نفحات

بقلم
عبد الله البوعلاوي
لنغتنم مدرسة الصيام
 تمضي بنا الأيام وتنقضي معها الأعمار، ونتذكر عجلة الزّمان لنجعل منها فرصة لنجدّد الصّلة بخالقنا. وما أكثر مواسم الأرباح التي تفتح بها أبواب الخيرات فيستبق فيها المتسابقون ويتنافس المتنافسون في التّغيير إلى التي أفضل في الطّاعة والأقوال ومحاسن السّلوك. ويُعدّ شهر رمضان شهر الصحوة من الغفلة، يقول اللّه تعالى: «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ»(1)، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كان يَبْنِي جِدَارًا فَمَرَّ بِهِ آخَرُ فِي يَوْمِ نُزُولِ هَذهِ السُّورَةِ، فَقَالَ الَّذِي كَانَ يَبْنِي الْجِدَارَ: مَاذَا نَزَلَ الْيَوْمَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ الْآخَرُ: «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ»، فَنَفَضَ يَدهُ مِنَ الْبُنْيَانِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا بَنَيْتُ أَبَدًا وَقَدِ اقْتَرَبَ الْحِسَابُ» ومن علم اقتراب السّاعة قصر أمله، وطابت نفسه بالتّوبة، ولم يركن إلى الدّنيا، فكأنّ ما كان لم يكن إذا ذهب، وكلّ آت قريب، والموت لا محالة آت؛ وموت كلّ إنسان قيام ساعته؛ والقيامة أيضا قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزّمان، فما بقي من الدّنيا أقلّ ممّا مضى»(2). والإنسان في غفلة من السّاعة وهو على موعد منها ومن اقترابها، «وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ»(3). فالغفلة من أصعب المسالك التي يشتدّ فيها الزّحام لكثرة السّالكين، فتتفرّق بهم السّبل وتتخطّفهم الأهواء، فلا منقذ لهم من ذلك إلاّ كتاب اللّه الذي يبصِّرهم بالهدى ودين الحقّ. واللّه تعالى جعل من أيام الدّهر نفحات توقظ الغافلين وتنذرهم من سوء المصير، ومنها «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ»(4) ففيه تضيق على الشّيطان مجاريه فيصفو الذّهن، وتحلو المناجاة، فيهتدي الإنسان إلى المقصد الذي من أجله خلقه اللّه تعالى، بإفراده بالرّبوبية والألوهيّة، فيستقيم قوله وفعله على أحكام التّشريع المنصوص عليها في القرآن الكريم والسّنة النّبويّة. 
كلّ شيء يتغيّر في شهر الصّيام، تتغيّر الأحوال وأجواء الكون،يقول رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ»(5)، شهر يكثر المشّاؤون إلى المساجد فرحا بقدوم شهر التّوبة والاستغفار، شهر الجود والإحسان، وشهر الخير والبركة،  وشهر محاسبة النّفس، وشهر تلاوة القرآن الكريم وتدبّره ومدارسته، شهر  يعلّم الانضباط  والصّبر  وضبط النّفس وعدم التّهور، والحلم والعفو والصّفح عن النّاس ليس على سبيل الجبن والخوف والضّعف ولكن طاعة للّه تعالى وإتّباعا لرسوله ﷺ وطلبا للأجر والثّواب.. ولو أمعنا النّظر في الأحاديث النّبويّة الواردة في فضل الصّيام وآثارها على النفس، والمقاصد التي من أجلها فرض، لكان لزاما علينا أن نجعل منه فرصة لتربية أنفسنا بقيمه النّبيلة التي سنذكر بعضا منها:
في شهر الصّيام نجد فرصتنا لتلاوة القرآن الكريم وسماعه والقيام به، فنستمتع بمعانيه، ونعيش في رحابه بأرواحنا وجوارحنا، فنهتدي بأنواره وفيوضاته، ونتوصّل بتدبّر آياته إلى قيَّمه العالية، وبه نرى ضرورته في وجودنا فنجده قولا ثقيلا من حيث مبناه ومعناه، ومن حيث أوامره ونواهيه، قولا ثقيلا في دلالاته وإشراقاته، يقول اللّه تعالى: «إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا»(6). إنّ القرآن الكريم، قول ثقيل في علوّ شأنه على باقي الأقوال من الإنس والجنّ والملائكة، ورِفْعَة منزلته في كونه القول الحقّ، والفصل العدل في الحكم بين النّاس في تدبير حياتهم وهو الحكمَةُ البالغة لهم الضّابطة لسلوكهم، والحكيمُ المنظم والشّفاء من الأهواء والأمراض القلبية المادّية عامّة، والأمراض المعنويّة، وهو الهادي والهدى إلى خيري الدّنيا والآخرة لمن أراد أن يهتدي به، فهو هدى في ذاته وهادي لمن يريد الاقتداء به، يقول اللّه تعالى: «إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ»(7) . 
