الافتتاحية

بقلم
التحرير الإصلاح
الافتتاحية
 يصدر العدد 130 من مجلّة الإصلاح قبل أيام قلائل من دخول شهر رمضان المعظّم 1439هـ. وبهذه المناسبة السّعيدة نتوجّه إلى جميع قراء المجلة وكل التونسيين والعرب والمسلمين بأحر التهاني، راجين من الله العلي القدير أن يعيننا على صوم أيام هذا الشهر المبارك وعلى قيام لياليه في الطاعة والتقرب إليه، آملين أن يساهم حلوله في زحزحة حال الأمّة نحو الأفضل وأن يرفع من منسوب المحبّة والتعاون في قلوب أبنائها ويبعدهم عن دوامة التباغض والتناحر وأن ينير طريقهم ويرشدهم إلى مخرج من نفق الظلم والظلام . 
كلّما هلّ علينا هلال شهر رمضان، تتغيّر حياتنا اليوميّة وينعكس ذلك على علاقات بعضنا ببعض وعلى أعمالنا وتصرّفاتنا، وتجدني في كلّ مرّة أطرح عدّة تساؤلات حول الصّوم والصّائمين، هل نحن نصوم في رمضان أم ننقطع عن الطعام؟ وهل نحن بحقّ نحقّق المقاصد السّامية من فريضة الصّوم أمّ نفعل العكس تماما؟ أليس من الممكن استغلال هذا الشهر المبارك لإصلاح ما يمكن إصلاحه في المجال الأخلاقي والاجتماعي؟ 
ليس من السهل الإجابة على هذه الأسئلة لكنّني أطرحها كمحاولة لدغدغة مشاعر من يهمّه أمر الإصلاح وخاصّة أولئك الذين يعتلون المنابر وينتشرون في المساجد طيلة ليالي الشهر المبارك لتقديم الدروس الدّينيّة للنّاس. هلاّ استغلّ هؤلاء الأيمة والوعّاظ الفرص المتاحة لهم في هذا الشهر لكي يساعدوا جمهور المسلمين على التخلّص من مشاعر الإحباط والاضطراب الناتجة في احدى وجوهها عن المفارقة التي ما فتئت تتّسع وبسرعة كبيرة بين ممارساتهم كمسلمين وبين توجيهات الإسلام ومعاييره الأخلاقية والمعنوية. ممّا أفضى إلى أن تكون توجيهات الدين في واد وحركة المجتمع في أغلبه في واد آخر. 
ومن المعلوم أن إتقان العمل مطلب شرعي في جميع الأعمال،فالله تعالى يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه،وهو في منزلتكم أيها الأيمّة والوعّاظ أعظم وأوكد؛واتقان عملكم ليس في حسن الخطابة والبلاغة حتّى يقول الناس إمام بليغ ومعلّم مثقّف وليس في لباس الجبّة والعمامة حتّى يقول الناس شيخ علم وقور وإنّما الاتقان في تحقيق الأهداف التي من أجلها تجمّع الناس حولكم. إنهم يبحثون عن أجوبة مقنعة عن مشاغلهم، أجوبة تنطلق من الواقع ولا يتمّ استحضارها من زمن قديم، أجوبة تبعث فيهم الطمأنينة وتجعلهم يعيشون حياتهم في تناغم وانسجام بين دينهم وتديّنهم، وبين قيمهم وواقعهم.
سنحاول ، نحن من جهتنا، صحبة رجال بررة من مستويات مختلفة،تطوّعوا للكتابة في مواضيع شتّى، كل حسب اختصاصه وعلمه،  أن نبحث عن أجوبة لأسباب تخلّفنا وأسباب  المفارقة التي تحدّثنا عنها بين قيم الاسلام وممارسات المسلمين وأن نتفاعل بوعي وحكمة مع قيم الإسلام كالعدالة والمساواة والحرية ونجدّد علاقتنا بالله بعيدا عن المفاهيم التي كرّستها بعض أنماط التدين التي لا تقدم حلولاً بل تضيف إلى مآزقنا مآزق جديدة.