بهدوء
بقلم |
أ.د.علي الزيدي |
المراكز البحثيّة المغاربيّة بين إكراهات الداخل وتدخّل الخارج - تونس نموذجا(1-2) |
مقدّمة
لم تكن المراكز البحثيّة، بمسمّياتها المختلفة، بالكثرة المطلوبة في تونس وبلاد المغرب العربي عموما منذ استقلال أقطارها في بدايات النصف الثاني من القرن الماضي. بحيث كان البحث العلمي يجري داخل إطار الجامعات والمؤسّسات العموميّة. ولم يكن ساسة تلك البلدان، بمن فيهم أساتذة الجامعات، ينظرون بارتياح للمراكز البحثيّة سواء منها العموميّة أو الخاصّة(1). لكنّ الثورة التونسيّة وما شهدته المنطقة المغاربيّة والعربيّة عامّة من أحداث وتطوّرات الربيع العربي خلال العقد الحالي من القرن الواحد والعشرين،حرّكت المياه الراكدة وفتحت هامشا واسعا من الحريّات شمل مجال البحث العلمي، فظهرت بعض المراكز البحثيّة الجديدة من أجل السعي لفهم ما حدث في البلاد وخارجها، ودراسة المتغيّرات الحاصلة فيها، والبحث في سبيل تقديم بدائل موضوعيّة تستند إلى أسس معرفيّة ومنهجيّة واضحة.
ونحن نتناول في ورقتنا هذه البحث في شأن المراكز البحثيّة بالبلاد التونسيّة،متسائلين عمّا إذا كانت قد نجحت بعد في فرض ذاتها وتحوّلت إلى مؤسّسات بحثيّة ذات أهداف واستراتيجيّات واضحة، ووجدت طريقها للانخراط في المشروع الوطنيّ لإصلاح الدّولة والمجتمع، وبدأت تتحوّل إلى رقم مهمّ في المعادلات الاستراتيجيّة للبلاد على غرار ما هو جار في البلدان المتقدّمة.وذلك في نطاق السعي للبحث في بعض ما يهمّ هذه المراكز من إشكالات وتحديّات، نتصوّر أنّها مشابهة لما تعيشه نظيراتها من المراكز البحثيّة في عموم بلدان المغرب وسائر المنطقة العربيّة. لعلّنا نسهم في رصد سبل توسيع آفاق أثر تلك المراكز، واستنبات الثقة اللازمة تجاهها، بهدف تعزيز قناعة المجتمع وصانعي القرار بأهميّة منتجها المعرفي والبحثي، وتطوير آليات عملها، ورسملة إنتاجها المعرفي وتثمينه.
1ـ ظرفيّة مهيّأة لتأسيس مزيد المراكز البحثيّة لكنّ تقارير الأمن أولى بالثقة
انطلق البحث العلمي في تونس في فترة مبكّرة بعد استقلال 1956 بإنشاء المعهد الوطني للتراث (PNR)، ومحطّة البحوث الغابيّة سنة 1957، ثمّ مركز الطاقة الذريّة (CEA) سنة 1959. مع المحافظة على مؤسّسات البحث التي أنشئت خلال الحقبة الاستعماريّة، والتي ما زالت ناشطة من قبيل معهد باستور Pasteur الذي تأسس سنة 1893،ومعهد البحوث البيطريّة بتونس (IRVT) الذي تأسّس سنة 1912،والمعهد الوطني للبحوث الزراعيّة بتونس (INRAT) الذي تأسّس سنة 1913،والمعهد الوطني للعلوم وتكنولوجيا البحار ((INSTM الذي تأسّس سنة 1924.
وتمّ تأسيس أوّل مركز بحوث تونسي في مجال المياه (CREGR) سنة 1959. تلاه تأسيس مركز البحوث في استعمالات المياه المالحة في الزراعة (CRUESI)، وتأسيس مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية الاجتماعية (CERES) سنة 1962 باسم معهد التخطيط والإحصائيات والدراسات الاقتصاديّة والاجتماعية، ثمّ سمّي بعد ذلك باسمه الحالي مركز الدراسات والبحوث الاقتصاديّة والاجتماعيّة (2).
