همسة

بقلم
شكري سلطاني
إلى أين يا عرب؟
 يصدمنا الواقع نحن العرب بتطوّراته وقفزاته المفزعة وسطوته خاصّة عندما يكشف أعداؤنا عن وجههم الحقيقي القبيح، فهم لا يساومون ولا يتخلّون أبدا عن مصالحهم وغاياتهم، هم يقظون مترصّدون مستعدّون لتحقيق ما يخطّطون له منذ أمد .
ويبقى العرب هم الغمر والسّذج، بلا مقاصد ولا أهداف، ينسون تاريخهم وأحزانهم وأوجاعهم، فهم قد تكيّفوا مع مرارة واقعهم وأوضاعهم المأساويّة فلا يرومون صعود الجبال ولا هم صفعة العدم المنتصر، هم أقرب إلى الظّاهرة الصّوتيّة فلا تحسّ لهم ركزا ولا إنجازا ولا انتصارا لقيم ولا تجذيرا لمبادئ، إذ لا عدل ولا عمران ولا كرامة، فقد غابت الشّهامة والشّجاعة مع الكرامة وسُلبت الإرادة.
فقدنا نحن العرب زمام أمورنا وأضعنا بوصلة لتوجّهنا، فتاهت مراكبنا .
لنعِ درسنا القاسي :
عدوّنا يصيبنا في مقتل ونحن نندّد ونشجب ونترقّب منه أن ينصفنا. تقمّصنا دور الصرّار في حياتنا العمليّة ولعب هو دور النّملة في جهده وعمله، فمن نلوم ؟ أنعاتب زماننا أم العيب فينا؟ 
إذا لم نكن نحن من يقود معركة الكرامة والنّصر ويديرها باقتدار، فلنكن شعلة لهيبها وسعيرها لنبني جيل المواجهة والحسم والنّصر ولو بعد حين من الدّهر . ولكن لسائل أن يسأل: «هل نحن سائرون لتحقيق الهدف ؟».
ما ثمّ إلاّ الوهم الكاذب وثمرة الغرور وحالة انبساط واسترخاء وإستبداد وفساد وقلّة ذوق وسوء خلق .
تذكّرنا الأيام الحالكة القاتمة وصولة العدوّ المتعجرف بحقيقتنا، فهو يدوس على جراحنا بحقده الصّليبي الدّفين وعنجهيته المقيتة، فالعرب وأهل الدّيار أمامه كغثاء السّيل، فينتفض هو ومناصروه كالأكلة على قصعتهم،  فمن يهابون ويحذرون وهم الملتهمون المفترسون ؟
حسبنا اللّه ونعم الوكيل لمن باع القضيّة ومن تاجر بها، وما أهمّه همّ الأمّة، ولا حزن لآلامها وجراحها وعذاباتها ومصائبها، تعاون مع المستعمر وما خبر وجهه القبيح المتخفّي وراء شعاراته ومبادئه وحقوق الإنسان فهي له دثار ولنا  أكفان من عنده، يخيطها لنا متى قدّر لنا مزيد التّقهقر والفناء فكلّ مآسينا وحروبنا تشهد على إتقانه دور الجلاّد والجزّار والقابر لأحلامنا والقاتل لديننا وتراثنا وأهلنا شيبا وشبابا ولم يسلم منه حتّى الرّضيع، إنّه الحقد المغيّب في القلوب وإن تقادم عهده باق.
فما بال ذاكرتنا قد ضعفت وأصاب عزيمتنا الوهن وانطمست بصيرتنا، فحسبنا العدوّ صديقا وهو الماكر بأفعاله، الماهر في أقواله، فهل تنطلي علينا حيله وننسى أصله وعقيدته؟
العدوّ يعتبر أمّتنا خارج مدار الحضارة وفريسة سهلة وعليه اغتصاب أرضها وانتهاك عرضها وإخراجها من دائرة الفعل والتّأثير نهائيّا لتكون أمّة خاضعة منقادة خائرة عاجزة، فهل نقبل هذا الموت الأسود؟ ومازالوا يكيدون ويسقطون معانينا، وينتزعون بذور نهضتنا، ويسرقون آمالنا وأحلام أجيالنا، لنعيش بدون مستقبل في حاضر مهزوم. فهل نعي درسنا القاسي ونتعامل مع طوارق الزّمن والقواطع أم نواصل السّبات ؟
فلنعِ حقيقة وأصل الصراع، فمن جهل عدوه وحقيقة نفسه وقدراته وإمكانياته، فقد طال أمد نكباته، فالجهل «يهدم بيت العزّ والشّرف». 
جذر الصّراع وأصله عقيدة صليبيّة متخفيّة بدثار الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان وتحرّر الشّعوب، تدافع عن مصالحها وتحارب ديننا ظاهرا وباطنا بكل الوسائل لكي لا يعلو له مقام ولا يعيد أمجاد الأمّة المنكوبة، لتبقى أمّتنا مهزومة منكسرة بلا معنى ولا روح، سهلة القيادة سلسة الانصياع والخضوع والتبعيّة ورائدة في التخلّف ومنبتا للفتن والتّقاتل، فينتهي أمرها إلى الأبد مع جيل فاقد لدينه غير واعٍ بتراثه وتاريخه. ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ﴾ سورة البقرة - الآية 217.. 
فلا يمكن للعامل الخارجي أن يخترق قلب الأمّة إلاّ إذا حصل خلل ووهن في جسمها الذي إعتلّ بمفعول الزّمن، فأردته الطوارق والمصائب والرّزايا إلى سبات، فأصبحت ميزتهم الأساسيّة وسمتهم البارزة بما أنّهم خارج دائرة الفعل والتّأثير.