الأولى

بقلم
فيصل العش
مفهوم الفساد والمفسدين في القرآن الكريم

 مقدّمة

وضعنا في مقال سابق إصبعنا على موقع الخلل، وقدّرنا أنّه يتمثّل في التّشخيص الناقص لآفة الفساد وتعريفاتها المحدودة والمنقوصة، حيث انحصر أغلبها في الفساد المالي لا غير، في حين أنّها ظاهرة مركّبة ومعقّدة، ‏ متفاوتة الشّدّة ، متنوعة الأبعاد والأطراف والعوامل، إذ أنّ لها أشكالا وأنماطاً‎‏ متعدّدة تمسّ مختلف الجوانب السّياسية والاقتصاديّة والاجتماعيّة والقيميّة (الأخلاقية) تكون في بعض الأحيان أشدّ خطرا من الفساد المالي نفسه. وتطرّقنا في ذات المقال إلى أمثلة من تلك المظاهر المنتشرة هذه الأيام بين ظهرانينا والتي كلّما ارتفع شعار محاربتها ازدادت انتشارا، وخلصنا إلى ضرورة بلورة رؤية واسعة وعميقة لمفهوم الفساد وعدم الاقتصار على المعنى المالي فقط. 
وإيمانا منّا بأنّ القرآن الكريم، كتاب الله المبين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمعين الذي لا ينضب، ما جاء إلاّ هاديا للإنسان ومساعدا له في سعيه لتنفيذ مهامه المتمثّلة في تعمير الأرض وإصلاحها، فالأولى أن نجعله مصدر إرشاد في بحثنا عن الفساد، ننطلق منه، نستنطق آياته ونلتمس منه معرفة مفهوم الفساد والمفسدين ونستنبط منه المنهج الرّباني في معالجة هذه الآفة ونفهم كيف أرشد الإنسان ليكون مصلحا عدوّا للمفسدين «... وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»(1)‏، فما هو المفهوم القرآني للفساد والإفساد؟ وما هي صفات المفسدين من خلال القرآن الكريم؟ وكيف حذّر من الفساد، وبيّن أسبابه، ودواعيه وآثاره؟ وأيّ استراتيجيّة اتبعها في فضح المفسدين ومقاومتهم؟·
سننطلق في إجابتنا عن هذه الأسئلة وغيرها المتعلّقة بآفة الفساد والمفسدين من محاولة تحديد مدلول مصطلح الفساد والإفساد وتبيان الفرق بينهما من خلال العودة إلى الأصل اللّغوي لكلمة «فسد» والتطرّق إلى الصّيغ المختلفة التي وردت بها في القرآن الكريم ومدلولاتها.
فسد وأفسد لغة
فَسَدَ [ ف س د ]. ( فعل : ثلاثي لازم ). «فَسَدْتُ ، أَفْسِدُ ، اِفْسِدْ ، مصدر فَسَادُ . فَسَدَ الطَّعَامُ: أَنْتَنَ، أَيْ لَمْ يَعُدْ صَالِحاً لِلأَكْلِ. فَسَدَتْ أَخْلاَقُهُ : اِنْحَلَّتْ ، اِنْحَرَفَتْ. فَسَدَتْ أُمُورُهُمْ : اِضْطَرَبَتْ وَأَدْرَكَهَا الْخَلَلُ. فَسَدَتْ آلاَتُ الْمَعْمَلِ: أَصَابَهَا التَّلَفُ وَالْعَطَبُ وَالْخَلَلُ»(2). 
والفساد: «الفاء والسّين والدّال كلمة واحدة، فسد الشّيء يفسد فساداً وفسوداً وهو فاسد وفسيد»(3)، ويقال: «قوم فَسْدَى كما قالوا ساقِطٌ وسَقْطَى، قال سـيبويه جمعوه جمع هَلْكـَى لتقاربهما في المعنى..وتَفَاسَدَ القومُ تدابَرُوا وقطعوا الأَرحام...، والمَفْـسَدَةُ خلاف المصْلَحة، والاستفسادُ خلاف الاستصلاح...، وقالوا هذا الأَمر مَفْسَدَةٌ لكذا أَي فيه فساد. وفَسَّدَ الشيءَ إِذا أَبَارَه (4)َ» (5)
وقيل: الفساد خروج الشّيء عن الاعتدال، قليلا كان الخروج عنه أو كثيراً ويضاده الصَّلاح ويستعمل ذلك في النّفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة(6).
أمّا «أفْسَدَ»: [ف س د]. (فعل : رباعي لازم متعدّ). أفْسَدَ، يُفْسِدُ ، مصدر إفْسادٌ. ويقال : «أَفْسَدَ فلان المالَ يُفَسِدُه إِفْساداً وفَسادًا»، وأَفْسَدَ الرَّجُلُ: جاوَزَ الصَّوابَ والحِكْمَةَ، صارَ فاسِداً. أفْسَدَ أخْلاَقَ أبْناءِ الحَيِّ : جَعلَها فاسِدَةً .أفْسَدَتِ الفَوْضَى بَهْجَةَ الفَرَحِ : أخَلَّتْ، أَساءَتْ(7).