وتفيد بيانات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التونسيّة حاليّا أنّ منظومة البحث العموميّة في تونس تعدّ 314 مخبر بحث، 324 وحدة بحث، 40 مركزا و37 مدرسة دكتوراه. وأنّ الاتجاه ماض في سبيل التقليل من عدد وحدات البحث عن طريق إدماجها، اعتبارا لكون الوزارة ترى أنّ عددها يشكّل عائقا في سبيل البحث. وأنّ عدد المنشورات العلميّة المصنّفة تطوّرت من 284 عام 1990 إلى 5739 عام 2016. بحيث تحتلّ تونس المرتبة الأولى إفريقيّا من حيث الإنتاج العلمي بالنسبة لإجمالي الناتج المحلّي ولعدد السكّان، والمرتبة 60 من حيث العدد الجملي للمنشورات حسب موقع (واب العلم Web of Science).
كما أنّ ميزانيّة الوزارة للبحث العلمي في عام 2017 قد حدّدت بـ 300 مليون دينار تونسي، يصرف منها مباشرة لمنظومات البحث (مخابر، مراكز، وحدات، ومدارس دكتوراه) 90,7 مليون دينار، وهو ما يمثّل أقلّ من 30 % من ميزانيّة الوزارة. وأنّ تمويل البحث العلمي يتأتّى بالأساس من الدولة إلى حدّ 95 % وأنّ البحث العلمي يسهم بـ 0,66 % من إجمالي الناتج المحلّي. بحيث، يبلغ تمويل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للبحث 73 %، يليه 12 % من قبل وزارة الفلاحة ووزارة الصحّة، و3 % من قبل الوزارات الأخرى. وأنّ اعتمادات البحث العلمي هذه موجّهة إلى مجالات العلوم الصحيحة (33 %)، علوم الحياة والبيوتكنولوجيا (29 %)، العلوم الاجتماعيّة والاقتصاديّة والإنسانيّة (24 %)، والعلوم التقنيّة والهندسيّة (13 %) (3).
ورغم محدوديّة المبالغ المخصّصة للبحث العلمي وتدنّي نسبته من إجمالي الناتج المحلّي، كما هو واضح أعلاه، وقلّة ما يصل من تلك المبالغ فعلا للباحثين ويستفيدون منه في إنجاز بحوثهم، فلسائل أن يسأل عمّا آلت إليه كلّ هذه المصاريف على مدى عدّة عقود من تاريخ الدولة الوطنيّة،وعمّا أنتجته بحوث الباحثين التونسيّين في مراكزهم البحثيّة أو خارجها من أثر على أرض الواقع التونسي؟
الجواب لا يبعث على التّفاؤل، لأنّ معظم ما أنتجه أولئك الباحثون هو إمّا عبارة عن رسائل وأطروحات غير منشورة وشبه مهملة على رفوف المكتبات الجامعيّة، أو منشورة ولم يطّلع عليها إلّا عدد محدود جدّا من القرّاء من ذوي الاختصاص عادة.وهي،سواء نشرت أم لم تنشر، لا تجد طريقها إلى المسؤولين مهما كانت أهميّة محتوياتها بالنسبة لما يخوضون فيه من مهامّ الدولة ومصالح الشعب، لأنّ تقاليد صناعة القرار تونسيّاً وعربيّاً لا تزال تنهل معلوماتها أساساً من تقارير أمنيّة محليّة وأجنبيّة، لاعتقاد حكّامنا بأنّها أكثر أمانة ميدانيّاً، مقارنة بما يمكن أن يصدر عن الجامعات والمراكز البحثيّة ببلدانهم.
وتشهد تونس، كغيرها من بلدان المغرب العربي، نموّا ملحوظا في عدد الشبّان المقبلين على دراسات ما بعد الإجازة في كلّ الاختصاصات، وفي العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بالخصوص. ممّا يطرح عدّة مشاكل تزيدها تعقيدا بطالة هذه الفئة العمريّة من السكّان، وعجز الدّولة عن تقديم الحلول النّاجعة لمشاكلهم.بحيث تفوق أعداد المقبلين على إعداد شهادات الماجستير والدكتوراه قدرة الأساتذة الجامعيّين على تأطير طلبتهم، الذين يجدون أنفسهم مجبرين على قبولهم.
