شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
علالة الفاسي - الفقيه الزعيم
 هو إحدى الشخصيات الأساسية في تاريخ المغرب الحديث وهوأحد أعلام الحركة الإسلامية في القرن العشرين، وأحد روّاد الفكر الإسلامي ذي الخطّ السلفي التجديدي، وهوعالم وأديب وزعيم سياسي مغربي، شارك في مقاومة المستعمر ومعركة الاستقلال والتحرر في المغرب والعالم العربي. وأسّس لذلك حزب الاستقلال. إنّه علال بن عبد الواحد بن عبد السلام بن علال، الفاسي الفهري.
 ولد علال الفاسي أواخر شوال عام 1326هـ/جانفي 1910م ، في مدينة فاس بالمغرب، لأسرة عربية مسلمة عريقة، هاجرت من الأندلس إلى المغرب هربا بدينها من محاكم التفتيش الإسبانية، واستقرت في مدينة فاس. نشأ الفتى «علال» في بيت علم ودين، وتعلّم مبادئ الكتابة والقراءة وحفظ القرآن الكريم في الكتّاب وهو دون السّادسة من عمره، ثم انتقل إلى المدرسة العربية الحرّة التي أنشأها زعماء الحركة الوطنية بفاس القديمة لتعلم مبادئ الدين وقواعد اللغة العربية. وفي عام 1920 م التحق بجامع القرويين، وهي واحدة من أهم جامعات العالم الإسلامي التي حفظت لبلاد المغرب لسانها العربي وثقافتها الإسلامية، فقرأ أمهات كتب العلم الشرعي والتاريخ على يد كبار العلماء حتى تحصّل على الإجازة وشهادة «العالِمية». وبعد التخرج صار يقدّم دروسا تطوعية في مختلف العلوم بجامع القرويين ولم يتجاوز عمره الثانية والعشرين.
برزت شخصية علال الفاسي وهو لا يزال طالبا، ولفت الأنظار إليه بفصاحته وجرأته وقدرته على الخطابة ومعارضته الشرسة للاستعمار حيث انخرط في العمل الوطني في فترة مبكرة من حياته عبر تأسيسه لجمعيّة «القرويين لمقاومة المحتلين». وسطع نجمه أكثر برفضه لمخطّط «الظهير البربري» عام 1930 الذي كان يهدف إلى تجزئة المغرب لغويّا وسياسيّا، مما جعل فرنسا تعتقله ثمّ تفرج عنه وتمنعه من التدريس، فسافر في عام 1933 م إلى إسبانيا وسويسرا، والتقى بعدد من الزعامات التحررية في العالم العربي والإسلامي. ثمّ عاد إلى المغرب ليؤسس أول نقابة للعمال سنة 1936م ويشارك في تأسيس كتلة العمل الوطني السرّية سنة 1937م. ونتيجة لنشاطه المعادي للإستعمار الفرنسي ورفضه العمل تحت مظلّته حيث لم يقبل أن يكون وزيرا للعدل، قررت فرنسا نفيه إلى الغابون في الفترة 1937-1941، وبعدها إلى الكونغو لغاية عام 1946 حيث عاد للبلاد وأسس حزب الاستقلال. ولأجل الدعوة لاستقلال المغرب والدفاع عن قضيته، سافر علال الفاسي إلى العديد من الدول العربية والأوروبية، ودعا الشعب المغربي للثورة ضدّ فرنسا بعد نفيها الملك محمد الخامس عام 1953 إلى جزيرة مدغشقر. وإثر عودة الملك من المنفى وحصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، رجع علال الفاسي لبلاده بعد غياب عشر سنوات قضاها في القاهرة، ليتولى رئاسة حزب الاستقلال، ويُنتخب رئيسا  للمجلس المكلف بوضع دستور للبلاد. تولى وزارة الدولة للشؤون الإسلامية عام 1961، ثم استقال عام 1963 مع باقي أعضاء الحزب في الحكومة واختار المعارضة.
