أسماء الله الحسنى

بقلم
الهادي بريك
الجبّار ـ الخالق ـ البارئ ـ المصوّر
 الجبّار
لم يرد اسم (الجبّار) وهو على صيغة المبالغة (فعّال) عدا مرّة واحدة منسوبا إليه، سبحانه، في سورة الحشر، في أطول سياق إسميّ للّه،سبحانه. كما ورد غير منسوب إليه، سبحانه، في قوله على لسان بني إسرائيل إذ رفضوا دخول الأرض المقدّسة ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾(1).وعاب الجبّارين في قوله سبحانه ﴿وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾(2). الجبّارون : جمع مذكّر سالم لإسم الفاعل (جبّار). كما ورد على لسان عيسى عليه السّلام في القرآن الكريم قوله ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾(3). وفي موضع آخر قال عنه ﴿وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا﴾(4). كما ورد في شأن محمد عليه السّلام ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ﴾(5). وقال الرّجل من قوم فرعون لموسى عليه السّلام ﴿إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرْضِ﴾(6). وأخبر سبحانه عن أنّ مأوى الجبّار العنيد هو النّار. ولم يرد هذا الجذر اللّغويّ (ج ب ر) فيما عدا هذه المواضع القليلة. 
الجبر لغة (جبر يجبر جبرا فهو جابر) التّقوية. جبر الحبل أو الخيط : تغليظه وتشديده وتقويته بمثله عادة أو بغيره. جبر الخاطر المكسور : واساه وعزّاه ووقف إلى جانبه حتّى يتقوّى ويشتدّ ويستعيد عافيته. وجبر الشّيء المكسور: أصلحه ورقّعه وأعاد رتقه من بعد فتق. يقول الفقهاء عن جبر الصّلاة، إذا شابها نسيان أو زيادة، أي إصلاحها لجعلها قويّة. ومن هنا ولد معنى القوّة والعظمة والعزّة من كلمة الجبر. إذ أنّ الجبّار يتولّى ممارسة قوّته وشدّته وعزّته وعظمته ليكون مثل الحبل المجبور، أو الخاطر المجبور، فلا ينكسر ولا يصرم ولا يغلب. ذلك هو المعنى الأوّليّ الأصليّ. 
ويصرف إلى الخير كما يصرف إلى الشرّ. إذ أنّ اللّه سبحانه جبّار لفرط قوّته وعزّته وعظمته وكبريائه، فلا يعجزه شيء. فهو أهل الطّول كلّه والحول كلّه. ومن ذا ورد إسمه (الجبّار) في سياق أسماء أخرى تفيد المعنى ذاته ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾(7). وأكثرها كذلك تناسبا مع سورة الحشر التي تروي قصّة خيانة بني النّضير لرسول اللّه عليه السلام. لمّا أراد سبحانه تصحيح صورة عيسى عليه السّلام أن يتّخذ معبودا مع اللّه قال ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾(8). أرأيت كيف أتبع الجبر بالشّقاء، وفي موضع آخر بالعصيان؟ ذلك يعني أنّ الجبر عندما يكون تعاليا وتطاولا وقهرا فهو شقاء. 
ومن شأن الجبّار في النّاس أن يعبد أو يهاب أو يحاط بهالات قدسيّة. ومن ذا تبرّأ عيسى عليه السّلام منذ البدء من صفة الجبر، إذ لا يتقلّدها من النّاس عدا الأشقياء. إلاّ جبرا لشيء يراد إصلاحه مثل الخاطر المكسور، أو الشّيء المعطوب، أو العبادة المشوبة بسهو أو نسيان. عيسى عليه السّلام نبيّ يعرض دعوته التّوحيديّة على النّاس، فلا يجبر أحدا عليها، وبمثل ذلك كان محمّد عليه السلام غير جبّار. أي لا يكره أحدا على إيمان ولا على كفر. أمّا كونه سبحانه جبّارا، فلا يعني ذلك أنّه يكره النّاس على إيمان أو على كفر، إنّما معنى ذلك أنّه قاهر فوق عباده، ويملك كلّ شيء، ويهيمن على كلّ شيء، وهو المتكبّر الأوحد، بسبب ألوهيته وربوبيته ووحدانتيه. 