ويزيد من هذه الأزمة أنّ فئة الأساتذة من صنف «أ» (الأساتذة المحاضرين وأساتذة التعليم العالي) تشهد نزيفا مستمرّا، بسبب مغادرة أعداد متزايدة من الأساتذة للعمل في جامعات ومؤسّسات البحث بالخليج العربي أو المهجر، نظرا لما تعرضه تلك الجامعات والمؤسّسات من إغراءات. في مقابل وضع مادّي واجتماعي لهؤلاء الأساتذة يزداد صعوبة في بلادهم. ناهيك أنّ عدد الأساتذة الملحقين للعمل بالخارج الذي كان لا يتجاوز 20 سنويّا، وصل خلال السنوات الأخيرة إلى 800 أستاذ، وإلى 1800 أستاذ سنة 2017 حسب ما صرّح به وزير التّعليم العالي والبحث العلمي نفسه(4). وأنّ مستوى الطّلبة يزداد تردّيا، ممّا يثقل كاهل الأساتذة المشرفين على أبحاثهم ويزيد في مشقّتهم. وذلك يزيد من أهميّة الدّور المنوط بوحدات البحث والمخابر المحدثة في رحاب الجامعات، والجامعات الدّاخليّة منها خاصّة، ويثقل كاهلها. نظرا لإمكاناتها المحدودة من حيث التّأطير والتّمويل.
وكلّ هذه الظّروف من شأنها أن تحدث فراغات يمكن أن تملأها، ولو جزئيّا، المراكز البحثيّة،التي من شأنها أن تنشأ خارج إطار الجامعات العموميّة والخاصّة. وتطرح قلّة الإمكانات الماليّة للشبّان الباحثين مشاكل أخرى أمام هؤلاء،تتمثّل في صعوبة تغطية مصاريف السفر والإقامة التي تتطلّبها بحوثهم داخل البلاد وخارجها، ولا تساعدهم وحدات البحث والمخابر المحدثة داخل الجامعات إلّا بالنزر القليل منها وبالتداول مع زملائهم. كما أنّ انسداد آفاق التّشغيل بالجامعات العموميّة أمام هؤلاء الشبّان، واعتماد الدولة سياسة التقتير في انتدابهم كمدرّسين باحثين، ولو كمتعاقدين وقتيّين وخارج الإطار أو في أدنى مراتب إطار التدريس،كمساعدين، يزيد من صعوبة أوضاعهم الماديّة والأدبيّة.
ونحن، إذا أخذنا البلاد التونسيّة كعيّنة على بقيّة بلدان المنطقة، نرى أنّ مؤسّسات البحث على اختلافها كانت في معظمها الأعمّ تابعة للدّولة. لكنّ المشهد بدأ بالتغيّر تدريجيّا نظرا لهامش الحريّة الواسع الذي فتحته ثورة 17 ديسمبر 2010 ـ 14 جانفي 2011. بحيث بدأ عدد المراكز البحثيّة بمسمّياتها المختلفة (مراكز، بيوت خبرة، مؤسّسات، منتديات ...) يزداد بشكل ملحوظ، بحيث بلغ عددها 18 مركزا من جملة 46 مركزا في مختلف بلدان المغرب العربي و258 مركزا في كامل المنطقة العربيّة حسب تقرير جامعة بنسلفانيا الأمريكية The University of Pennsylvania لتصنيف مراكز الدّراسات والأبحاث العالميّة لسنة 2016 الصادر في 26 جانفي 2017 (5).