والإفساد: فعل ما به الفساد، والهمزة فيه للجعل، أي: جعل الأشياء فاسدة، والفساد أصله تحوّل ‏منفعة الشّيء النّافع إلى مضرّة به أو بغيره، وقد يطلق على وجود الشّيء مشتملاً على مضرّة وإن لم ‏يكن فيه نفع من قبل. يقال: فسد الشّيء بعد أن كان صالحاً، ويقال: فاسد إذا وجد فاسداً من ‏أوّل وهلة، وكذلك يقال: أفسد إذا عمد إلى شيء صالح فأزال صلاحه، ويقال: أفسَدَ إذا أوجد ‏فساداً من أوّل الأمر.(8)‏
هناك فرق واضح بين الفعل الثلاثي «فسد» والرباعي «أفسد» وبالتالي بين «الفاسد» و«المفسد»، وبين«الفاسدين» و«المفسدين»، وبين «الفساد» و«الإفساد». نقول في الثلاثي: فسد يفسد فساداً، فهو فاسد، وهم فاسدون. والفساد هو الشرّ والسّوء وارتكاب ما يخالف الفطرة، والفاسد هو الإنسان الذي يقوم بالأفعال القبيحة والمنكرة والباطلة التي تخالف فطرة الله التي فطر عليها النّاس جميعا. ونقول في الرّباعي: أفسد يُفسد إفساداً، فهو مُفسد، وهم مفسدون . والإفساد هو التّخريب ونشر الرّذائل ومحاربة الإصلاح والمفسد هو الذي يخرّب وينشر الرّذائل وبالتالي فهو كلّ من يحارب الإصلاح، والمفسدون هم الذين يقومون بهذه الأفعال التّخريبيّة المدمّرة لصلاح الأرض ومن فيها. فكيف عالج القرآن الكريم هذا الاختلاف؟ 
الصيغ التي وردت بها مادّة «فسد» 
في القرآن الكريم ومدلولاتها
وردت مادّة «فسد» في السّياق القرآني في خمسين موضعا (في سبع وأربعين آية) تارة ﺑﻬيئات الفعل وتصريفاته (الحاضر والمضارع) ، وطورا بهيئة المصدر أواسم الفاعل: 
-1 فأمّـــا الفعل فقد ذُكر في ثمانية عشر موضعا، نحو قـــول الله سبحانه وتعالـــى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ»(9)‏ وقوله تعالـــى: «وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِــهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(10)‏ وقد جاء في صيغته الرّباعيّة «أفســـد» في أربعة عشر مـــرّة لمّا كان الحديث عن الإنسان أي عندما يصدر الفســـاد عن المخلوق المكلّف (ممارسة الفســـاد بإرادة ووعي) وفي صيغته الثلاثيّــــة «فسد» في ثلاث مرّات لمّـــا كان الحديث عن السّماوات والأرض لأنّ الفساد في حقّهما يكون بفعل مؤثّر خارجــــي.
وقد ورد الفعل الماضي بصيغتي: « فَسَدَ، أَفْسَدَ» أربع مرّات لإثبات سننٍ وحقائق متنوّعة كسُنَّة التّدافع  للحفاظ على صلاح النّاس «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ» (11)‏ وحقيقة التّوحيد أي استحالة تعدّد الآلهة «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا» (12)‏ وحقيقة عدم التوافق المطلق بين الحق والهوى أي فساد الكون إذا أُخْضع الحقّ للهوى «وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ» (13)‏ وحقيقة تتعلّق بسياسات ملوك الدّنيا وأمرائها التي يبغضها القرآن الكريم وتتعارض مع فلسفة الاسلام في الحكم «قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا» (14).
أمّا الفعل المضارع من مادّة «فسد» فقد ورد في القرآن في أحد عشر موضعاً متّصلاً بواو الجماعة أو نونها للإخبار عن الجمع، وفي موضعين مجرّداً، ومدلول ذلك أنّ القرآن الكريم أولى الفساد الذي تمارسه الجماعة من الاهتمام أضعاف ذاك الذي يمارسه شخص بمفرده، وفي ذلك إشارة إلى أنّ خطورة الفساد الجماعي والجماعات المفسدة على الكون أعظم من خطورة الفساد الفردي وأنّ نتائج الفساد الجماعي تكون كارثيّة على مختلف أرجاء الأرض.
