بهدوء

بقلم
د.ناجي حجلاوي
الإعجاز القرآني: المفهوم والإشكالات (الحلقة السابعة:النَّظم: سنام الإعجاز 1-2 )
 من خلال ما تعرّضنا إليه في الحلقات الساّبقة حول الإعجاز البلاغي للقرآن، يتّضح  أنّ مقولة النّظم، إنّما هي ثمرة طبيعيّة قطفها عبد القاهر الجرجاني، باعتبار تأخّره النّسبي في الزّمن، لأنّها مقولة تجد جذورها في جهود الباقلاّني والرّمّاني، وكذلك القاضي عبد الجبار من خلال قوله: «اعلم أنّ الفصاحة لا تظهر في أطراف الكلام وإنّما تظهر في الكلام بالضّمّ على طريقة مخصوصة ولابدّ مع الضّمّ من أن يكون لكلّ كلمة صفة وقد يجوز في هذه الصّفة أن تكون بالمواضعة الّتي تتناول الضّمّ وقد تكون بالإعراب الّذي له مدخل فيه وقد تكون بالموقع. وليس لهذه الأقسام الثّلاثة رابع»(1). وهكذا تحوّل النّظم إلى ظاهرة أسلوبيّة بها يتمّ التّفاضل بين مراتب الكلام والمتكلّمين.

إنّ النّظم طريقة في تصريف الكلام بشكل مختلف من شخص إلى آخر وهو ينهض على ما هو مشترك من الأساليب اللّغويّة بين الباثّ والمتلقّي. والقرآن قد كلّم العرب بلغتهم وبذلك ضَمِن الأرضيّة المشتركة بينه وبينهم. يقول عبد القاهر الجرجاني في هذا المجال: «ومعلوم أيّها المتكلّم أنّك لستَ تقصد أن تُعلم السّامع معاني الكلم المفردة الّتي تكلّمه بها، فلا تقول خرج زيد لتُعلمه معنى خرج في اللّغة ومعنى زيد، كيف والحال أن تكلّمه بألفاظ لا يعرف هو معانيها كما تعرف؟»(2) فالسّامع، حينئذ، يحصل على مفهوم واحد ممّا يتلقّاه لا أجزاء مفرّقة ومعان مشتّتة، وإنّما هي إفادة التّعلّق بكلّ وجوهه الصّوتيّة والمعجميّة والصّرفيّة والنّحويّة التّركيبيّة والأسلوبيّة.إنّ القرآن يستمدّ إعجازه من خلال استناده إلى التّراكيب النّحويّة ومعانيها، ومن إعرابه عن المفاهيم الّتي يريد تبليغها، لإجراء نظمه المخصوص من أجل إظهار المقاصد الكامنة فيه. إنّ النّظم، باعتباره نظما، ليس مجال تفاضل في حدّ ذاته بين المتكلّمين، وإنّما يظهر التّفاضل في درجته وتفاوت حُسنه. فالمُعوَّل إنّما هو في الدّرجة وليس في النّوع. وإذ بدت الآراء، في المسألة، تنوس بين بلاغة العبارة، تارة، وبلاغة التّأليف، تارة أخرى، فإنّ ذلك يعود إلى اختلاف المنطلقات النّظريّة للمسألة البلاغيّة ذاتها بين العامل الأدبيّ والعامل القرآنيّ. وفي هذا المجال يُذكر عبد الله بن المعتزّ الّذي شرّع  لبلاغة اللّفظ، في حين أنّ عبد القاهر الجرجاني قد انحاز إلى بلاغة التّأليف(3). إنّ الممارسة البلاغيّة المركوزة في عمق النّصّ القرآني والّتي كرّسها الفعل التّفسيريّ، كانت قد حسمت النّزاع القائم بين أنصار البديع، من جهة وأنصار النّظم، من جهة أخرى، وآل الصّراع إلى انتصار المذهب الّذي ارتآه عبد القاهر الجرجاني، وهو بلاغة النّظم والتّأليف، وقد أرساه بالتّأصيل النّظريّ ثمّ تواصل تعهُّده بواسطة الاعتناء بضروب الكلام الفنيّ بصفة عامّة. ومن ثمّ زُحزح بديع اللّفظ لصالح بديع النّصّ بما يحتويه من تشابيه ومجازات واستعارات، علماً بأنّ عماد النّصّ القرآنيّ هو التّشابيه والاستعارات والكنايات. وليس خافيا أنّ الاستعارات تكثّف الدّلالة وتعمّق نوازع التّخييل وتستدعي منازع التّعقّل في آن. ومثل ذلك التّشبيه الّذي هو التّعاقد على أنّ أحد الشّيئين سيسدّ مسدّ الآخر في حسّ أو عقل(4). والتّشبيه، أيضا، هو الوصف بأنّ أحد الموصوفيْن ينوب عن الآخر بأداة التّشبيه(5). وهو، كذلك، اشتراك الشّيئيْن في صفة أو أكثر فلا يستوعب جميع الصّفات(6).  