شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
د.رشدي راشد
 الدكتور «رشدي حفني راشد»، من مواليد 05 أفريل 1936 بالقاهرة، فيلسوف ومؤرخ العلم، ناقد أكاديمي لتاريخ العلم العربي، قدم العديد من المساهمات الهامّة لتاريخ الرّياضيات والعلم. تحصّل على إجازة الفلسفة وهو في العشرين من عمره من جامعة القاهرة، ثم على ديبلوم الرياضيات ودكتوراه الدولة في تاريخ فلسفة الرياضيات من جامعة باريس. شغل مناصب عدّة في المركز الفرنسي القومي للأبحاث العلمية عام 1965م، ومنصب مدير أبحاث الابستمولوجيا وتاريخ العلوم في جامعة دنيس ديدرو - باريس، حتى عام 2001م، ومدير مركز الفلسفة والعلوم والفلسفة العربية للعصور الوسطى حتى عام 2001م.
أسس في 1984م - وأدار منذ سنة 1993م - فريق بحوث الابستمولوجيا وتاريخ العلوم والمعاهد العلمية. نشر العديد من المقالات والأبحاث والكتب في مختلف الدوريات عن مساهمة العلوم الإسلامية والعلماء العرب في تطوير وتقدم العلوم، وهو رئيس تحرير دورية العلوم والفلسفة العربية، بجامعة كامبريدج، ويشغل حالياً منصب المدير الشرفي لقسم أبحاث المستوى الرفيع في مركز البحوث العلمية الوطني في فرنسا.
ألّف «راشد» أكثر من 30 كتابًا، ومن أعماله المهمّة إشرافه على موسوعة تاريخ العلوم العربية التي صدرت في لندن ونيويورك (1996م)، وتحريره فيها الأجزاء التي تهمّ الحساب والجبر والبصريات الهندسية. ومن أشهر أعماله: مدخل لتاريخ العلوم (باريس، 1971)، كتاب الجبر لديوفنطس (القاهرة، 1975)، أعمال عمر الخيام في الجبر ـ بالاشتراك مع أحمد جبار (حلب، 1981)، العلوم في عصر الثورة الفرنسية (باريس، 1984)، أعمال الكندي الفلسفية والعلمية (ليدن،  1998)، أعمال السجزي الرياضية (باريس، 2004)، فلسفة الرياضيات ونظرية المعرفة عند جول فيامين (باريس، 2005)
جوهر اهتمام الدكتور «رشدي» هو فلسفة التاريخ وفلسفة العلم، والعلاقة بينهما. فالتّاريخ هو أحد موضوعات الفلسفة، وفي ذات الوقت هو أحد موضوعات العلوم الاجتماعيّة. وبصفته فلسفة يخضع للعقلانيّة وللتّنظير الفلسفي، ويرتبط من حيث كونه كذلك بفهمنا لفكر الحداثة وللمستقبل الإنساني. وبصفته علما يخضع لفلسفة العلم ولتطبيق المنهجيّات العلميّة الحديثة. والأداة المنهجيّة الأساسيّة في الفلسفة الحديثة هي المنطق، في حين أنّ الأداة المنهجيّة الأساسيّة للعلم الحديث هي الرّياضيات، لذلك يجب أن يخضع التّاريخ بصفتيه الفلسفيّة والعلميّة للمنطق والرّياضيّات.
ينتمي التّحليل التّاريخي للدّكتور «راشد» بشكل أساسي إلى مجال علم اجتماع المعرفة الذي يربط بين الوقائع والشّروط الاجتماعيّة والتّاريخيّة وبين نشوء وتطوّر المعرفة العلميّة. فهو يعتمد في فهمه وتحليله للتّاريخ على فكرة «التّقاليد» «tradition»، ويعتمد في تحليله التّاريخي لنشأة التّقاليد العلميّة وتطوّرها على منهج خاص هو البحث في تطور هذه التقاليد من داخل البحوث العلميّة ذاتها، وتتبّع بنياتها ونظامها حتّى يتمكّن من اكتشاف المعالم العلميّة لهذه التّقاليد.
