همسة

بقلم
رضوان مقديش
الدين النّصيحة
 سيقع الاعتماد على نصّ الحديث ولا مجال للتّساؤل عن صحّته لأنّه حتّى وإن لم يكن حديثا ومجرّد مقولة فهو ينطوي على حكمة وعلى فكر يجمع بين العمق والبساطة .
إن معنى الجملة واضح في العموم ولا يتولّد تناقض أو تباين كبير في تفسيرها إلاّ أنّه يجدر تفضيل المعنى الأكثر تلقائيّة والمعتمد على التّركيبة النّحويّة للجملة. « «الدّين النّصيحة».
«النّصيحة» هوالخبر والتّوصيف المباشر لكلمة «الدّين». فليس المعنى المقصود هو أنّ النّصيحة من الدّين أو أنّ الدّين هو مادّة للتّناصح والوعظ بين النّاس. 
الدّين هو نصيحة مباشرة من الخالق القادر العليم إلى كلّ البشر. 
المطلوب هو التّركيز على تلك الزّاوية الأكثر دقّة والغوص بين المتشابهات والمتقاربات من معان لا يفصل بينها إلاّ خيط رفيع. 
المفهوم إذا هو أنّه على الإنسان أن يتفاعل مع الإسلام إجمالا كمنظومة نصائح، أي أنّ عليه أن يتعامل بإيجابيّة الكهل الواعي المسؤول النّاضج الذي يبحث عن النّصح والاستشارة طلبا للمنفعة الحقيقيّة، لا أن يتعامل كطفل تسلّط عليه قيود لا يعيها ولا تقنعه، فيكره عليها ويجنح دوما إلى التمرّد.
في البداية يجب التّركيز على أنّ المصدر المباشر للنّصيحة هو اللّه الحكيم العليم وليس بعض الدّعاة الذين يدّعون امتلاك الحقيقة.
إنّ مبدأ الحلال والحرام والأمر والنّهي مقام على أساس النّصيحة. فالمحرّمات تجلب المضرّة والإعراض عنها مصلحة حتّى أنّه يمكننا أن نعكس اتجاه المسار فنقول بمنظور الفكر لا بمنظور الإفتاء إنّ الأشياء الضارّة محرّمة، وهذا منطق بسيط يتبنّاه كثير من النّاس بكلّ تلقائيّة وعفويّة . والأوامر ولو بأقلّ وضوح يغلب عليها طابع الاقتراحات الحكيمة المفيدة.
مبدأ الحلال والحرام والأمر والنّهي يرتكز إذا على جلب المنفعة في معادلة دقيقة توفيقيّة بين منفعة الفرد ومنفعة المجموعة وبين المنفعة الحينية والمنفعة المؤجّلة، معادلة مرنة تعتمد في جملة ما تعتمده على ما يسمّى بمقاصد الشّريعة التي تفعّل منطق الأولويّات. 
الخلاصة أنّنا نشهد في الواقع وجهتين في التّعامل مع أحكام وتعاليم الدّين :
- اعتباره منظومة نصائح والإقبال بكلّ اقتناع ووعي على الاستفادة من الحكمة الإلهيّة، فيكون تعاملا مبنيّا على النّضج والعقلانيّة والحبّ.
- أو اعتباره أحكاما وقوانين وأوامر فوقيّة مسلّطة على شخصيّة طفل غير واع، فتكون ردّة الفعل المبنيّة على الخوف والرّهبة والتّوق إلى العناد والتمرّد.
هذا مثال وحالة من بين عديد الأمثلة من حالات ردود الأفعال. وردود الأفعال تنتج عادة عن طغيان الجانب السّلبي من النّفسية على الفكر المجرّد وطغيان الذّاتية على الموضوعيّة، فيغيب الحياد ونحصل على تفكير أعرج مشوه بعيد عن المنطق وعن الواقع.
كمن ينظر إلى الحقيقة ولا يراها…