وإذا أقبل الإنسان بقلبه على تدبّره: «فُتح له من كنوزه وأسراره ما لم يكن يعلمه من قبل، يقول اللّه تعالى: «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ»(8)، «فالمؤمن إذا تلا القرآن استعرضه كالمرآةِ يرى فيها ما حَسُن من فعله وما قبح منه، فما حذّره مولاه حذره، وما خوّفه خافه، وما رغّبه فيه رغب فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته أو من قاربها، فقد تلاه حقّ تلاوته ورعاه حقّ رعايته، وكان له القرآن شاهداً وشفيعاً وأنيساً وحرزاً»(9).
تحصُل هداية القرآن لمن يتمسّكُ بأحكامه وأوامره ونواهيه، ويُلقى إليه عقلَه وجوارحَه ويتّخذه منهجا لحياته الرّوحيّة والمادّية ويمضي به في النّاس، فتأتيه مشيئةُ اللّه للهداية، يقول اللّه تعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا»(10). فالإكثار من تلاوة القرآن يداوي علل تصوّراتنا وأفكارنا وأسقام أبداننا، فيشفي ما علق بها من أوهام وشكوك وأمراض تفتك بالقلوب والأبدان، يقول تعالى:«وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ»(11)، شفاء من كلّ انحراف وهوى، ومن كلّ الضّلالات والتّصوّرات الفاسدة، ومن كلّ الأدران والرّعونات «وَلاَ يَزِيدُ الظَّاِلمِينَ إِلَّا خَسَارًا»(12)، فلا يزيد من خالفَه واتبع هواه، وحرَّف آياته، أو آمن ببعضه وكَفَر ببعض أو ألغى أحكامه إلاّ  ضلالا وشقاوة في الدّنيا والآخرة. 
فالاجتهاد في شهر الصّيام في تلاوة القرآن وتدبّره، يرفعنا مكانا عليّا، يقول النّبي ﷺ: «إنّ اللّه يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين»(13)، ويقول ﷺ : «اقرؤوا القرآن، فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه»(14)، ثم نجتهد في العمل به وهي غاية الحفظ  لأنّ العامل به يأتي يوم القيامة وقد نُصِبَ له في الجنّة سلّماً بدرجات، يقول اللّه تعالى له: «اقرأ وارق ورتّل؛ فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها»(15)، يرقى في درجاتِ الجنّة ومنازِلها بقدر ما كان يعمل بآياته، يقول اللّه تعالى: «هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ»(16). والمؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان؛ جهاد في النّهار بالصّيام وجهاد في اللّيل بالقيام، فمن جمع بين هذين الجهادين وَوَفَّى بحقوقهما وصبر عليهما وفَّى اللّهُ أجره بغير حساب» (17) . 
ففي مدرسة رمضان نتعلّم قيمة مراقبة اللّه تعالى ومشاهدتنا إياه في خلقه، فنحرص فيه على أن نبقى متّصلين أكثر أوقاتنا به، فيكون الدّاعي في امتناعنا عن شهوات النّفس طيلة يومنا؛ استجابتنا لخطاب ربّنا، وإن كان الامتناع عن الأكل والشّراب أوّل درجة من دراجات الصّيام. فالذي يترك شهوات نفسه المادّية التي أحلّها اللّه تعالى له في غير الصّيام من دون حارس، يحقّق منزلة من منازل مراقبة اللّه تعالى، وإذا ما تدرّج في سلّم معانيها، وكفّ جوارحه عمّا يُسيء لنفسه وغيره، انتقل من صيام العامّة إلى صيام الخاصّة، فيراقب اللّه في نفسه ويضبط نزواتها وحركاتها خشية من اللّه وطمعا في رضوانه، فتسمو الرّوح لتلتقط خطاب ربّها «يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»(18) ، فيكون الدّافع الأساس إلى الصّوم هو الاستجابة لنداء اللّه تعالى، يقول ربّ العزّة في الحديث القدسي: «كلُّ عملِ ابن آدمَ له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به...»(19) ، فترى النّاس  على اختلاف طبقاتهم وأعمارهم يجتهدون في التّقرب إلى اللّه، يرجون دعوةً عند فطرهم لا تردّ، فلا أحد يطّلع على الآخر ولا يعلم درجة صيامه، الكلّ يسعى بقدر ما يملك من قوّة ليحفظ جوارحه ممّا يخدش في  قيمة الصّيام. فقيمة المراقبة تحرّرنا من متطلّبات النّفس وغرائزها، ومن أغلال الشّيطان وأعوانه، فننطلق بإرادة قويّة وعزيمة أكيدة على منافسة الأخيار بما يليق من أعمال البرّ، ونقبِل بِهِمَّة عالية على اجتناب كلّ مفسدات الصّيام المادّية والمعنويّة.
