الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد 172
 إنّ أحد الثّمرات المرّة للاستبداد الذي حكم شعبنا، غياب ثقافة الحوار التي تقوم على الاحترام المتبادل بين المتحاورين وتقود بالتّالي الى إيجاد أرضيّة مشتركة للعيش والتّعاون من أجل تصحيح المسار وبناء ما نطمح اليه من دولة مدنيّة تقوم على أساس المواطنة. ويتجلّى غياب هذه الثّقافة في ما نراه اليوم من محاولات فرض كلّ طرف لرأيه على الآخر. وهو ما نراه بالعين المجردة على شاشات التلفاز وفي الطّريق العام وفي المساجد والصّحف والإذاعات وصفحات التّواصل الاجتماعي... ويعتمد الجميع تقريبا نفس السلاح المتمثل في التّشويش ومحاولة طمس الحقائق وتحريف الكلم عن مواضعه ورفع الأصوات بكافة أنواع اللّغو حتّى تضيع الحقيقة، وتخويف النّاس من خطورة الاستماع الى الرأي الآخر بتعلّة عدائه للبلاد وشعبها مستعملين ، بدون خجل،عبارات الاستخفاف والتّهكم على الآخرين.
إنّ ثقافة الحوار هي نقيض ثقافة الاستبداد وهي الرّكيزة الأساسيّة لأيّ مشروع مجتمعي ديمقراطي وهي لازمة لإشاعة الجوّ الديمقراطي بين المواطنين، وبدونها تتاح الفرصة للاستبداد وأعداء الدّيمقراطيّة لاحتلال المشهد والهيمنة عليه سواء بالوجوه القديمة المعروفة أو بوجوه غير الوجوه التي نعرفها وبلون مختلف عن الألوان السّابقة.
وفي الأنظمة الديمقراطية يتحمّل من بيده مقاليد الحكم مسؤولية حماية «ثقافة الحوار» وإشاعتها بين النّاس، ذلك أنّه إذا أنكر على الآخرين رأيهم ولم يسمع إلاّ صوته، فإنّ النّظام الدّيمقراطي يصبح مهدّدا ولن تفيده الشّعارات الرنّانة ولا النّصوص القانونيّة.
إنّنا من خلال منبر مجلة «الاصلاح» نعمل وندعو إلى ترسيخ «ثقافة الحوار» بين مختلف مكوّنات المجتمع. ثقافة تبدأ بالإعتراف بوجود الآخر وحقّه في امتلاك رأي مخالف يعبّر عنه بكلّ حريّة، وإقرار الجميع بأنّه لا وجود لحقيقة يمتلكها طرف دون آخر. كما ندعو إلى التمسّك بمكتسب حرية التّعبير والذود عنه وعدم تقييده بشروط غير التي يتفق عليها الجميع. ولا يمكن تحقيق ذلك، ونحن نعلم أن الاستبداد فعل فعلته فينا، إلاّ إذا وضعنا نصب أعيننا مصلحة البلاد والعباد قبل مصالحنا الفئويّة الضّيقة وانطلقنا في حوارنا ضمن المشتركات وهي كثيرة وصبرنا وتحمّلنا بعضنا البعض حتّى تتّسع دائرة المشتركات وتبدأ الخلافات في التّناقص، وهكذا سنكون قد أعدنا قطار التّحول الدّيمقراطي إلى سكته وانطلقنا في بناء تونس الجديدة، تونس الحرّية والمواطنة والعدالة.