إنّ الغاية من الأساليب البلاغيّة، حينئذ، إنّما هي لوصف المباني وتقريب المعاني من الأذهان، بإخراج المجرّد إلى المجسّد. وقد أجملها الزّمخشري في تفسيره بقوله: «الأمثال والتّشبيهات إنّما هي الطّرق إلى المعاني المحتجبة في الأستار حتّى تبرزها وتكشف عنها وتصوّرها للأفهام»(7).وللتّشبيه مكانة مهمّة في بلورة الأسلوب الضّامن لطريقة التّأليف، في تفكير الرّمّاني. ويبدو ذلك في تفضيله لضروب الاستعمال الواردة في التّشبيه بقوله: «من ضروب التّشبيه ما لا تقع عليه الحاسّة إلى ما تقع عليه الحاسّة. ومنها إخراج ما لم تجر به عادة إلى ما جرت به عادة. ومنها إخراج ما لا يُعلم بالبديهة إلى ما يُعلم بالبديهة. ومنها ما لا قوّة له في الصّفة إلى ما له قوّة في الصّفة. فالأوّل نحو تشبيه المعدوم بالغائب، والثّاني تشبيه البعث بعد الموت بالاستيقاظ بعد النّوم، والثّالث تشبيه إعادة الأجسام بإعادة الكتاب، والرّابع تشبيه ضياء السّراج بضياء النّهار»(8).إنّ المنزع المنطقيّ المعتمد في الكلام الاعتزاليّ بادي التّأثير في هذا التبويب والتّصنيف لمراتب المعرفة ضمن ضروب التّشابيه. الحسن منها والقبيح، الواضح منها والغامض، البعيد منها والقريب. على أنّ الوجه الأمثل للتّشبيه يظلّ في إخراج المجرّدات إلى المجسّدات. وقد ذهب البعض إلى أنّ جودة التّشبيه تكمن في تعدّد أوجه التّشابه بين طرفيْ التّشبيه كيْ يتّسع المجال أمام مستعمل هذا الأسلوب خروجا عن المألوف وعدولا عنه. إنّ المهمّ في ظاهرة الإعجاز أنّها تؤلّف، أوّلاً، بين المؤتلف من العناصر اللّغويّة ثمّ تبلغ  درجة التّأليف، ثانياً، بين المختلف منها تشبيهاً ومجازاً واستعارةً بفضل التّروّي ولطائف الأفكار(9). وفي هذا الفضاء البلاغي، أشار الجاحظ إلى أنّ المعاني البعيدة الكامنة وراء الأساليب المتضمّنة للإعجاز تُحدث لذّة تتمثّل في الأريحيّة والتّعجّب والبهجة(10). ومعنى ذلك أنّ أفق الانتظار لدى المتلقّي قد تمّ تجاوزه بإحداث المفاجآت غير المنتظرة الّتي تحدث الدّهشة، وتشدّ إليها الأذهان. وبما أنّ الرّسول ﷺ يدرك هذه القوّة القوليّة في فصاحة القرآن وما يتضمّنه من قدرة على التّنبيه إلى أدلّة العقول ومحتوى النّفس ترغيبا وترهيبا، فقد كان يتلوه باستمرار على معارضيه. وهذا ما يفسّر اعتبار أنّ السّلاح الأوحد لدى الرّسول ﷺ، ولاسيّما في بدايات دعوته، هو سلاح القراءة للسّور القرآنيّة على أسماع المشركين من أهل قُريش حرصا على النّفاذ إلى خواطرهم واختراق أذواقهم وآفاقهم اللّغويّة. وغالبا ما كانوا يعبّرون عن هذه الدّهشة أمام نظم خارق للأوهام والظّنون(11).   