باختصار شديد

بقلم
د.ناجي حجلاوي
الايمان والإسلام
 قال تعالى:﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾(1).  إنّ اعتبار المفسّرين الأعراب هم سكّان البوادي هو فهم يتضمّن إساءة مزدوجة: لسكّان البوادي أوّلا، وللحساب يوم القيامة ثانيا، إذ يجعلونه تبعا للانتماء الجغرافي. وهو ما لا يقبله عقل.
ولمّا كان السّبيل الأمثل لفهم القرآن هو القرآن ذاته، فإنّ دخول الهمزة على بعض الأفعال يقلب معناها إلى المعنى الضّديد، ففعل «قسط» يعني الاحتيال على حقوق النّاس:﴿وَأَمَّا ٱلْقَٰاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾(2). وأمّا فعل «أقسط» فمعناه الإفاء بهذه الحقوق:﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(3). وكذلك الشّأن مع فعل عَرَبَ ومعناه الحسن والاكتمال والاستقامة ﴿عُرُبًا أَتْرَابًا﴾(4). وكذلك ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾(5). وضده «أعرب»، ومعناه الخروج عن حدود الكمال والحسن والاستقامة. إنّ هذا التّفريق فرضه مطلع الآية من سورة الحجرات، لكنّ القصد هو الإشارة إلى أنّ القرآن حاسم في التّفريق بين الإيمان والإسلام معتبرا أنّ الإيمان نوعان: إيمان باللّه ويعني الإسلام وإيمان بالرّسول محمّد وهو الإيمان الثّاني. ولذلك وهكذا نجد شهادتين: 
(1) أنّ لا إلاه إلا اللّه        (2) أنّ محمّد رسول اللّه 
ومصداق الإيمان الثّاني:﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(6) ولمّا اختلط أمر الإيمان والإسلام على المفسرين، حصروا الإسلام في الشّعائر وتبعا لذلك فُهمت الآية: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾(7). على أنّها تعني الشّعائر فعُدّ بثلاثة أرباع النّاس جميعا من أهل النّار. كلّ ذلك في ذهول عن الآية الصّريحة:﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾(8). وأنّ ابراهيم هو أوّل المسلمين وكلّ نبي يقول لقومه إنّما إلاهكم اله واحد فهل أنتم مسلمون؟ وهكذا يستقيم الأمر في الآية:﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾(9). بمعنى أنّ من آمن باللّه فهو مسلم لأنّ اللّه لا يقبل دينا لا يستحضر قيم اللّه وقوانينه.
الهوامش
(1) سورة الحجرات الآية 14         
(2) سورة الجن الآية15  
(3) سورة المائدة الآية42
(4) سورة الواقعة 37  
(5) سورة الشّعراء 195 
(6) سورة الشّعراء الآية 215
(7) سورة آل عمران الآية85   
(8) سورة آل عمران الآية 83  
(9) سورة آل عمران الآية19