في ظلال آية

بقلم
ابراهيم بلكيلاني
القول السديد
 يقول الحق تبارك وتعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (1)
عندما ننظر إلى واقعنا، نرى البون الشّاسع بين ما يدعو إليه القرآن، وما تلفظه الألسن: نخبة وعامّة. فقد تحوّلت أقوالنا إلى سيوف نُدمي بها بعضنا البعض. وللأسف الشّديد فهذه الظّاهرة منتشرة في وطننا العربي، ولكن كعيّنة منه والأقرب بفعل الانتماء يلاحظ أهل التّخصّص انتشار هذه الظّاهرة في مجتمعنا التّونسي، فقد رصد الدّكتور محمود الذّوادي في كتبه العديد من الظّواهر وأبرزها ظاهرة: تفشّي العنف اللّفظي والجسدي في الشّخصيّة التّونسيّة والشّخصيّة العربيّة عموما: «يتّصف واقع المجتمع التّونسي بظاهرة تنوّع وتعدّد السّلوكات العنيفة والعدوانيّة بين التّونسيين أنفسهم. ولا يستبعد أن يلجأ الفرد التّونسي لأتفه الأسباب أحيانا، إلى العنف اللّفظي والجسدي إزاء التّونسي(الآخر). وخطاب الشّتم والسّبّ و(السّفاهة) عند التّونسي الذّكر مشهود له ببذاءته وكثرة تداوله أثناء التّفاعلات الاجتماعيّة مع الغريب والصّديق على حدّ السّواء» (2). 
ويشير الدّكتور المنصف ونّاس إلى أنّ ظاهرة العنف اللّفظي -التي هي نقيض القول السّديد-، هي قديمة في المجتمع التّونسي (إفريقيّة) « فهي تعود جذورها إلى المرحلة الرّومانيّة حيث كانت تمارس بكثافة بدليل أن المنطوق الإيطالي اليومي مكتظ بعبارات عنيفة. ولكن المفارقة التّاريخيّة هي أنّ العهد الحفصي أشاع هذه الظّاهرة التي تلازمت مع ممارسات أخلاقيّة أخرى شاذّة. كما يمكن أن نشير إلى أنّ العنف اللّفظي كان ممارسا بشكل منتظم من قبل الجنود الأتراك المقيمين في تونس والمكلّفين بحماية النّظام الباياتي»(3) و«الكلام الفاحش يمارس بشكل منتظم حتّى في بعض مجالس النّخبة من المحامين والأطبّاء والصّيادلة وأساتذة الجامعات والكفاءات العليا في الإدارة» (4) وهي صورة لما أشار إليه مصطفى حجازي في كتابه «التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور» من أنّ المقهور يتماهى بالمتسلّط فيتماهى بأحكامه، وعدوانيته، وبقيمه وأسلوب حياته. وهو ما تراه أعيننا الْيَوْم. 
لذلك إذا أردنا التّحرّر من هذه الظّواهر علينا بالالتصاق بالكتاب. يقول العلاّمة ابن عاشور «والقَوْلُ يَكُونُ بابًا عَظِيمًا مِن أبْوابِ الخَيْرِ ويَكُونُ كَذَلِكَ مِن أبْوابِ الشَّرِّ». و«السَّدِيدُ: الَّذِي يُوافِقُ السَّدادَ. والسَّدادُ: الصَّوابُ والحَقُّ»، «فَبِالقَوْلِ السَّدِيدِ تَشِيعُ الفَضائِلُ والحَقائِقُ بَيْنَ النّاسِ فَيَرْغَبُونَ في التَّخَلُّقِ بِها، وبِالقَوْلِ السَّيِّئِ تَشِيعُ الضَّلالاتُ والتَّمْوِيهاتُ فَيَغْتَرُّ النّاسُ بِها ويَحْسَبُونَ أنَّهم يُحْسِنُونَ صُنْعًا»(5).
ومن أنوار هذه الآية أن الالتزام بالتّقوى والقول السّديد يجلب لصاحبها من الخيرات ما لا يتصوّره، وبالعكس فإنّ الابتعاد عن التّقوى والقول السّديد مجلبة لأضرار أخطر وأعم «ولِما في التَّقْوى والقَوْلِ السَّدِيدِ مِن وسائِلِ الصَّلاحِ جَعَلَ لِلْآتِي بِهِما جَزاءً بِإصْلاحِ الأعْمالِ ومَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ. وهو نَشْرٌ عَلى عَكْسِ اللَّفِّ، فَإصْلاحُ الأعْمالِ جَزاءٌ عَلى القَوْلِ السَّدِيدِ لِأنَّ أكْثَرَ ما يُفِيدهُ القَوْلُ السَّدِيدُ إرْشادُ النّاسِ إلى الصَّلاحِ أوِ اقْتِداءُ النّاسِ بِصاحِبِ القَوْلِ السَّدِيدِ»(6). فتلك أسباب وهذه نتائج ملزمة لها «فصَلاحَ المَعْمُولِ مِن آثارِ سِدادِ القَوْلِ» كما يقول ابن عاشور. 
فهل ما أُردينا فيه من سباب وشتيمة وقلّة احترام وتقدير لبعضنا البعض، والتّنافس في بذاءة القول لا يوقظ عقولنا وضمائرنا؟. أم أنّ القصد مزيد من التردّي حتى ينفرط العقد تماما!. 
فقد جرّبنا البذاءة، وقلّة الاحترام، والشك في بعضنا البعض.. وعلمنا مآلاتها، فهل نجرّب ما ترشدنا إليه آيات الكتاب ونفوز بصلاح الأعمال وغفران الذنوب.
الهوامش
(1)   سورة الأحزاب - الآيتان 70 و 71.
(2)   الدكتور محمود الذوادي ،الوجه الآخر للمجتمع التونسي، عبر الزمان، ص70 - 71 ، تونس .2006
(3) المنصف ونّاس، الشخصيّة التونسيّة محاولة في فهم الشخصيّة العربيّة، ط1، تونس، الدار المتوسّطيّة للنشر، 2011، 
(4) المنصف ونّاس، المصدر نفسه. 
(5) محمد الطاهر بن العاشور تفسير «التحرير والتنوير»، سورة الأحزاب،   70/33/https://tafsir.app/ibn-aashoor
(6) محمد الطاهر بن العاشور ، المصدر نفسه.