والمهمّ أنّ الخطاب القرآني قد توفّر على فائدة، إن في اعتماده للعبارة الحقيقيّة، وإن في المجازيّة، ومع ذلك اضطلع بوظيفة التّواصل والإبانة عن جملة من المفاهيم والتّصوّرات وتبليغها للمخاطَبين. وقد ضمن لهذه الوظيفة الرّئيسيّة قرائن منه وآيات كثيرة يسمّيها بتفصيل الكتاب(12). وإلى جانب الوظيفة الإبلاغيّة والإفهاميّة نلفي وظائف أخرى كالفنّيّة والجماليّة، وهما يجعلان الخطاب أكثر تماسكا وتمكّنا من التّأثير في المتلقّي. وقد أشار إلى هذه المعاني ابن جنّي في معرض حديثه عن العرب في علاقتهم بلغتهم حين قال: «فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسّنوها وحملوا حواشيها وهذّبوها وصقلوا غروبها وأرهفوها،  فلا ترينّ أنّ العناية إذّاك إنّما هي بالألفاظ بل هي خدمة منهم للمعاني وتنويه بها وتشريف منها. ونظير ذلك إصلاح الوعاء وتحصينه وتزكيته وتقديسه وإنّما المبغيّ منه الاحتياط للموعى عليه»(13).وعليه فإنّ نظم القرآن، رغم إعجازه، ظلّ بمنأى عن الغرابة والإغلاق والغموض والإبهام. وفي هذا الصّدد، يندرج قول الخطّابي الماثل في أنّ «البلاغة لا تعبأ بالغرابة ولا تعمل بها شيئاً»(14). فالقرآن، وإن ركّز على الدّفق العقديّ والمحتوى الرّوحيّ، فإنّه واءم بين هذا المحتوى والشّكل الفنّيّ الخارج عن المعتاد. وقد جرى ذلك في منتهى الخروج عن المألوف. فتشكّل تعارض ظاهريّ بين المقصد الرّساليّ الكامن في المضامين، وهو المحتوى، وبين الأشكال التعبيريّة(15). ولئن ألحّ القرآن على أنّه عربيّ وارد بلسان عربيّ مُبين(16)، وأنّه بلاغ يروم بلوغ الأذهان فإنّه، رغم ذلك، أضحى جامعا بين العربيّة الّتي اعتمدها وبين عجز النّاس على الإتيان بعربيّة كعربيّته.    ولقد تزايدت ضروب الاهتمام بمجاز القرآن وإعجازه في القرون الهجريّة الأولى ساعة كانت الحياة العقليّة تتزايد وتتصاعد بمقتضى الجدل الثّقافيّ الّذي كان قائما بين الفِرق والمذاهب والملل والنّحل. والمهمّ في كلّ الجهود اللّغويّة المبذولة في تحديد أساليبه آنئذ، هو ضبط قواعد ينتظم وفقها الإعجاز القرآنيّ. فأضحت بذلك العلوم البلاغيّة والنّحويّة وقضايا النّظم كلّها علوما وظيفيّة. ومن ثمّ أصبح القرآن أجدر أن يُقاس عليه لا على غيره(1). وليس خافيا أنّ قضيّة الإعجاز في القرآن شديدة الارتباط بقضيّة إثبات النّبوءة. فإذا كانت النّبوءة علوما وأخبارا، فإنّ علامة صدقها هي الإعجاز بما هو صفة تثبت هذه الصّدقيّة لدى المخبر، ممّا يغني عن المشاهدة. والمعجزة تكون مادّيّة أو معنويّة وعلامتها الإعجاز المثبت للدّعوى الّتي هي النّبوءة. والتّفكير المعتزلي يؤطّر مسألة النّبوءة ضمن مسار اعتقادي استدلالي بدءا من إثبات العدل الإلهي ووحدانيّته ليسهل على السّامع والمتلقّي التّصديق بالنّبوءة(17). فالدّليل الأوّل هو وجود واجب الوجود وهو أصل الأصول ودليل الأدلّة والواجب فيه التّصديق. فالإيمان بالواحد العادل شرط ضروري يُسلَّم بوجوده اعترافا بالدّليل الّذي به يُستدلّ، والتّصديق به شرط بناء العلم والمعرفة ومن ثمّ فإنّ الإيمان بالقرآن من باب التّواتر في نقله فأضحى الإيمان به ضروريّا من جهة تواتر الخبر(18).   