على هذا الأساس يتكوّن المشروع الفلسفي للدّكتور «راشد» من شقّين، مشروع عام يتمثّل في صياغة التّصورات النّظريّة لكيفيّة تطبيق الرّياضيّات على العلوم الاجتماعيّة عموما والتّاريخ خصوصا، ومشروع خاصّ يتمثّل في تطبيق هذه التّصورات على تاريخ العلم العربي/الإسلامي القديم.
يمثل مفهوم «عالمية العلم» ركيزة أساسيّة في فكر الدكتور راشد. لهذا ينقد بشدّة المركزية الغربية التي ادعت أن العلم لم ينشأ سوى في الغرب سواء اليوناني القديم أو الأوروبي الحديث ويردّ عليها. كما ينقد فكرة «إسلاميّة المعرفة» القائلة بالاختلاف الجوهري للعلم العربي باعتباره مرتكزا على الدّين الإسلامي. ويردّ المعرفة بدلا من ذلك إلى الشّروط الاجتماعيّة المصاحبة لإنتاجها في إطار صورة عالميّة تطوريّة للعلم.
تمثّل مراجعة تاريخ العلوم وتصحيحه الإسهام الأكبر للدكتور رشدي في الفكر العلمي والفلسفي المعاصر. ليس بهدف الدفاع الأعمى عن الحضارة العربية/الإسلاميّة وإبراز دورها في التّطور الحضاري الإنساني، بل من أجل التوصّل إلى فهم أدقّ وأسلم لتاريخ العلوم الإنسانيّة، عموما، ولكيفية نشأة العلوم الأوروبية الحديثة، خصوصا. ومن نتائج هذه المراجعة تغيّر مفهوم الحداثة عند الدّكتور راشد، فالحداثة ليست حداثة واحدة، هي الحداثة الأوروبيّة وإنّما حداثات متعدّدة، أحدها الحداثة العربيّة/الإسلاميّة التي انتشرت فيها العلوم. وقد مثل العلم العربي أول ظهور للعلم بالمعنى العالمي، بحيث اندمجت الثقافات العالميّة في بوتقة العلم العربي وأصبح للعلم لغة هي اللّغة العربيّة. يسمّي «راشد» هذه المرحلة بمرحلة العلم الكلاسيكي ويرى أنّها امتدّت إلى القرن السّابع عشر الميلادي حيث قامت الثّورة العلميّة الأوروبيّة. ويرد «راشد» العوامل التي أدت إلى ظهور العلوم الطبيعيّة العربيّة إلى ثلاثة عوامل، أولا، تشجيع السّلطة السّياسيّة، ثانيا، الحاجات المادّية والثّقافيّة، وثالثا، ظهور نهضة في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة سابقة عليه. إضافة إلى تلك العوامل الثّلاثة يرى راشد أنّ ظهور المدارس الفقهيّة المختلفة ووجود مشكلات في تفسير النّصوص وتطبيقها على الواقع أدّى إلى ظهور العلوم الإنسانيّة أوّلا ثمّ تلتها العلوم الطبيعية والترجمة عن اليونانيّة. ويرى أن ذلك كلّه كان نابعا من قبول فكرة التّعدّديّة في الفكر الإسلامي القديم.
يتّخذ الدكتور «راشد» موقفا نقديّا صارما من النّظم السّياسيّة في المجتمعات العربيّة المعاصرة ويتّهمها بالتّقاعس في دعم العلم كقيمة مجتمعيّة أساسيّة، وفي العمل على إقامة مجتمعات حديثة فاعلة. لذلك نراه متشائما من مستقبل النّهضة العربيّة، رغم أنّه يرى أنّ هناك إمكانيّات كبيرة تتيح تحقيق النّهضة. فالنّهضة تعتمد من وجهة نظره على الحريّة المجتمعيّة أوّلا، وتحوّل العلم كقيمة مجتمعية أساسيّة ثانيا. فنقطة البدء نحو النهضة هي تغيير الثّقافة السّائدة وسيادة العقلانيّة.