الجبر المنسوب إليه سبحانه هنا هو الجبر الكونيّ أي القدريّ وليس الشرعيّ، فهو يجبر خلقه كلّه على ما يشاء قهرا، إلاّ أنّه أتاح للإنسان والجانّ حقّ الإيمان وحرّية الكفر، حتى يكون إبتلاؤه سبحانه إيّاهما مسؤولية وليس عبثا، ويكون جزاؤه سبحانه إيّاهما مثل ذلك جزاء وفاقا، وفضلا منه، ورحمة للمؤمنين منهما. وليس ذلك لأحد من خلقه حتّى لو كانوا أنبياء.
الخالق ـ الخلاّق ـ أحسن الخالقين
ورد هذا الإسلام بصيغ مختلفة إبتدائيّة، مجرّدة ومركّبة، وبتراكيب المبالغة مرّات كثيرات، بل إنّه ورد فعلا (بصيغة الفعل) مرّات كثيرات. كما ورد إسما مثل ذلك. ذلك يشي بأنّ اللّه سبحانه هو (خالق كلّ شيء) ويتحدّى بذلك النّاس ﴿هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾(9)، ولكنّه نسب فعل الخلق ـ وليس إسمه ـ لغيره سبحانه في مثل قوله سبحانه ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾(10)، ونسبة إلى عبده عيسى عليه السّلام ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾(11). فأمّا نسبة الخلق ـ فعلا وليس إسما ـ إلى الكافرين أنّهم يخلقون إفكا تبشيعا لخلقهم وتفظيعا لجرمهم. كأنّ الإفك خطيئة لا يخلقها إلاّ مكابر عنيد. وهو ذمّ قطعا. وأمّا نسبة ذلك إلى عبده عيسى عليه السّلام، فهو بمعنى الصّناعة، ذلك أنّ الخلق الذي يتولاه هو وحده سبحانه، إنّما هو خلق الحياة والرّوح والعظائم من مثل السّماوات والأرض وغير ذلك.
الخلق لسانا : الإنشاء والصناعة والفعل والإخراج، ولذلك بدأ بحرف حلقيّ غائر. ومن ذا قالوا إنّ الخلق إنشاء من غير سابق مثال. وهو صحيح عندما ينسب إلى اللّه عزّ وجلّ. ولكنّه هو نفسه نسبه إلى غيره. عندما نسب إلى عيسى الخلق أردف بقوله أنّه هو سبحانه من ينفخ فيه بروحه فيكون طيرا. وقبل ذلك ليس هو طير يطير. إنّما هو تمثال أو صناعة يقدر عليها كلّ أحد. الخلق فطر. ولذلك سمّى نفسه (فاطر السماوات والأرض)، أي إشتقاق أو شقّ من غير سابق مثال، ولا يقدر عليه غيره بمثال لاحق. 
يبدأ هذا الفعل بحرف حلقيّ غائر ثم يعود إليه أي إلى المخرج ذاته تقريبا، ليعلن أنّ الخلق عمل إبتدائيّ إنشائيّ غائر عميق، ليس هو من مشمولات كلّ من هبّ ودبّ، إلاّ تجوّزا لغويا فلا حرج فيه. خلق اللّه أمر ظاهر معلوم معروف، حتّى إنّ المشركين أنفسهم لم يتلعثموا طرفة عين واحدة إذ سُئلوا (من خلق السماوات والأرض) و(من خلقهم) أن يقولوا أنّ اللّه هو الذي خلق كلّ ذلك. مشكلة النّاس دوما ليست في نسبة الخلق إلى اللّه سبحانه، فهذا يقرّ به المشرك والكتابيّ والدّهريّ نفسه (الملحد في زماننا) والعلمانيّ. إنّما مشكلة النّاس في عدم إقرارهم لهذا الخالق سبحانه بالأمر، أي بالتّشريع لهم. وقد قرن سبحانـه بين خلقه وأمـره ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ (12).
