شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
موريس بوكاي
 وُلِد موريس بوكاي لأبوين فرنسيين يوم 19 جويليّة 1920م، وترعرع كأهله في الدّيانة المسيحيّة الكاثوليكيّة حيث تلقّى تعليمه الابتدائي والثانويّ في مدرسة كاثوليكيّة في مدينة بون ليفيك بإقليم النورماندي الأدنى في شمال غرب فرنسا. التحق بكلّية الطّب بجامعة باريس، فكان من الأوائل حتى نال شهادة الطّب، وارتقى به الحال، حتّى أصبح أشهر وأمهر جراح عرفته فرنسا الحديثة، فكان من مهارته في الجراحة قصة عجيبة قلبت له حياته، وغيَّرت كيانه.                                                        
ولبوكاي معرفة عميقة بالكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة، وله اهتمام بالمصريّات. التحق في مطلع الخمسينات بالجمعيّة الفرنسيّة للمصريّات (التي تأسست في باريس في عام 1923) حيث درس الهيروغليفيّة – لغة الحضارة المصريّة القديمة. وفي خريف عام 1969 عاد إلى مقاعد الدّراسة في جامعة السّوربون – معهد اللّغات الشّرقية لكي يدرس اللّغة العربيّة لمدّة أربع سنوات حتّى صار ضليعا فيها.
برهنت دراسة بوكاي للغة العربيّة على جدواها وفاعليتها عندما قرأ القرآن الكريم بها قبل زيارته لمصر للمرّة الأولى في صيف عام 1974م ليقترح مشروعا بحثيّا متعلّقا بمومياء فرعون الذي طارد النبي موسى وبني إسرائيل ولقي مصيره غرقا في البحر. وعندما كان موريس بوكاي يُعِدُّ تقريرًا نهائيًّا عمّا كان يعتقده اكتشافًا جديدًا في انتشال جثة فرعون من البحر وتحنيطها بعد غرقه مباشرة، همس أحدهم في أذنه قائلاً: لا تتعجل؛ فإنّ قرآن المسلمين يروي قصةً عن غرقه، وعن سلامة جثته بعد الغرق.
استنكر بوكاي هذه الرواية باعتبار أنّ المومياء لم تكتشف إلاّ عام 1898م، بينما القرآن موجود قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام وأنّ هذا الاكتشاف لا يمكن معرفته إلاّ بتطور العلم الحديث، وعبر أجهزة حاسوبيّة حديثة بالغة الدّقة. فعاد ليقرأ القرآن من جديد فإذا به أمام قوله تعالى: «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ» (يونس: 92)، فكان وَقْع الآية عليه شديدًا، ورُجَّت له نفسه رجة جعلته يعلن إسلامه».
رجع موريس بوكاي إلى فرنسا بغير الوجه الذي ذهب به، وهناك مكث عشر سنوات ليس لديه شغل يشغله سوى دراسة مدى تطابق الحقائق العلمية والمكتشفة حديثًا مع القرآن الكريم، والبحث عن تناقض علمي واحد مما يتحدث به القرآن ليخرج بعدها بنتيجة قوله تعالى: «لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (فصلت: 42).
كان من ثمرة هذه السّنوات التي قضاها بوكاي في البحث أن خرج في عام 1976م بتأليف سمّاه «القرآن والتّوراة والإنجيل والعلم.. دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة» الذي هزَّ الدّول الغربية قاطبة، ورجّ علماءها رجًّا. ومن أول طبعة له نفد من جميع المكتبات! ثم أعيدت طباعته بمئات الآلاف بعد أن ترجم من لغته الأصلية (الفرنسية) إلى العربية والإنكليزية والإندونيسية والفارسية والتركية والألمانية، لينتشر بعدها في كل مكتبات الشرق والغرب، وصرت تجده بيد أي شاب مصري أو مغربي أو خليجي في أميركا.
وقد أثارت آراء وبحوث بوكاي الخاصّة بالمصريّات والدّراسات الدّينيّة المقارنة جدلا شديدا في وطنه وخارجه، حيث تعرّض بوكاي لانتقادات واسعة من قبل علماء وباحثين غربيين معتبرين كتبه غير موضوعيّة، وغير علميّة، ويناقض منهجه النّظريات العلميّة في مواقع عدّة. وقد وجد عدد من النّاقدين أمثال الباحث تانر إديس أنّ المراجع والآيات القرآنيّة التي أستند اليها موريس بوكاي ليثبت فيها توسّع الكون، والأكوان المتوازية، والكون المنظور هي «خاطئة بشكل صارخ». وعلى الرغم من أنّ منهج موريس بوكاي تمّ ازدراءه وإنكاره من قبل معظم علماء التّيار المعادي للإسلام، الاّ أنّه عزّز الفخر في التّراث الإسلامي لدى عامّة المسلمين، ولعب دورًا هامًا في جذب عدد كبير من الغربيين إلى الإسلام. 
يقول موريس بوكاي في مقدمة كتابه: «لقد أثارت هذه الجوانب العلميّة التي يختصّ بها القرآن دهشتي العميقة في البداية، فلم أكن أعتقد قطّ بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحدّ من الدّقة بموضوعات شديدة التّنوع، ومطابقتها تمامًا للمعارف العلميّة الحديثة، وذلك في نصّ قد كُتِب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا!!».
ويقول أيضًا: «لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم، وذلك دون أيّ فكر مسبق وبموضوعيّة تامّة، باحثًا عن درجة اتفاق نصّ القرآن ومعطيات العلم الحديث. وكنت أعرف -قبل هذه الدّراسة، وعن طريق التّرجمات- أنّ القرآن يذكر أنواعًا كثيرة من الظواهر الطّبيعية، ولكن معرفتي كانت محدودة.
وبفضل الدّراسة الواعية للنّص العربيّ استطعت أن أحقّق قائمة، أدركت بعد الانتهاء منها أنّ القرآن لا يحتوي على أيّة مقولة قابلة للنّقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث، وبنفس الموضوعيّة قمت بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل.
أمّا بالنّسبة للعهد القديم، فلم تكن هناك حاجة للذّهاب إلى أبعد من الكتاب الأول، أي سفر التّكوين، فقد وجدت مقولات لا يمكن التّوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخًا في عصرنا.
وأمّا بالنّسبة للأناجيل، فإنّنا نجد نصّ إنجيل متّى يناقض بشكل جليٍّ إنجيل لوقا، وأنّ هذا الأخير يقدّم لنا صراحة أمرًا لا يتّفق مع المعارف الحديثة الخاصّة بقدم الإنسان على الأرض».
ويقول الدّكتور موريس بوكاي أيضًا: «إنّ أول ما يثير الدّهشة في روح من يواجه نصوص القرآن لأول مرّة، هو ثراء الموضوعات العلميّة المعالجة، وعلى حين نجد في التّوراة -الحاليّة- أخطاء علميّة ضخمة، لا نكتشف في القرآن أيّ خطأ، ولو كان قائل القرآن إنسانًا، لما كان باستطاعته في القرن السّابع أن يكتب حقائق لا تنتمي إلى عصره».
وقد منحته الأكاديمية الفرنسية عام 1988م جائزتها في التّاريخ، على كتابه «القرآن الكريم والعلم العصري». وبعد عشر سنوات توفّي موريس بوكاي بفرنسا يوم 17 فيفري 1998.