الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد 170
 يزداد المرء يقينا يوما بعد يوم بأنّ مجتمعاتنا العربية الاسلاميّة تعاني من تخلّف كبير وانحطاط في جميع المجالات. وقد زادت الثّورات والأحداث السّياسيّة والاجتماعيّة المتسارعة التي حدثت في العشرية الأخيرة في تعرية هذا الواقع. 
هذا الانحطاط هو نتيجة تراكمات أفكارٍ وممارساتٍ بدأت منذ تحوّل الحكم إلى ملك عضوض وهيمنة عائلات  أو قبائل بذاتها على مقدرات الأمّة وتحكّمها في مصيرها وامتدت طيلة قرون من الزّمن إلى وقتنا الحاضر بما في ذلك فترة الاستعمار المباشر وفترات «الدولة الوطنيّة» التي أنتجت حكما فرديّا مستبدّا (زعيما أو حزبا) وكرّست واقع الاستبداد والتبعيّة للمستعمر القديم بتعلّة الاستفادة من قوّته وتقدمه في مختلف المجالات.
ومع العوامل الذاتية التي تسبّبت في هذا الانحطاط ، هناك عوامل خارجيّة لا تقلّ أهميّة ساهمت في ما نحن عليه من تخلّف وهي عوامل متأتية من رغبة الهيمنة التي تحكم العقل الغربي المستعمر والذي حاول عبر مختلف الوسائل أن يكرّس واقع الانحطاط ويفرض نمطا واحدا للتفكير والعيش عبر عولمة كاذبة تدمّر خصوصيات الشعوب وتنوع ثقافتها. 
إنّ تغيير هذا الواقع إلى الأفضل أمر في غاية الصّعوبة والتّعقيد ويتطلّب فهما عميقا لطبيعة مجتمعاتنا وللعوامل الدّاخليّة والخارجيّة المؤثّرة فيها. ولأنّ ثقافة الشّعوب هي التي تحدّد قابليتها للتّطور وقدرتها أو عجزها على استيعاب ما يحدث من حولها من تغيّرات في مختلف مجالات الحياة ومن ثمّ التفاعل معها والتأثير فيها، فإنّ ما نعيشه اليوم في البلاد العربيّة وما نلمسه من تحوّلات محلّية ودوليّة يدعو إلى ضرورة إحداث تغيير كبير في ثقافة هذه المجتمعات حتّى تتحرّر من العوامل المكبّلة لعمليّة نهوضها وتنميتها وتقدّمها. فالمسألة الثقافية كما يقول رضوان السيد «تقوم أساسا على البنية الثقافية للمجتمع حيث تحدّد هذه البنية إلى درجة كبيرة واقع ومستقبل المجتمعات العربية والاسلاميّة بل أن معظم الإشكالات تعود أساسا إلى أسباب ثقافية بالدّرجة الأولى». فلا مجال لحدوث نقلة اقتصاديّة واجتماعيّة معتبرة للشّعوب العربيّة تحرّرها من التبعيّة وتضمن لها موقع الفاعل في الحضارة بدل المفعول فيه من دون إيلاء المسألة الثقافية الاهتمام اللاّزم والانطلاق في إصلاح ثقافي عميق يشمل تغييرا في السّلوك والاتجاه والقيم ومفاهيمنا للعمل، والوقت، والنظام، والسّلطة، والمؤسّسات.