الافتتاحية

بقلم
التحرير الإصلاح
افتتاحية العدد 120
 عاشت الشعوب الإسلاميّة وخاصة العربية منها ومازالت تعيش لحظات عصيبة وواقعا مريرا بالرغم من المحاولات المتعددة للنهوض، فكلّما ظهرت بوادر للخروج من الأزمة إلاّ وحصلت الانتكاسة من جديد ولم تزدها التّجارب المتعدّدة التي عاشتها في محطّات عديدة من تاريخها مع تغيّر أنظمة الحكم إلاّ مزيدا من التّخلّف والضّياع والتّبعيّة، ولم تعرف للنّهوض من كبوتها سبيلا ولم تجد لعلّة تخلّفها وانحطاطها دواء شافيا ومفيدا. لقد جرّب العرب كلّ أنواع الأنظمة، حزبيّة وعسكريّة وعلمانيّة ودينيّة وغيرها، فلم تقدر على إيجاد البلسم لما يعيشونه من مصائب وبلايا ومحن، بل أنّ الوضع يزداد سُوءاً بعد كلّ عمليّة تغيير. 
فهل كتب على الشّعوب العربيّة الإسلاميّة أن تنتقل من نكبة إلى أخرى ومن كهف مظلم إلى آخر أشدّ ظلاما؟ وهل يعني هذا أنّ هذه الشّعوب هي سبب البليّة وبالتّالي فإنّ فناءها خير من بقائها؟ أمّ أن السّبب يعود إلى خلل في محاولات التّغيير ووعي القائمين عليها وفشلهم في تشخيص الدّاء الذي ينخر جسد مجتمعاتهم ؟ 
إن الدّارس لتاريخ الشّعوب والحضارات يستنتج أنّ عملية نهوض الأمم تسبقها فترات طويلة من التّخلف والمعاناة وأنّ صعود الحضارات رهين أمرين أولهما صحوة الشّعوب وثورتها وثانيهما توفّر القوى التي تُترجم تلك الصّحوة والثورة إلى أفكار ومشاريع وحركة تحدث تغييرا في مختلف مجالات الحياة. ولقد عاشت الشّعوب العربيّة الإسلاميّة لحظات صحوة عديدة خلال القرون الماضية ترجمتها واقعيّا ثوراتها ضدّ الغزو الأجنبي وتمرّدها على سياسات حكّامها، لكنّ تلك الصّحوات وآخرها التي انطلقت شرارتها من تونس منذ ستّ سنوات واستجابت إليها عدّة شعوب عربية، لم تجد من يؤطّرها ويدفعها للسّير في طريق تحقيق بناء حضاريّ يقطع مع التّخلف الثّقافي والضعف الاقتصادي والاجتماعي والتّأخر العلمي والتّبعية السّياسية لقوى الاستكبار العالمي بل ربّما أتت بمن انتكس بها وأرجعها إلى نقطة الصفر.
ونحن إذ لا ننكر دور القوى الخارجيّة في عرقلة نهوض الأمّة وسعيها إلى تأبيد واقع التخلّف والانحطاط، ولا ننكر أيضا دور قوى الثورة المضادّة التي تسعى بكل جهدها مع كلّ انتفاضة أو صحوة شعبيّة إلى الوقوف في وجهها وتغيير وجهتها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصالح وامتيازات ما كانت لتستفيد منها لولا الواقع المتردّي للشعوب العربيّة وهيمنة أنظمة الإستبداد عليها، لكنّنا نؤمن بأن الأسباب الرئيسيّة تكمن في داخلنا أي في ثقافة نخبنا وشعوبنا إذ يصدق فينا قول الشافعي رحمه الله : 
«نعيب زماننا والعيب فينـــــا وما لزماننـا عيــبٌ سوانـــــا
ونهجو ذا الزمــــانَ بغير ذنــبٍ ولو نطـق الزمان لنا هجانـــا
وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا»
لهذا فإنّ تتالي الانتكاسات وعدم قدرة الشعوب العربيّة على النهوض والتّطور والخروج من عنق زجاجة الفقر والتّخلّف وتحقيق الرّقي والازدهار بل وحتّى العيش في كنف الأمن والأمان من دون تناحر ولا اقتتال، يدفعنا للبحث عن جذور المعظلة لتشخيص الدّاء فنلاحظ أنّ للعامل الثقافي الدور الاساسي وبالتّحديد في التّعامل مع الإسلام بوصفه مكوّنا أساسيّا للشّخصية العربيّة وأحد الأعمدة التي انبنت عليها مجتمعاتها.