصهيوني . فإسرائيل والدول الحاضنة لها كأمريكا والاتحاد الاوروبي ترى في المجلس العسكري الضامن الوحيد لأمن وسلامة إسرائيل من خلال الالتزام باتفاقية كامب ديفد فقد سبق للمجلس الاعلى للقوات المسلحة الإعلان عن التزام القاهرة ببنود اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين البلدين في 1979 في حين أكّد مرسي قبيل إعلان فوزه رسميا بمنصب الرئيس أن المعاهدة "ليست مقدسة"وأنه "سيقوم بالنظر فى جميع الاتفاقيات التي وقعت بين مصر وإسرائيل من أجل تحقيق مصلحة مصر وفلسطين أولا".
ولعلّ وضع العسكر بمصر يختلف عن وضعه في تونس . فالدولة التونسية الحديثة لم يحكمها العسكر ولم يكن للعسكر دورا سياسيا طيلة فترة الحكم بعد الاستقلال فحكام تونس السابقين  لم يعملا على تقوية الجيش ولم يخصصا ميزانيات ضخمة لتسليحه وتطويره كما هو الحال في مصر . والمؤسسة العسكرية في تونس قد اختارت عدم الاصطفاف مع الطاغية ووقفت على الحياد لتتكفل بحماية البلاد والعباد . وهي نقطة تحسب للجيش التونسي وتحسب لفائدة القوى السياسية الوطنية ودافعا لها للتفرغ إلى العمل الجاد لتحقيق مطالب الشعب في التنمية والتقدم من دون ضغوطات العسكر
 
t تخطت أجواء الاحتفال حدود مصر لتصل إلى قطاع غزة، حيث خرج أهلها ابتهاجا بفوز مرسي . وعبّر مؤيدوا حزب حركة النهضة في تونس عن فرحتهم بفوز "إخوانهم المصريين" وقد تجلّى ذلك في الشعارات التي رُفعت في العديد من الاجتماعات الحزبية يوم الاحد 24 جوان بالإضافة إلى تعاليق الفرحة بالفوزعلى شبكة التواصل الاجتماعي .كما احتفل ”إخوان ليبيا“ وشباب الانتفاضة الشعبية في العاصمة اليمنية صنعاء بفوز مرسي . وهذا مؤشر على وجود ارتباط ما بين الاحزاب الاسلامية في مختلف هذه الدول أقله الارتباط العاطفي والفكري ودليل على تشابك المصالح والطموحات وتوحّد مسار الثورات العربية ومصيرها. وفوز مرسي برئاسة مصر سيكون داعما معنويّا على أقل تقدير للإخوان في ليبيا لتنظيم صفوفهم والاستعداد كما يجب للإنتخابات القادمة كما أنه سيشكل سندا سياسيا وإقليميـــا لحزب حركة النهضة فـــــي تونـــــس ولعلّ ما صرّح به الشيخ راشد الغنوشي في كلمته التي القاها أمام أنصار حزب حركة النهضة في الاحتفال الذي دعت إليه الحركة أمام السفارة المصرية بتونس بمناسبة فوز مرسي في الانتخابات الرئاسية المصرية لدليل على ما سبق ذكره حيث اعتبر أن هذا الفوز تدعيم لمسار الثورات العربية وستكون له انعكاسات ايجابية على الاوضاع في تونس وفي ليبيا وسيحمي ظهريهما وعاملا اساسيا لإجهاض مشروع ”الثورة المضادة“. 
 
t انتهت جولة فاز فيها الأخوان على العسكر وذلك بإعلان مرسي رئيسا لمصر ، لكن المعركة لم تنته بعد، فالإستحقاقات كثيرة والازمة السياسية التي تعيشها مصر ، مثلها مثل بقية دول الربيع العربي ، أزمة طاحنة ومعقّدة وسيستعد الجميع لجولة اكثر شراسة للفصل في قضايا من بينها مسألة البرلمان وكتابة الدستور الجديد الذى يتناول قضايا ملغمة مثل هوية الدولة وحقوق الأقباط والحفاظ على الحريات العامة وصلاحيات الرئيس.
وليس من السهل أن تستسلم قوى الثورة المضادّة للواقع الجديد خاصّة وهي تعلم من خلال النتائج أن شرعيّة الرئيس الجديد ليست صلبة وأن الذين انتخبوه ليسوا على قلب رجل واحد ويمكن بالتالي اللعب على وتر الخلافات وهو ما من شأنه أن يجعل ”مرسي“ أمام تحديات كبيرة لن يكون قادرا على ايجاد حلول لها خاصة إذا ما فشل في استرجاع كامل صلوحيّاته من الجيش. 
بالإضافة إلى كل هذا فإن إخـــوان مصر ، كإخوانهـــم في تونــس، لم يسبق لهم أن تقلّدوا مناصب الحكم لذلك فالمهمّة صعبة جدا بالنسبة اليهم،والطريق وعرة خاصّة أنه سيتم اختبارهم في عدّة قضايا كانت في الماضي القريب عماد شرعيّة معارضتهم لنظام الحكم السابق كقضية السلام مع العدو الصهيوني ومسألة الحريات والعدالة الاجتماعية فهل سينجح ”الأخوان“ ويكون بذلك فوز ممثلهم في الرئاسيّة هو خروج من الأزمة المصرية أم سيكون دخول في متاهة أزمة أخرى؟ وهل سينجحون بممارستهم للحكم في تبديد ازمة الثقة ومشكلة المصداقية التي لاتزال قائمة بينهم وبين القوى السياسية الأخرى من جهة وبينهم وبين الأقباط من جهة أخرى؟  
لقد ورث الإخوان تركة ثقيلة ومتعفّنة نتيجة لسنوات طوال من الاستبداد والفساد والظلم وهم يتحركون اليوم في ساحة مليئة بالألغام وقد اختاروا ذلك بإرادتهم فهل سينجحون؟
نرجو أن لا يكرر الإخوان في مصر والنهضة في تونس ما حدث في الخمسينات عندما اعتلى القوميون سدّة الحكم في أغلب الدول العربية ولم يكن لديهم معرفة بإدارة دواليب الدول فأخذتهم العزّة بالنفس واختاروا ، لتأسيس دولتهم ، استعمال لغة القوّة والعسكر عن الالتحام بشعوبهم فانحرفوا عن أهدافهم التي قاموا من أجلها وأصبحوا رموزا للفساد والاستبداد.