خَلَق الشّيء ( بفتح فاء الفعل وعينه معا) يعني : أنشأه وصوّره وفطره وصنعه وأخرجه من عدم. أمّا خَلِق الشّيء ( بفتح فاء الفعل وكسر عينه ) فإنّه يعني : باد وإضمحلّ وبلي ورقّ ضعفا. أمّا خَلُق الشّيء ( بفتح فاء الفعل وضمّ عينه )، فهو يعني: إتّزر بهيئة نفسيّة ما قد تكون طيّبة ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾(13) وقد تكون سيئة ﴿إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ (14).
أرأيت كيف أنّ هذا الجذر الثلاثيّ نفسه متّحد المكوّنات إتّحادا كليّا ولكن بسبب إختلاف بعض حركات حروفه فحسب، إختلف المعنى؟ هو لم يختلف إختلاف حقل أو مربّع، إذ أنّ إتّحاد الجذر يفرض بالضّرورة إتّحاد المعنى، إذ الصّلة قائمة بين الخلق إنشاء والخلاق بلى والخلق هيئة نفسيّة. ومن ذلك كذلك الخلاَق (بفتح اللام وبلا تضعيف) أي النّصيب والحظّ. ذلك من خصوبة هذا اللّسان وثرائه، ولكن يحسن قصر القلم هنا أن ينداح، فيخرج عن إطار الموضوع. عدا أنّه سبحانه سمّى نفسه : أحسن الخالقين. وهو مفهوم، إذ نسب الخلق إلى غيره (عيسى مثلا) ليظلّ خلق اللّه سبحانه هو الأحسن. كما سمّى نفسه بصيغة الجمع في قوله ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ؟ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ؟﴾(15) وبذلك يكون سبحانه هو الخالق والخلاّق ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾(16) وهو أحسن الخالقين وبصيغة التّعظيم ﴿أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾(17). ليتفرّد بالخلق كلّه.
البارئ
لم يرد هذا الإسم (البارئ) على وزن (فاعل) من فعل : برأ يبرأ برأ فهو بارئ ومبروء، عدا مرّة واحدة، شأنه شأن أكثر مركّبات هذا السّيـاق في سورة الحشـر. كما ورد مضافا إليه في قوله ﴿فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ﴾ (18) وهو الله سبحانه. برأ الشيء أي خلقه وصوّره بصفة عامّة. ولكن له معنى خاصّ وهو : التمضية والإخراج الجديد والتحديد والتقوية على الفعل. وذلك من قولهم: برأت القلم أي جدّدت قوته على الكتابة وقدرته على الرّسم حتى يكون ماضيا حادّا لا كليلا ويكون ذلك بإخراج صلبه الدفين. وتقول العرب : برأت القوس كما ورد في قول الشاعر : يا باري القوس بريا لست تحكمه لا تظلمنّ القوس وإعط القوس باريها. ذلك هو ما يفعله الله سبحانه في خلق الإنسان والنبات والحيوان وكلّ شيء يخلقه سبحانه فهو يبرأ صلبه ليخرج منه نطفة منها يخلق الخلق. ولم يرد الفعل (برأ) في الكتاب العزيز ولكن ورد نظيره (ذرأ). والذرء هو البرء. إذ إشتركا في ثلثي الجذر. ذلك أنّ الذرء بثّ من بعد برء وخلق. ومنه الفعل المزيد: أبرأ أي أشفى وما يبرأه الله يكون مبرّأ فهو على الفطرة. ومنه مشتقات أخرى كثيرة أخشى أن ينداح القلم في إثرها إندياحا من مثل برّأ أي أذهب عنه السوء أو قالته وتبرّأ أي أعلن عدم تبعيته وعلاقته بمن كان له تبيعا ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾(19). ألا ترى أنّ البرء يبدأ بحرف مقدّم هو الباء (برأ) ليفيد أنه إبتدائيّ إنشائيّ صلبيّ أي خلق من غير سابقة؟
المصوّر
لم يرد كذلك هذا الإسم (المصوّر) عدا مرّة واحدة، وهو من فعل (صوّر، يصوّر، تصويرا، فهو مصوّر) وأصله من فعل : صار، يصير، صيرا، وصيرورة. إذا كان الشّيء يصير بفعل فاعل، فإنّ الفاعل هو الذي يصيّره تصييرا. وإذا كان ذلك المصيّر للشّيء قادرا فاعلا مكينا، يفعل بالشّيء ما يشاء، فهو مصوّر. إذ أنّ الواو أقوى من الياء تناسبا، مع إفادة القوّة والعظمة والقدرة. 
