شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
الشّهيد الدّكتور إسماعيل الفاروقي
 وُلِد الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي في مدينة يافا الفلسطينيّة عام 1921م من أسرة فلسطينيّة عريقة وثريّة. درس على يد والده (أبو الهدى) الفاروقي الذي كان قاضيا شرعيّاً، فتأسّس على الإيمان العميق بالإسلام. ثم درس في مدرسة الفرير الدّومينيكان الفرنسيّة حتّى عام 1936م، وفيها اكتسب المعرفة المبكرة بالمسيحيّة الكاثوليكيّة، وكان ذلك قاعدة متينة أصبحت أساساً لتوجّهه للتّخصّص بالمسيحيّة وقيمها الدّينيّة والأخلاقيّة، وبنت فيه دراية عميقة باللّغة الفرنسيّة. وانتقل بعدها إلى الجامعة الأمريكيّة ببيروت ، فدرس الفلسفة، وتحصّل على البكالوريوس عام 1941م وأصبحت مجال تخصّصه وتحديداً فلسفة الأديان، كما أجاد اللّغة الإنجليزيّة إجادة ممتازة.
اشتغل عقب تخرّجه ببعض الأعمال الحكوميّة في ظلّ حكومة الانتداب البريطاني. ومع اندلاع القتال في فلسطين عام 1948م شارك في بعض العمليّات الجهاديّة، فكانت تجربة زرعت في نفسه القدرة على المجابهة ورفض الخنوع. ومع انتهاء الحرب وسقوط فلسطين، غادر إلى الولايات المتّحدة، وتابع دراسته الجامعيّة، فحصل على درجتي ماجستير في الفلسفة، ثمّ على درجة الدّكتوراه من جامعة إنديانا عام 1952م،  وكانت أطروحته بعنوان « تبرير الخير: الجوانب الميتافيزيقيّة والإبستمولوجيّة للقيم». باشر التّدريس الجامعي في الولايات المتّحدة، وقابلَتْهُ تحدّياتٌ هائلة في السّاحة الأكاديميّة الأمريكيّة، وأدرك أنَّ تكوينه العلمي في الإسلام لا يكفيه لمواجهة هذه التّحديات، فرحل إلى القاهرة وأمضى أربع سنوات في دراسة العلوم الإسلاميّة في الأزهر الشّريف، حتّى اكتمل تكوينه العلمي الإسلامي إضافة إلى التّعليم الغربي. ثمّ عاد إلى الولايات المتّحدة، أستاذاً لفلسفة الأديان في عدد من الجامعات، واكتسب منزلة مرموقة، في تدريس الأديان المقارنة، وأنشأ عدداً من مجموعات البحث في دراسة الإسلام.
لم ينس المرحوم الفاروقي قضيّة فلسطين، ولا سيّما ما كان يلاقيه من محاصرة الأساتذة الجامعيين اليهود له في تحرّكاته في الجامعات الأمريكيّة. واستثمر تخصّصه العلمي في الكتابة عن القضيّة، وعن طبيعة الخصم الذي يواجهه، فألّف عدداً من الكتب منها: «الإسلام ومشكلة إسرائيل»، «الملل اليهوديّة المعاصرة»، «أصول الصّهيونيّة في الدّين اليهودي». وكان مبدعاً في تجاوزه البعد السّياسي وإشكالاته العمليّة، إلى العمق الفكري والمعرفي للقضايا المختصّة باليهود. وفي عام 1972م شارك مع جماعة اتحاد الطّلبة المسلمين في الولايات المتّحدة في تأسيس جمعيّة العلماء الاجتماعيّين المسلمين في أمريكا، وبقي رئيساً لها حتّى عام 1978م. وأسهم في تطوير فكرة التّوجّه الإسلامي في التّأليف والتّدريس. ألَّف عدداً من الكتب الموسوعيّة المتميّزة في تاريخ الأديان والأديان المقارنة وفلسفة الأديان منها: «الأطلس التّاريخي لديانات العالم»، «أديان آسيا الكبرى»، و«الأخلاق المسيحيّة»، و«التّوحيد وتمثّلاته في الفكر والحياة». وله بحوث كثيرة منشورة في عدد من الدّوريّات العلميّة. نشر معظم