شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
الأستاذ الدكتور مالك بدري
 الدكتور مالك بدري أستاذ علم النّفس السّوداني، وعضو الجمعيّة البريطانيّة لعلم النّفس منذ عام 1977، ولد في 16 فيفري 1932م بمنطقة رفاعة جنوب الخرطوم عاصمة السودان من عائلة محافظة تجلّ العلم، حيث كان والده «بابكر بدري» شيخا نال تقدير واحترام السّودانيين، نظرا لدوره الرّيادي في تعزيز تعليم المرأة وإنشاء مدرسة الأحفاد عام 1907م. 
كان مالك طالبا شغوفا بالعلم، يحلم بدراسة هندسة الطّيران، وعندما أتمّ دراسته الثّانويّة تمّ قبوله بالفعل في هذا القسم، إلاّ أنّ والده اعترض على ذلك، فاضطر للتّسجيل في قسم الجغرافيا والرّياضيّات والفيزياء في جامعة الخرطوم، ثمّ سافر إلى لبنان في العام 1953 ليدرس العلوم والآداب بعد أن حصل على منحة من الجامعة الأميركيّة في بيروت، وهناك حصل على إجازة في علم النّفس عام 1956، ثم انتقل إلى إنجلترا، وحصل عام 1958 على ماجستير من جامعة ليستر، ثم على الدّكتوراه عام 1961.وفي عام 1967 نال شهادة التّخصّص في علم النّفس السّريري من قسم الطّبّ النّفسي في مستشفى ميدلسكس بجامعة لندن. وانتخب عام 1977 عضوا في «الجمعيّة البريطانيّة لعلم النّفس». وعين خبيرا لليونسكو، واختارته منظمة الصّحة العالميّة عضوا في لجنة الطّبّ التّقليدي عام 1980.
 انضم الاستاذ الدكتور بدري منذ عامه الأول في الجامعة إلى جماعة «الإخوان المسلمين» المكوّنة آنذاك من مجموعة من الطّلبة الإرتريّين والإثيوبيّين والأردنيّين والسّوريّين. لكنّه انسلخ عنها عام 1969 نتيجة خلاف مع الدّكتور حسن التّرابي وجماعته، ليؤسّس مع مجموعة من أصدقائه جماعة «الغرباء»، وما لبثت أن كبرت الجماعة التي كان بدري أميرها في البداية لتشمل العديد ممّن كانوا سابقاً في صفوف الإخوان المسلمين، ثمّ تحوّل اهتمامه بالتّصوّف وقد يكون ذلك ناتجا عن طبيعة اختصاصه العلمي.
تعرّض الدّكتور بكري إلى الاعتقال في مناسبتين وقبع شهوراً في سجون النّظام بعد انقلاب جعفر النّميري. وبعد خروجه من السّجن بثلاثة أعوام، تقلّد منصب أخصّائي التّربية وعلم النّفس في منظمة اليونسكو في مؤسّسة التّربية العمليّة في بحر دار بأثيوبيا، ثمّ عاد إلى السّودان في العام 1977 ليعمل أستاذاً في جامعة الخرطوم، ومنذ ذلك الحين وحتّى 2004 تنقّل ما بين جامعات السّودان وماليزيا والسّعوديّة وجوبا بجنوب السودان.
لم يكن انتماء الدّكتور بكري السّبب في شهرته بل اختصاصه العلمي الذي أبدع فيه، حيث طوّر منهجا إسلاميّا لعلم النّفس، من خلال ربط المفاهيم الرّوحانيّة الإسلاميّة بمفاهيم علم النّفس الغربي، وبذلك ضمّ صوته إلى صوت المؤلّفين المسلمين الذين غذّوا نظريّا مقاربته «لأسلمة المعرفة». وقد تأثّر مالك بالمؤلّفين الغربيّين المعارضين لهيمنة الأطروحات الفرويديّة والدّاعين لأطروحة العلاج السّلوكي.
بعد أن تتلمذ في لندن على يد الدّكتور «فيكتور ماير»، عالم الطّب النّفسي البريطاني ورائد مجال العلاج السّلوكي وتمكّن من أساليب هذا العلاج، انتقد بدري بعضا منها مشكّكا في النهج المتّبع الذي يحول المرضى عمليّا إلى «كلاب بافلوف»، ومقابل ذلك آمن بالنّهج «الإنساني» لعلم النّفس بمراعاة ذاتيّة المريض من خلال الحوار معه والإصغاء إليه. ونشر عدّة أعمال في هذا المجال في أواخر السّتينيات حتّى وصفته«المجلة الأميركيّة لعلم النّفس» بـ«الرّائد» في الانتقال من العلاج السّلوكي إلى العلاج المعرفي، إذ منح هذا النّهج الجديد الطّابع الإنساني للعلاج السّلوكي. وبمرور الزّمن أثبتت نظريّاته نجاحها.
مكنته خبرته الواسعة -لكونه معالجا في العالم الإسلامي، كالسّودان والسّعودية والمغرب- من تطبيق أساليبه العلاجيّة على العديد من المرضى المسلمين. وأحرز نتائج باهرة نظرا لتكييف علاجاته مع السّياق الثّقافي الإسلامي. كما غذّت هذه التّجارب العمليّة تفكيره النّظري.
يرى الدكتور مالك أنّ علم النفس مرتبط ارتباطا وثيقا بالبيئة الثقافيّة والفكريّة؛ لذلك شجع علماء النّفس المسلمين على دراسة المؤلّفين المسلمين الكلاسيكيّين، وأعرب عن أسفه لأنّ الباحثين الغربيين في علم النّفس اعتبروا أنّ الفلاسفة اليونانيّين فقط هم روّاد في هذا المجال، متجاهلين تماما المؤلّفين المسلمين من أمثال عالم الفيزياء الموسوعي «أبو زيد البلخي» في القرن التّاسع الذي استنتج من كتابه «مصالح الأبدان والأنفس» طريقة علاجيّة لتعزيز الصّحة العقليّة والجسديّة.
أكسبته أعماله التي أحدثت ثورة في مجاله لقب «أبو علم النّفس الإسلامي الحديث». وتشهد كتبه العديدة حول هذا الموضوع على إسهاماته الكبيرة في ظهور «علم النّفس الإسلامي».
وقد نشر الدّكتور بدري عددا هامّا من الكتب والبحوث باللّغتين العربيّة والانجليزيّة، ومن ضمن ما نشر بالانجليزية: «الإسلام وعلم النّفس التحليلي»، و«الإسلام وإدمان الكحول»، و«معضلة المسلمين وعلماء النفس» و«علم النفس التربوي» و«استخدام واساءة استخدام العلوم الانسانيه في البلدان الاسلامية»و«نكبة الإيدز».
شغل الدّكتور بدري عدّة مناصب منها: أستاذ مساعد في الجامعة الأمريكيّة في بيروت من عام 1962 إلى 1964م، أستاذ زائر ورئيس لقسم علم النّفس بالجامعة الأردنيّة عام 1965م، أستاذ مشارك في قسم علم النّفس والتّربية ومدير لوحدة التّوجيه والإرشاد النّفسي في جامعة أم درمان الإسلاميّة من عام 1967 إلى1971م، أستاذ كرسي ابن خلدون المتميّز بالجامعة الإسلاميّة العالميّة في ماليزيا، وهو رئيس الجمعيّة الدّوليّة لعلماء النّفس المسلمين.
توفي الدّكتور مالك بدري صباح الاثنين 8 فيفري 2021 عن عمرٍ يناهز 89 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً من الكتب والمؤلّفات التي أسّست لفهم منهجي لعلم النّفس من منظور إسلامي.