صوّر الشّيء أي تصرّف في صورته كما يشاء، واللّه المصوّر سبحانه، بعد ما يخلق في الإنسان (ومثل ذلك في النّبات والحيوان وما لا نعلم) شيئا هو النّطفة. فإنّه يصوّر ذلك تصويرا، أي يتصرّف فيه من حلقة إلى أخرى، أو محطة لأخرى من مثل خلق النّطفة علقة، ثمّ مضغة، ثمّ عظاما، ثمّ خلقا آخر، وذلك لا يقصر على الإنسان. 
صورة الشّيء هي هيئته الأخيرة. ولذلك قال سبحانه ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ (20) وقال عليه السلام: «إنّ اللّه لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم»(21). وكان المشركون يصوّرون أصناما وأوثانا يعبدونها أو يبيعونها. أي تصويرا مادّيا بالطّين، أو الحلوى، أو بناء للقبور بناء عاليا، أو غير ذلك، فنهاهم عليه السّلام عن التّصوير، لأنّه الطّريق الوحيد تقريبا في تلك الأيام أو الأغلب لعبادة غير اللّه سبحانه. فهو نهي عن وسيلة غالبة يفهم منه النّهي عن مقصدها، ولذا لا يحرّم ما يصوّر لغير ذلك. إذ يدور الحكم مع علّته وجودا وعدما. 
اللّه إذن هو المصوّر الذي يحوّل الأشياء ويتصرّف فيها كما يشاء تكوينا وتركيبا ولونا ومادّة ووظيفة، وغير ذلك ممّا نعلم وممّا لا نعلم، إذ قال سبحانه ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾(22). أي يعطي لما يشاء الصورة التي يشاء سبحانه وتعالى.
أيّ حظّ للإنسان من هذه الأسماء الحسنى؟
لا يحسن بالإنسان أن يتسمّى بأيّ من هذه الأسماء، إذ هي خالصة له سبحانه، أو قريبا من ذلك تنقية للإعتقاد وتأمينا للإيمان.
الهوامش
(1) سورة المائدة - الآية 22
(2) سورة الشعراء - الآية 130
(3) سورة مريم - الآية 32
(4) سورة مريم - الآية 14
(5) سورة ق - الآية 45
(6) سورة القصص - الآية 19
(7) سورة الحشر - الآية 23
(8) سورة مريم - الآية 32
(9) سورة لقمان - الآية 11
(10) سورة العنكبوت - الآية 17
(11) سورة المائدة - الآية 110
(12) سورة الأعراف - الآية 54
(13) سورة القلم - الآية 4
(14) سورة الإسراء - الآية 32
(15) سورة الواقعة - الآيتان 58 و59
(16) سورة الحجر - الآية 86
(17) سورة الواقعة - الآية 59
(18) سورة البقرة - الآية 54
(19) سورة البقرة - الآية 166
(20) سورة غافر - الآية 24
(21) رواه مسلم عن أبي هريرة
(22) سورة آل عمرن - الآية 6