باختصار

بقلم
شكري سلطاني
الحقّ والباطل
 تتميّز مسيرة الإنسانيّة غالبا بمنهج مدمّر خفيّ أو معلن جوهره ولبّه تفرّعات وتفريعات الباطل للإستيلاء على حقوق الغير والسّيطرة عليهم، وارعابهم وإرهابهم، ودوس كرامتهم، وسلب تميّزهم وأحقيتهم في حياة كريمة، وذلك بقمع حرياتهم وتقييدهم معنويّا بكلّ الوسائل المتاحة الماديّة للسّيطرة عليهم وإخضاعهم وإذلالهم لخدمة طغاة البشر وأئمة الباطل وحزبه.
إنّ قيمة الحقّ ثابتة في صيرورة البشر إذ لا بدّ من بوصلة ودليل إتجاه، ولا يمكن لبوصلة الإتجاه والتوجيه أن يتّصف صاحبها بالأنانيّة وإرتباطه بحظوظ نفسه وهواها ورغباته وشهواته وملذّاته وحظوظ دنياه .
فالحقّ ميزان ومعيار ومقياس لأحقيّة وحقّانية الأقوال والأفعال، وهو فيصل وحُكم قيمة للممارسة البشريّة للحكم لها أو عليها.
أمّا الباطل فيجذب النّفوس الشّهوانيّة البهيميّة التّسلطيّة التي غلبت حسّهم وكثافتهم على معناهم وحقيقتهم الإنسانيّة كما تجتذب النجاسة جراثيمها وحشراتها وسقط المتاع.
إنّ معاني الحقّ تستوجب التّضحية والفداء من أجل القيّم السّليمة والمبادئ السّاميّة ومكارم الأخلاق. والحقّ ثقيل على النّفوس الواهيّة الفارغة الواهمة بحضورها الدّنيوي الدّائم.
ولكن يحمل «أهل الحقّ»، من خيرة وأنبل وأكرم البشر، معاني الحقّ ويذودون عنها ويبذلون أرواحهم ثمنا لتحقيق ذلك.
يقول سيد العارفين الإمام علي ابن أبي طالب عليه السّلام «لا يُعرف الحقّ بالرّجال ولكن يُعرف الرّجال بالحقّ»(1). وقال بعض العلماء: «من عرف الحقّ بالرّجال حار في متاهات الضلال»
فمن تمسّك بالحقّ بوصلة لإتجاهه وكان ديدنه وسيره بالحقّ طاب ذكره وبقي أثره إلى الأزل وجُوزِي بالحقّ من الحقّ حقّا وبالإحسان إحسانا.
قال اللّه تعالى : «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(2).
ومن خذل الحقّ وتدثّر بالباطل رداءً خاب سعيه، وكان أبتر الذّكر، وعن قريب يأفل نجمه وتنطفئ شعلته لأنّ الباطل إلى زوال والحقّ إلى دوام وتلك صفة الحيّ الدّائم الباقي بلا زوال.
من الحقّ أن ينحاز الإنسان السويّ سليم الفطـرة إلى دواعـي الحـقّ وعناوينـه، فالفطرة الإنسانيّـة في أصالتها وجوهرهـا تأبى الباطــل وتستهجنـه وتأبـاه، وإنّ إنحراف الفطرة وتشوّههــا من دواعي الباطل.
ومن الحقّ أن يرى الإنسان صائبا ولا ينخدع بقول أو فعل ظاهره إحقاق حقّ وباطنه تجذير باطل.
إنً طينة الإنسان وجبلّته إمّا تهوى الحقّ وترتضيه وتنصاع له راضية مرضيّة أو تقع ساقطة في الباطل وترتضيه لنفسها وتمتهنه ليصبح لها حرفة، فالبذرة سقيمة غير سليمة والإنبات سيء والأغصان فاسدة والشّجرة كالزقّوم والثّمرة حنظل.
ومن الباطل ظلم النّفس والآخر، ومن الحقّ تزكية النّفس وتهذيبها وتربيتها على قبول الحقّ وفعله وإنصاف الغير، فالحقّ يرتبط بالعدل، ومن الحقّ قول الحقّ ولو على النّفس قبل محاسبة الآخر.
الهوامش
(1)   انظر «تلبيس إبليس» لابن الجوزي - ص93
(2)    سورة آل عمران - الآية 169