والإيمان بالقرآن، حينئذ، معلوم بالعلم الاضطراري لأنّه ممّا لا دليل عليه وإنّما أحواله هي المتعلّقة بالدّليل الّذي عليه يتمّ الارتكاز، فالقرآن دليل على النّبوءة وهو الدّليل الجاري مجرى التّحدّي(19). وإذا أقرّ المعتزلة ببعض المعجزات المادّيّة والّتي جاء بها الرّسول فإنّ المعجزة الأساسيّة الّتي جوّزوا الاحتجاج بها مع المخالفين إنّما هي معجزة القرآن. والمسلمون لمّا أدركوا أنّ القرآن هو علامة نبوءة الرّسول وصدقها(20)، فإنّهم انكبّوا على حفظه والمحافظة عليه بالتّواتر. وقد حصل العلم بالقرآن عبر الحفّاظ وأغلبهم من الأنصار، ولاسيّما لدى المدرّسين منهم وكذلك المهاجرين، وإن لم ينتصبوا للتّدريس به وقد تواتروه ممّا أكدّ نقلهم وقد اشترط الرّسول أن لا تُكتَب عنه الأحاديث في البداية ثمّ قال في رواية عنه: «إذا بلغكم عنّي الحديث فاعرضوه على كتاب اللّه»(21). ولقد ترسّب لدى المسلمين الأوائل علم بأحوال القرآن جعلهم يميزّونه عن غيره من الخطب والسّجع والشّعر. ولعلّ رضا المسلمين الأوائل بالصّيغة الّتي انتهى إليها القرآن وقبولهم على اختلافهم السّياسي بالتّحكيم والاحتكام إليه يوم صفّين، ومن ذلك يُستنتَج اتّفاقهم الضّمني على ما ورد فيه وإيمانهم بأنّ هذه المعجزة ليست كغيرها من المعجزات الّتي تستجيب للظّرفيّة المحدودة بحدودها. أمّا القرآن فإعجازه دائم، كامن في نظمه وفي بيانه، يستجيب بما فيه من قابليّة للاستجابة لكلّ فهم طارئ. وإذا كان القرآن حادثا فلا بدّ للحادث من محدث. وما إنزاله على النّبيّ إلاّ دليل على صحّة نبوءته. كما قام إحياء الموتى عند عيسى على صحّة نبوءته. إنّ هذا الاستدلال لدى المعتزلة يؤدّي وظيفة مزدوجة: إثبات ورود القرآن عن اللّه تعالى، أوّلا، وإثبات أنّه دليل صحّة النّبوءة ثانيا. ومن ثمّ يستبين الدّارس أنّ القرآن ناقض للعادة، متجاوز لها لأنّها لم تجر بكلام على طبيعته. ونقض العادة لا يكون ذا جدوى إلاّ إذا تعلّق بالنّبوءة. أمّا إذا كان مفصولا بعيدا عنها فلا فائدة منه والقصد من ذلك أن يُستشفّ منه التّصديق.فالحاصل أنّ القرآن نُقل من اللّه عن طريق جبريل إلى الرّسول ﷺ ومنه إلى الصّحابة عن طريق التّواتر والتّواصل، وهو ما جعله دليلا قابلا للاستدلال به. ومن ثمّ أصبح علامة فارقة دالّة على صحّة النّبوءة. وطالما أنّه كلام مفارق للكلام العادي فإنّ ذلك هو عين إعجازه. ومنه صحّ الأمر والنّهي وصحّ التّكليف به. الهوامش(1) القاضي عبد الجبّار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، ج16، إعجاز القرآن، ص199.(2) الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص473.(3) انظر حمّادي صمّود، التّفكير البلاغي عند العرب، ص529.(4)  انظر الرّماني، النّكت في إعجاز القرآن، ص80.(5)  انظر أبا هلال العسكري، كتاب الصّناعتين الكتابة والشّعر، ص 245.(6)  انظر التّنوخي، الأقصى القريب، مطبعة السعادة، القاهرة، 1327هـ، ص41.(7)  الزّمخشري، الكشّاف، ج2،  ص497.(8) الرّمّاني، رسالة في النّكت في إعجاز القرآن، ص81.(9)  انظر الجرجاني، أسرار البلاغة، ج1، ص194.(10) يمكن العودة إلى الجاحظ في البيان والتبيين، ج1، ص89 وما يليها.