وهذه المراكز، على قلّتها،هي إمّا مؤسّسات تونسيّة أو فروع لمؤسّسات عربيّة أو أجنبيّة. ونذكر من مراكز البحث العربيّة مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الإماراتيّة، التي فتحت لها فرعا بتونس العاصمة سنة 2016. وقد بدأ هذا الفرع ينشط قبل ذلك التاريخ ضمن مقرّ جمعيّة رابطة تونس للثقافة والتعدّد بباردو، التي يرأسها الأستاذ احميدة النيفر. على أساس كون تلك المؤسّسة هيكل يتبنّى الفكر الحرّ، ويعمل أساسا على التعدّد والاختلاف، بحيث يشمل اهتمامه علوم الفلسفة والدراسات الأنتروبولوجيّة والسياسيّة والتاريخ الإسلامي، والسعي إلى المزج بين مجالات علميّة متقاطعة. وقد تجمّعت حول المؤسّسة البحثيّة الإماراتيّة تلك مجموعة من الباحثين الشبّان وغيرهم من المتقدّمين في التجربة (6). وكذلك المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، القطري، الذي أنشأ له فرعا بتونس العاصمة خلال شهر جويلية/تمّوز 2014. ليعمل في إطار الخطّة البحثيّة العامّة للمركز، مع التركيز على إنجاز البحوث والدراسات السياسيّة والإنسانيّة والاجتماعيّة المتعلّقة بالمغرب العربي على نحو عام. ويهتمّ المركز بجذب الفعاليّات الأكاديميّة الشابّة، وعقد دورات تكوينيّة وتأهيليّة مستمرّة للباحثين الشبّان (7).
وقد كان بعض المراكز البحثيّة الأجنبيّة موجودا بتونس قبل الثورة، من قبيل فرع مركز البحث حول بلاد المغرب المعاصر L Institut de recherche sur le Maghreb contemporain (IRMC)، التابع لوزارة الشّؤون الخارجيّة الفرنسيّة والمعهد الوطني للبحث العلمي CNRS بفرنسا، والذي تأسّس بتونس عام 1992 على أنقاض مركز توثيق سفارة فرنسا بها(8). ومن آخر ما ظهر من هذه المراكز البحثيّة الأجنبيّة نذكر فرع مركز الدّراسات حول الشّرق الأوسط (CMES)، التابع لجامعة هارفارد Harvard University بالولايات المتّحدة الأمريكيّة، الذي تمّ افتتاحه في شهر جانفي 2017 (9).
ونحن، مع احترامنا العميق للعلوم على اختلاف مشاربها وللبحث العلمي،لا يسعنا إلّا أن نلاحظ أنّ معظم المراكز البحثيّة بتونس، شأنها شأن مثيلاتها بالمنطقة العربيّة، تعاني من العديد من المعوقات الذاتيّة. وذلك من قبيل غياب العمل المؤسّساتي، بحيث عادة ما ترتكز أنشطة المراكز على رؤسائها ومؤسّسيها وعصبة قليلة من المقرّبين منهم، ويرتبط مصير المراكز بمدى بقاء رؤسائهم واستمراريّة علاقاتهم الشخصيّة مع مموّليهم، سواء كانوا سلطة أو أطرافا أجنبيّة. وانتهازيّة عديد الأعضاء من المثقّفين والأكاديميّين، الذين كثيرا ما يسارعون للانتماء إلى تلك المراكز بهدف تحسين موقعهم المهني عبر التدرّج في سلّم الترقيّات أو للحصول على موقع متقدّم في السّلطة ليس إلّا. فضلا عن ضبابيّة الرؤية وسطحيّة الفكر، بحيث كثيرا ما تتحرّك مراكز البحث اعتمادا على سياسة ردود الأفعال ومسايرة الأحداث وليس انطلاقا من أهداف واستراتيجيّات واضحة وبرمجة نابعة من رؤية ومنهج محدّد. الأمر الذي يجعلها في موقع المفعول به وليس في موقع الفاعل. وغياب الموضوعيّة، بحيث يقوم عديد المراكز البحثيّة على أسس إيديولوجيّة أو سياسيّة، وتكون امتدادا لتيّار أو نظام سياسي معيّن، فتفتقد مخرجاتها في أغلب الأحيان إلى الموضوعيّة، وتكون غطاء وسندا فكريّا للنظام أو التيّار السياسي الذي ترجع إليه (10).