إنّ الصّيام فرصة المجتهدين وهو «لجام المتّقين، وجنّة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرّبين، وهو لربّ العالمين من بين سائر الأعمال، فإنّ الصّائم لا يفعل شيئا، وإنّما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النّفس وتلذّذاتها؛ إيثارا لمحبّة اللّه ومرضاته، وهو سرّ بين العبد وربّه لا يطّلع عليه سواه»(20)، يَتْرُكُ  المُؤمِنُ مَا يَشْتَهِيهِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ مِمَّا أَحَلَّ اللهُ لَهُ؛ إيثَارًا لِمَحَبَّةِ اللهِ وَمَرْضَاتِهِ، وأَمَلاً فِي نَيْلِ ثَوَابِهِ وَدُخُولِ جَنَّاتِهِ، يَقُولُ الرَّسُولُ ﷺ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّومَ فَإِنَّهُ لِي وَأنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أو قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، لِلصَّائِمِ فَرحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرهِ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَومِهِ». فقيمة الصّيام تتجلّى من خلال التّوافق  بين ترك المادّية والمفطرات المعنويّة، وبهما تتحقّق  تقوى اللّه تعالى، يقول النبي ﷺ: «مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه»(21)، فرمضان يبعَثُ على الاجتهاد في الطّاعات وترك المنهيّات، نتدرب فيه على كبح جماحِ النّفس عن شهواتها، فنصبرُ على الطّاعة ونصبر على المعصية ونصبِرُ عند الابتلاء، محاسبين لها على تقصيرها في حقّ اللّه وحقّ الغير، نريد أن نصوم بمقام مراقبة اللّه تعالى ومشاهدة عظمته في خلقه. 
وفي مدرسة الصّيام تتهذّب الأخلاق وتسمو، ويرقى السّلوك في القول والفعل، فليس من الصّيام أن يجوع الإنسان أو يصيبه العطش دون أن يحقّق غايته منه، فيدرّب نفسه شهرا كاملا على محاسنه، ففي ظلال الصّيام نزيِّنُ أجواءه بما يليقُ من مكارم الأخلاق الحميدة ظاهرا وباطنا، قولا وفعلا، ونكُفُّ جوارحنا ونصُومُ وقلوبُنا تملأُها البهجة للرُقِيِّ بها إلى معالي القِيَّم القرآنيّة التي يصلح بها الفرد والمُجتمع، يقول النبيﷺ: «مَن صام رمَضان إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه...»(22)، ولا تحصل المغفرة والرضوان إلا لمن أخلص العبودية لله على الوجه المطلوب، يقول اللّه تعالى: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(23). إنّها واللّه صفقةٌ إيمانيّة نحقّق منها الأمن في الأنفس وبين النّاس، فنسعَد في الدّين والدّنيا. ولقد تعدّدت توجيهات النبيﷺ في كيفية الصّيام، من صوم الجوارح عن الآثام وغضّ البصر عن الحرام، وصمت اللّسان عن فضول الكلام، وكفِّ اليدِ عن أخذ المال الحرام، ومنع الأقدام من ارتكاب مساوئ الأفعال. فإذا ما تلذّذنا بالصّوم «رقَّ الفؤاد وصفا القلب وطلب من اللّه الاستزادة من نعيم الطّاعة»، فنُصبِحُ على يقظةٍ تامّة وحذرٍ من ضياع صومنا، قال ابن رجب رحمه اللّه: «واعلَم أنّه لا يتِمّ التقرّبُ إلى اللّه بتركِ هذه الشّهواتِ المباحَة أصلاً في غيرِ حالِ الصّيام، إلاَّ بعد التقرُّب إليه بتركِ ما حرّم اللّه في كلّ حالٍ؛ كالكذب والظّلمِ والعدوان على النّاس في دمائِهم وأموالهم وأعراضهم». 