(11) يمكن مراجعة الروايات المتعلقة بإسلام عمر أو بعض الشهادات في القرآن المشار إليها آنفا في هذا الكتاب. وفي هذا المقام نورد شهادة المغيرة بن شعبة:  حدّثنا محمّد بن عبد الله الحافظ، قال:  أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن عليّ الصّنعاني بمكّة، قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عبد الرّزاق عن معْمَر عن أيّوب السّختِياني عن عكرمة، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: «أنّ الوليد بن المغيرة جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليه القرآن فكأنّه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: يا عمّ إنّ قومك يروْن أن يجمعوا لك مالا، قال: لمَ؟ قال: لِيُعطوكَهُ فإنّك أتيْت محمّدا لِتعرض لِما قبِله، قال: قد علمتْ قريش أنّي من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنّك مُنكِر له أو أنّك كاره له، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رَجُل أعلم بالأشعار منّي، ولا أعلم برَجزه ولا بقصيدته منّي، ولا بأشعار الجنّ، والله ما يُشبه الّذي يقول شيئا من هذا، ووالله، إنّ لِقوله الّذي يقول حلاوة، وإنّ عليه لَطلاوة وإنّه لَمُثمر أعلاه، مُغدق أسفله، وإنّه ليعلو وما يُعلا، وأنّه لُيحْطِم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتّى تقول فيه، قال: فدعني حتّى أفكّر فيه، فلمّا فكّر، قال:  هذا سحر يؤثَر يأثُره عن غيره، فنزلتْ : «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا» (المدّثّر74، الآية 11). هكذا حدّثنا موصولا، وفي حديث حمّاد بن زيْد، عن أيّوب، عن عكرمة، قال: جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له: اقرأ عليّ، فقرأ عليه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ  يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النّحل 16، الآية 90)، قال: أعد ، فأعاد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: والله إنّ له لحلاوة، وإنّ أعلاه لمُثمر، وإنّ أسفله لمُغدق، وما يقول هذا بشر، وهذا فيما. رواه يوسف بن يعقوب القاضي، عن سليمان بن حرب، عن حمّاد، هكذا مرسلا. ورواه أيضا: معتمر بن سليمان، عن أبيه، فذكره أتمّ من ذلك مرسلا، وكلّ ذلك يؤكّد بعضه بعضا. انظر الطّبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، مج 10، ص8299. (12)  «وَمَا كَانَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّه وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ» يونس 10، الآية 37.(13)  ابن جنّي، الخصائص، ج1، ص215.(14)  الخطّابي، بيان إعجاز القرآن، ص37.(15) انظر حمادي صمود، التّفكير البلاغي عند العرب، ص571.(16)  «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ»، سورة الشعراء 26، الآية 195.(17)  ابن الأثير، المثل السائر،  ج2،  ص214.(18) انظر القاضي عبد الجبّار، المغني في أبواب التّوحيد والعدل، ج16، إعجاز القرآن،  ص144.(19)  القاضي عبد الجبّار، ص150.(20) القاضي عبد الجبار، ص151.(21) يورد القاضي عبد الجبّار رأي أستاذه أبي هاشم الذي يرى أنّ القرآن، وإن وُجد قبل الرّسول فإنّه أُنزِل، عن طريق جبريل، برهانا على صدق نبوءته والقرآن قبل نزوله ليس علما ولا معجزا لأنّ ذلك يفيد فيه انتقاض العادة به، وإنّما يصحّ ذلك بعد البعثة. انظر القاضي عبد الجبّار، ص231.