الأمر الذي يجعلنا نخشى فعلا من أن تخفي النّشاطات العلميّة لبعض المراكز البحثيّة العربيّة والأجنبيّة نشاطات ذات أبعاد ومرام سياسيّة مشبوهة، حتّى لا نقول مخابراتيّة أو تجسّسيّة، ضدّ مصالح البلاد التونسيّة وبلدان المغرب العربي بأسرها. ولعلّه يكفينا لإدراك مدى جديّة هذه المخاوف الإشارة إلى ما يبدو من بروز اسم محمد دحلان، القيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح (11) والمستشار الأمني حاليّاً لدى النظام الإماراتي، وراء كلّ أزمة أو كارثة في المنطقة العربيّة، من دعم انقلاب عبد الفتاح السيسي في 03 جولية 2013، إلى الثورة المضادّة في ليبيا وخليفة حفتر بالأساس منذ 2014، إلى المحاولة الانقلابيّة في تركيا التي جرت في 15 جويلية 2016. وما يقال عمّا يحظى به هذا الرجل من ميزانيّة مفتوحة من الإمارات للتأثير على الإعلام وتنفيذ المخطّطات لإجهاض ثورات الربيع العربي (12).
فضلا عمّا يتسرّب من ممارسات دولة الإمارات في اليمن،من قبيل ما نقلته تقارير هيومن رايتس ووتشHuman Rights Watch بشأن تمويل الإمارات وتسليحها وتدريبها لقوّات يمنيّة احتجزت تعسّفا، وأخفت قسرا عشرات الأشخاص خلال عمليّات أمنيّة. في حين أنّ هذه القوّات تحارب في الظّاهر الفروع اليمنيّة لتنظيم القاعدة أو تنظيم ما يسمّى «الدولة الإسلامية» (داعش). وكذلك إدارة الإمارات لمراكز احتجاز غير رسميّة وسجون كثيرة في اليمن، يستمرّ فيها احتجاز الأشخاص رغم صدور أوامر بإطلاق سراحهم، حيث يتعرّضون للانتهاكات أو التعذيب، وإخفائها قسرا لأشخاص، ونقلها لمحتجزين مهمّين خارج بلادهم بما في ذلك قاعدة للإمارات في إريتريا (13). زيادة عن عمليّة اغتيال المهندس الباحث التونسي محمّد الزواري يوم 15 ديسمبر 2016 بمدينة صفاقس، من قبل عناصر من الموساد،على ما يبدو، بمساعدة عملاء تونسيّين وأجانب. وهي ثالث الاغتيالات المسجّلة بالبلاد التونسيّة بعد الثورة، التي ما زال يلفّ تفاصيل أحداثها وحيثيّاتها الكثير من الغموض والسريّة، وما زالت ملفّاتها تراوح في مصالح الأمن والقضاء التونسيّين. الأمر الذي يبرّر ما يثيره انتشار المراكز البحثيّة العربيّة والأجنبيّة ونشاطها ببلادنا من تخوّف. خاصّة في هذه الفترة التاريخيّة، التي تتميّز بقلّة الاستقرار وهشاشة الوضع الأمني وترهّل مؤسّسات الدولة. ويذكّر بما سبق من نشاط الإرساليّات التبشيريّة المسيحيّة وبعثات الرحّالة الأوربييّن،التي جابت بلداننا وسائر بلاد العالم الإسلامي وإفريقيا خلال القرن 19م، ومهّدت في نهاية المطاف السبيل لجيوش الغزو الاستعماري الأوربي.
الهوامش
(1) عندما تولّى عمر الشاذلي (أستاذ بكليّة الطب بتونس) وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتونس سنة 1986 شرع في تصفية أحد أقدم المراكز البحثيّة العموميّة وهو مركز الدراسات البحوث الاقتصاديّة والاجتماعيّة. وعندما كان عبد العزيز بن ضياء (أستاذ بكليّة الحقوق بتونس)وزير الدولة المستشار الخاص والناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهوريّة بين 1999 و2003، سلّط ضغوطا شديدة على نشاط مركز البحوث والدراسات العثمانيّة والموريسكيّة والتوثيق والمعلومات وصاحبه الأستاذ المؤرّخ عبد الجليل التميمي.
(2) http://www.csds-center.com/archives/9260
الفيل (حمزة)، عن مركز الدراسات الاستراتيجيّة والدبلوماسيّة، مجلة الاستراتيجي، عدد2، 13/06/2016.