وقد ورد الفعل من مادّة «فسد» في كلّ السّياق القرآني مبنياً للمعلوم، إشارة إلى كشف اللّثام عن المفسدين وعدم التستّر عليهم، وبيان أحوالهم، وفضح سلوكهم، وذلك لعظيم خطرهم على حياة الأمم والشّعوب.
-2 أمّا بهيئة اسم الفاعل، فقد وردت في واحد وعشرين موضعا في مثل قوله تعالى: «وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (15)‏، وفي قوله: « وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين»(16)‏ وكلّ هذه المفردات مشتقّة من الفعل المتعدّي «أفسد»، ولم تأت مطلقا بصيغة «فاسد» من الفعل «فسد»، إذ لا نجد فيها ذكرا لكلمة «الفاسدين» إطلاقا. ومدلول ذلك أنّ القرآن الكريم اهتمّ أساسا بالمفسدين وأعلن الحرب عليهم وفضحهم لشدّة خطورتهم وما لهم من تأثير سلبي على مجتمعاتهم خاصّة والأرض من حولهم عامّة، في حين لم يذكر الفاسدين بشيء، وهذا يدخل من وجهة نظرنا في طبيعة السّياسة التّربويّة للقرآن الكريم مع النّاس، فمن لم يجاهر بالفساد ولم يسهم في ظهوره ستره القرآن، فلعل ذلك يكون أدعى لصلاح حاله. 
فالفاسد هو منحرف بنفسه ولا ضرر منه سوى أنّه خالف أمر الله. وارتكابه لما يخالف فطرة الله يجعله عرضة لحساب الله يوم القيامة، فإن شاء عذّبه وإن شاء غفر له وهذا مذكور في العديد من آيات القرآن الكريم مع اعتماد مصطلحات أخرى غير مصطلح «فاسد»،على شرط ألاّ يكون لهذه المخالفة أثر سلبيّ على غيره أو على المحيط الذي يعيش فيه، فإن تعدّى الضّرر إلى غيره فإنّ فاعله يصبح مفسدا وليس فاسدا. ويدعّمنا في هذا القول ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : «يا أيّها النّاس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله .... من أصاب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنّه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله»(17)‏ وقوله أيضا: «كلّ أمّتي معافى إلاّ المجاهرين، وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرّجل باللّيل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه، ويصبح يكشف ستر الله عليه» (18)‏.
 أما في حالة المفسد (المفسدين) المشتقّة من الفعل الرباعي، فلسنا أمام مخالفة ناجمة عن ضعف في الإيمان أو زلّة من طبيعة بني آدم (كل بني آدم خطّاء...) وإنّما نحن أمام عمليّة واعية ومقصودة، الهدف منها تغيير التّوازن سواء في الطّبيعة أو في المجتمعات لتحقيق مصالح ذاتيّة ومكاسب على حساب الآخرين (انطلاقا من الدّائرة الضيّقة التي تحيط بالمفسد فمرورا بالمجتمع والدّولة ووصولا إلى كلّ أرجاء الأرض). 
في سياق عملية الإفساد الواعية هذه، التي قد يقوم بها فرد واحد أو مجموعة من داخل المجتمع أو من خارجه، يكون المجتمع في مواجهة مشروع منهجي منظّم يعمل على المدى البعيد لتدمير عناصر قوّة المجتمع ونهب ثرواته وضرب ركائز وحدته مثل تشويه الوعي والعبث بذاكرته وهزّ ثقته بذاته وبهويته، وتشويه معاييره وقيمه النّاظمة ونشر قيم نقيضة لجوهر الإسلام. لهذا كان القرآن الكريم واضح في تصنيفه للفساد والمفسدين، فاستعمل مصطلح المفسدين ولم يستعمل مصطلح الفاسدين. 
 أمّا من حيث الجمع والفرد فقد وردت لفظة «المفسدين» عشرين مرّة، بينما لم ترد لفظة المفسد إلاّ مرّة واحدة في قوله تعالى: «... وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» (19)‏، والمراد باللفظ في هذه الآية جنس المفسدين وليس مفسداً بعينه، فلام التعريف هنا هي لام الجنسية، وهذا يعزز لدينا القول بأن القرآن الكريم يولّى فساد الجماعة وإفسادها من الاهتمام ما لم يول فساد الفرد.  
-3 وأمّا المصدر فذُكر في أحد عشر موضعا، ومثاله قوله سبحانه: «وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ» (20)‏ وقوله تعالى: « ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ»(21)‏. ولم يستعمل القرآن الكريم مطلقا مصطلح «الإفساد» ربّما لأنّ مصطلح «فساد» أشمل منه لأنّه وإن كان مصدر فعل «فسد» في صيغته الثلاثية فهو يعني أيضا نتيجة الفعل في صيغتيه الثلاثية والرباعيّة. فإفْسَادُ العَمَلِ هو إحْدَاثُ الأضْرَارِ بِهِ أو إتْلاَفُهُ وفساد العمل هو نتيجة حتميّة لإفساده. 