ينتمي علال الفاسي فكريّا إلى الحركة السلفية الإصلاحيّة المناهضة للطرق الصوفية والتواكلية والنزعة الخرافية. إذ كان يؤمن أن الأمة الإسلاميّة لا يمكن لها أن تخرج مما هي فيه من استعمار وتأخّر إلاّ من خلال العودة الواعية للدّين الإسلامي والاستفادة من أخطائها والانفتاح على باقي الأمم والثقافات، ولقد لخّص رؤيته الإصلاحية في كتابه «النقد الذاتي» في ثلاثة محاور: تأكيد الجوهر العقلاني للإسلام، وبناء العقيدة على رؤيا عصرية وإصلاح طرق التربية ومناهجها. وقد طرح في هذا الكتاب مسألة الحرّية على المستويين الداخلي والخارجي إذ دعى إلى النضال في نفس الوقت من أجل التّحرر من الاستعمار من جهة، ومن أجل تحرير الفكر من قيد التقليد ومن ثمّ تنقية المعتقد الديني الإسلامي من شوائب التأخر التي علقت به من جهة أخرى.
يرى الفاسي أن الفكر الرفيع لا تنتجه إلا نخبة مستنيرة من أهل الفكر والثقافة لأنه فكر يُنال بالتحرر من القيود المكبِّلة لعامة الناس، حيث يمتلكه العباقرة بعد طول مثابرة وشدة مراس. يرتبط هذا التفكير أولاً بالواجب، لأن النخبة السياسية والثقافية هي أول من يستحضر الواجب كنواة في أسلوب عملها لبلوغ المقاصد المحددة. ويرتبط ثانيا بالصّراحة. فالفكر إذا لم يصارح مخاطبيه بوضوح وبيان لن يكون فكراً رفيعاً، لأن إخفاء الحقائق على أوسع شرائح المجتمع ومكونات الأمة بدعوى عدم إلحاق الأذى والضرر بها يعد منهجاً خاطئاً على مستوى التفكير والممارسة.
 ويمكن القول أن علال الفاسي في المغرب كان يشبه محمد عبده في المشرق. فقد نهل من سلفيّة المشرق وقرأها من ينابيعها الأولى، كما نهل من سلفية المغرب منذ أن كان طالباً بالقرويين. ورغم سلفيته فقد كان يعارض بشدّة النظرة التقليدية التي ترفض الأخذ عن علوم الغرب وتقنياته. ويؤكد دائما على أهمية الاستفادة من الحضارة الغربية مع العودة إلى السلف الأول كضرورة ملحة ومفتاح لحل مشكلاتنا الراهنة. لهذا لم يلق بالتراث الغربي جانباً، بل كرس جهده لمعرفة أهم تياراته وميادينه، فكان دارساً، متفحصاً وناقداً لمختلف المدارس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأوروبية. لهذا يرى عبدالله العروي أن علال الفاسي لم يكن تقليدياً أو تكراراً لمحمد عبده كما يظن البعض. وإنما كان على معرفة أعمق منه بالفكر الغربي.
رغم انشغاله بالنضال السياسي في عهد الاستعمار وبعده، استطاع علال الفاسي أن يؤلف أكثر من ثلاثين كتابا في مجالات مختلفة، بالإضافة إلى مئات المحاضرات والمقالات والمذكرات والخطب السّياسية والقصائد الشّعرية. ومن مؤلفاته: «النقد الذاتي»، و«مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها»، و«دفاع عن الشريعة»، و«دفاعا عن الأصالة» و«الحركات الاستقلالية في المغرب العربي»، و«صحراء المغرب المغتصبة»، و«الإسلام وتحديات العصر» و«المغرب العربي من الحرب العالمية الأولى إلى اليوم».
توفي «علال الفاسي» يوم الاثنين 20 ماي 1974، في العاصمة الرومانية بوخارست، وهو في مهمة دبلوماسيّة على رأس وفد من حزب الاستقلال.