(3)http://www.leconomistemaghrebin.com/2017/05/25/tunisie-recherche-scientifique-etat-de-lieu-et-perspective
(2) مقال بدون توقيع، «أكثر من 1800 أستاذ جامعي في الخارج-هجرة الأساتذة الجامعيين تثير الجدل»،جريدة الشروق،تونس، 31/05/2017.أنظر: http://www.alchourouk.com/251871/567/1
أفاد مثلا رئيس جامعة تونس الأستاذ حميد بن عزيزة أنّ عديد الاختصاصات على غرار الفنون الجميلة والإعلامية والانكليزية تشكو نقصا فادحا على مستوى المؤطّرين حيث انّ عدد الطلبة بكلية 9 أفريل (كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة) يبلغ أكثر من 200 طالب في المرحلة الثالثة انكليزية يستحقّون التأطير، في حين أنّ المؤطّرين في هذا الاختصاص لا يفوق عددهم الـ10 أساتذة بكامل تراب الجمهورية. كما أنّ عدد المؤطّرين في الدكتوراه والماجستير لا يفوق 200 أستاذ من صنف «أ» وذلك من جملة 23 ألف أستاذ، وهو عدد ضعيف يضع الجامعات التونسيّة أمام واقع متردّ للتأطير، تكون نتائجه سلبيّة على مستوى نسب النجاح والمردوديّة.
ولاحظ أنّ نقص عدد أساتذة التعليم العالي خاصّة من الصنف «أ» يعود الى ضعف السياسة العامّة لتكوين الإطار والتأهيل الجامعي، وذلك مرتبط بكثرة الدروس للأستاذ وقلّة الوقت الذي يقف دون مواصلة البحث والتكوين. مشيرا الى ان نسبة التأهيل الجامعي في جامعة تونس بلغت 3 % فقط في حين انّ المطلوب يفوق 20 %. وأضاف بن عزيزة أنّ مختلف هذه العوامل تجعل من تركيبة الأساتذة في الجامعات التونسيّة غير متجانسة، وستكون لها انعكاسات أكثر حدّة في المستقبل في ظلّ غياب استراتيجيّة محدّدة لإصلاح منظومة التعليم العالي. حيث أنّ الدولة التونسيّة ستخسر كفاءاتها خاصّة أمام تواصل نزيف هجرة الدكاترة والأساتذة الجامعيّين إلى جامعات الخليج والدول الغربيّة.
جريدة الصحافة، ابن زايد (بثينة)، الأساتذة المؤطّرون وأزمة البحث: طلبة بحاجة إلى التأطير وأساتذة يهجرون الجامعة نحو الخارج فمن ينقذ مصير المتضرّرين، تحقيقات، تونس، 28/01/2018
(5) http://repository.upenn.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1011&context=think_tanks
(6) http://www.mominoun.com/events/ الافتتاح الرسمي لمؤسسة مؤمنون بلا حدود في تونس-640
(7)https://www.dohainstitute.org/ar/AboutUs/Pages/BrancheDetails.aspx?PageId=4
(8) http://data.bnf.fr/12192569/institut_de_recherche_sur_le_maghreb_contemporain_tunis
(9)http://www.webdo.tn/2017/01/18/harvard-ouvre-centre-detudes-a-tunis-souvrir-moyen-orient
(10) العش (م. فيصل)، «مراكز الدراسات والبحوث العربيّة بين المأمول والمعمول»،مجلّة الإصلاح، عدد 127، السنة 6، تونس، فيفري 2018، ص 14ـ 15. http://www.alislahmag.com
(11) تمّت الإطاحة بدحلان من الحركة بعدما أدانته لجنة تحقيق بالتورُّط في قضايا جنائية ومالية موثّقة، لتدبّ الخلافات الكُبرى بينه وبين الجناح الحاكم داخل الحركة برئاسة محمود عباس، الذي ظلّ يطارده بالاتهامات في مؤتمرات الحركة داخل قطاع غزة.
https://www.sasapost.com/how-does-the-uae-use-mohammed-dahlan/
محمد دحلان ... ذراع الإمارات الإقليمي الذي اغتال خصومه وراوغ حلفاءه، 10/07/2017
(12) https://www.al-sharq.com/article/17 / 07 /2017/
/دحلان.. رجل الإمارات وعرّاب علاقاتها مع إسرائيل/ وصربيا
(13) http://www.hrw.org/ar/news/2017 /06 /22/ 305358/
/ اليمن: الإمارات تدعم قوات محلية ترتكب انتهاكاتـ/
|