ولقد ورد ذكر أغلب ألفاظ الفساد والإفساد في القرآن الكريم متعلًقا بذكر الموضع حيث نلاحظ تلازم اللّفظ مع كلمة الأرض في ثمان وثلاثين آية من مجموع سبع وأربعين من مثل قوله تعالى: «وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا»(22)‏ وهذا يدلّ أن القرآن الكريم ينظر إلى الأرض في معالجته لملف الفساد كوحدة متكاملة لا تقبل التّجزئة، فالفساد لا يعرف الحدود وإن تعدّدت مظاهره، فهو واحد مهما كان الزّمان والمكان، ولهذا يُنْظَرُ إليه كآفة عالميّة لا تهمّ مجموعة بشريّة معيّنة بل تهمّ النّاس جميعا. وهكذا يعطي القرآن الكريم أهمّية أكبر لمحاربة الفساد الشّامل قبل حربه للفساد المحدود في الزّمان والمكان.
خلاصة
من أهمّ ما يمكن استنتاجه من خلال العودة إلى الأصل اللّغوي لكلمة «فسد» والتطرّق إلى الصيغ المختلفة التي وردت بها في القرآن الكريم ومدلولاتها ما يلي:
أ-  أنّ «أفسد» عكس «أصلح» والفساد معاكس للإصلاح وهناك فرق لغوّي واضح بين الفعل الثلاثي «فسد» والرباعي «أفسد» وبالتالي بين «الفاسد» و«المفسد»، وبين«الفاسدين» و«المفسدين»، وبين «الفساد» و«الإفساد» لذا وجب الانتباه في استعمال أي منها عند الحديث عن آفة الفساد.
ب- لم يستعمل النصّ القرآني مطلقا اسم الفاعل من فسد بصيغة «فاسد» وإنّما بصيغة «مُفسد»، فحضرت كلمة «مفسدين» وغابت كلمة «الفاسدين» إشارة إلى أنّ عمليّة الإفساد التي يقوم بها المفسدون إنّما هي بوعي وبقصد وهي الخطر كلّه، أمّا الفاسدين الذين لا يجاهرون بأخطائهم فلا تكون معاملتهم كمعاملة المفسدين. 
ج- أن الفعلين «فسد» و«أفسد» وردا مبنيّين للمعلوم في كلّ السّياق القرآني، في دعوة إلى عدم التستّر على الفساد والمفسدين. 
د- أن القرآن الكريم أولى اهتمامه بالفساد الذي تمارسه الجماعة أكثر من الفساد الصادر عن الفرد في إشارة إلى خطورة الفساد الجماعي وتأثيره على الأرض بمختلف أرجائها وذلك من خلال استعمال اسم الفاعل من فعل «فسد» في صيغة الجمع وليس في صيغة الفرد. 
بعد أن عرفنا معنى الفساد والمفسدين من خلال الأصل اللّغوي لجذع «ف.س.د» ومن خلال الصّيغ المختلفة التي ورد بها في كتاب الله، يحقّ لنا أن نتساءل عن أسباب الفساد ومظاهره وآثاره كما توضّحها آيات القرآن الكريم ومن ثمّ عن المنهج القرآني في مقاومته أو بالأحرى معرفة مهام المصلحين وتحديد أولويّات تحرّكهم في سعيهم الرّسالي لمقاومة الفساد ودحره بما يحقّق الإصلاح والتّوازن المطلوب لإعمار الأرض.
وهذا ما سنتطرق إليه في مقال قادم إن شاء الله.
الهوامش
(1) سورة الأعراف - الآية 142
(2) معجم الغنيّ-موقع «www.almaany.com»
(3)  معجم مقاييس اللّغة - ابن فارس - ص 7
(4) أبار الشيء إذا أهلكه أو أفسده. انظر: لسان العرب ـ ابن منظور ـ ج 4 ص86
(5) لسان العرب ـ ابن منظـــور ـ مجلد عــدد 3 - ص 335 - 336
(6) انظر: مفردات ألفاظ القرآن الراغب الأصفهاني: ص636.
(7) معجم الغنيّ-موقع «www.almaany.com»
(8) تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير(1/284)
(9) سورة محمّد - الآية 22
(10) سورة البقرة - الآية 27
(11) سورة البقرة - الآية 151
(12) سورة الأنبياء - الآية 22
(13) سورة المؤمنون - الآية 13
(14) سورة النمل - الآية 34
(15) سورة الشعراء - الآية 183
(16) سورة المائدة - الآية 64
(17) صحّحه الألباني في صحيح الجامع ص 149
(18) رواه البخاري ومسلم
(19) سورة البقرة - الآية 220
(20) سورة القصص - الآية 77
(21) سورة الرّوم - الآية 41
(22) سورة الأعراف - الآية 85