بحوثه وكتبه بالإنجليزيّة، ونشر بعضها بالعربيّة والفرنسيّة. كان آخر عمل أنجزه هو أطلس الحضارة الإسلاميّة الذي صدر بعد استشهاده. ومع أنَّ الفاروقي كان عالماً متميّزاً في تخصّص الفلسفة ومقارنة الأديان، فإنَّه كان في الوقت نفسه ممارساً للإصلاح في عدد من الميادين. استوعب جهود الإصلاح السّابقة منذ أبي حامد الغزالي وابن تيمية، حتّى منتصف القرن العشرين. وتنقّل في بلدان العالم الإسلامي داعياً إلى الإصلاح ومشاركاً في برامجه، ولا سيّما برامج الإصلاح الفكري والتّربوي. وقد وضع ثلاثة معايير لتقويم الحركات الإصلاحيّة؛ أولها: موقع التّعليم في جهود الحركات، نظراً لما كان يوليه الفاروقي من أهمّية كبيرة للتّعليم في نجاح جهود الإصلاح. وثانيها: طريقة الحركات في تشخيص واقع الأمّة، نظراً لأنّه أدرك عجز معظم هذه الحركات عن ملاحظة الأزمة الفكريّة، وثالثها: قدرة الحركات على إدراك البعد الإنساني العالمي للإسلام، بوصفه ديناً للنّاس أجمعين يريد الخير للنّاس جميعاً في حياتهم المادّية والرّوحيّة؛ أفراداً ومجتمعات.
اشتهر الفاروقي بأنّه صاحب فكرة « إسلاميّة المعرفة » وهي الفكرة التي كانت تدور حولها كثير من نشاطات اتحاد الطّلبة المسلمين وجمعيّة العلماء الاجتماعيّين المسلمين في السّبعينات، وتبلورت لديه ولزملائه، لتكون رؤية إصلاحيّة في الفكر الإسلامي، وواقع المسلمين، وهي تعتمد أساساً على إصلاح التّعليم الجامعي في العالم الإسلامي الذي تنتهك فيه الرّوح الإسلاميّة، ويسهم في إحباط جهود الإصلاح وتكريس التّخلّف والتّبعيّة. وتقوم خطّة الإصلاح هذه على النّظرة التّحليليّة النّاقدة للعلوم والمعارف، واستلهام الرّؤية الكونيّة القرآنيّة في إعادة صياغتها وتقديمها. وأصبحت هي الفكرة الأساسيّة التي أنشئ من أجلها المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عام 1981م. 
ويتميّز الفاروقي بفكره المقاصدي غير أنّه لم يؤلّف كتاباً في المقاصد من الجهة التّنظيريّة، وليس له كلام في المقاصد على سبيل التّقعيد، وإنّما ظهر عنده إعمال المقاصد، وتفعيلها في جوانب كثيرة من كتاباته، بوصفها تطبيقاً عمليّاً ولا سيّما تلكم الكتابات التي تدور حول سبل النّهوض بالأمّة الإسلاميّة، وطرق تخلّص الأمّة من أمراضها وتخلّفها، وبعض الكتابات في القضايا الأدبيّة والتّربويّة. 
ولم يكتب الفاروقي بصفة مباشرة ومسهبة حول دور الإسلام في العلاقات الدّوليّة، غير أنَّ العديد من مقالاته المنشورة وغير المنشورة، تركّز على نقد الأوضاع العالميّة، ورؤية الإسلام بديلاً للنّظام الدّولي الحالي، وذلك من منظور معياري قائم على رؤيته التّوحيديّة، وعلى نظرته لموقف الإسلام من بقيّة الأديان ومن الإنسانيّة؛ إذ حاول أن يبرز أخلاقيّات الإسلام في التّعامل مع المشكلات العالميّة، وهو موضوع مهمّ، أخذ الاهتمامُ به يُبْرِز الدّعوةَ إلى تأسيس نظريّات معياريّة تعيد الاعتبار للقضايا الأخلاقيّة التي تهمّ العالم.
استشهد في 27 ماي 1986م مع زوجته لويس لمياء الفاروقي طعنًا بالسّكاكين، في حادث لفَّه الغموض، وارتبط بنشاطاته في التّوعية بالقضيّة الفلسطينيّة، ووقوفه في وجه جماعات الضّغط الصّهيونية.