ومن الأخلاق الفاضلة التي ندرب عليها أنفسنا في مدرسة الصيام ونتجاوز بها الأنا إلى الغير لنشاركهم أحوالهم، وخصوصا من كانت له فاقة، قيمة الإنفاق، يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم»(24)، وهذه أوسعُ آيةٍ في الإنفاق، فيُنفِقُ العبْد ممّا رزقه اللّه، ومن كُلِّ ما يُنتفَعُ به من مال أو علم أو منصب أو جاه إلى أن يتصدّق المرء بابتسامة في وجه أخيه. والآيات والأحاديث التي تدعونا إلى الإنفاق وتحثّنا على العطاء في سبيل اللّه أكثر من أن تحصى. والله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيبا، ولا يقبَل من الصدقة إلا ما كان خالصا  لوجهه الكريم، لأن من الناس من يُنفق المال بسخاء لكن في غير وجوهه المشروعة،  وسيحاسب على ذلك، فالمال مال الله، ولا يجوز تبذيره، هذا إن كان مالا حلالا، وأما من اكتسب المال من حرام، والمال الحرام لا يُنتفع به، والله يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ»(25). من أجوده وأنفسِه، ولا يكون من أرذله ودَنِيِّه، واللّه يقول: «لن تَنَالُوا البِرَّ حتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ»(26) ، كان الرّسول ﷺ، أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ في رمضان، وكان أعظمَ النّاس صدقة بما ملكت يده وكان لا يستكثر شيئاً أعطاه ولا يستقلّه، وكان عطاؤه عطاءَ من لا يخشى الفقر، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظمَ من سرور الآخذ بما يأخذه. فليكن الرسولُ ﷺ إسوة لنا وقدوة في هذا الشّهر بالإحسان إلى أصحاب الحاجات، وأن لا يقتصر تفكيرُنا  في ذواتنا. إنّ الصّوم يذَكِّرُنا بأناس بطونُهم تكاد تنطِق بألم، والحقيقة يحدِّثُنا حالُهم بشطفَ العيش، والرّسول ﷺ يقول: «ما آمَنَ بِي مَنْ باتَ شَبْعان وجارهُ جائِعٌ إِلى جَنْبِهِ وهُوَ يَعْلَمُ بِهِ» ثُم إنّنا نعلم حال الكثيرين ممّن اكتووا بنار الغلاء، وهم في ضيق وحرج، فالواجب علينا أن نتفقّدهم، لا يسألون النّاس، حفاظا على ماء وجوهِهِم، فلنجعل من أيّام رمضان فرصة لتطهير النّفس من الشّح والبخل، «وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(27)، وعدمُ الإنفاق وحبُّ المال ومسكُه مفسدةٌ يلقي صاحبِه إلى التهلكة، يقول الله تعالى: «وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَأَحْسِنُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(28). 
الهوامش
(1) سورة الأنبياء الآية 1
(2) الجامع للأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي القرآن لأبي عبد الله محمد  بن أبي  بكر القرطبي (ت671هـ)،14/171-172، تحقيق  الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1428هـ، 2006م
(3) سورة القمر - الآية 46
(4) سورة البقرة  - الآية185
(5)  صحيح البخاري
(6) سورة المزمل - الآية 5
(7)  سورة الإسراء - الآية 9
(8)  سورة البقرة  - الآية 121
(9)  أخلاق حملة القرآن للحافظ أبي بكر محمد بن الحسين بن عبدالله الآجري(ت360هـ)، باب ذكر أخلاق أهل القرآن، ص: 36-40
(10) سورة العنكبوت - الآية69 
(11) سورة الإسراء - الآية 82
(12) سورة الإسراء  - الآية 82
(13) مسلم
(14)  مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي
(15)  أحمد والترمذي وأبو داود
(16)  سورة آل عمران  - الآية 163
(17)   لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، لأبي الفرج عبدالرحمن بن أحمد  بن رجب الحنبلي، ص:355، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت لبنان
(18)   سورة البقرة - الآية 183
(19) البخاري 2/673 ومسلم 2/ 806
 (20) ابن القيم الجوزية
(21) البخاري 5/ 2251 (5710)، (1804)
(22)  متفق عليه
(23)  سورة المائدة - الآية 27
(24) سورة البقرة - الآية 254
(25)سورة البقرة - الآية 267
(26) سورة آل عمران - الآية 92
(27) سورة  الحشر - الآية 9
(28) سورة البقرة - 195