الإفتتاحية

بقلم
التحرير الإصلاح
الإفتتاحية
 يحلّ علينا عام إداريّ جديد ويرحل عنّا آخر ترك فينا ما ترك من آثار سلبيّة وأخرى إيجابيّة. انقضت سنة 2016 وقد اقتلعت أحلاما وأنبتت أخرى وأسقطت من حساباتنا مشاريع عديدة وبنت في أذهاننا أخرى. زرعت فينا - نحن العرب - مزيدا من الألم ونقصا في الأمل لولا بعض الأحداث وخاصّة تلك التي حصلت في آخر أيامها. أحداث دمّرت قيود اليأس التي كبّلتنا وفتحت لنا نافذة صغيرة في سرداب الظلام الذي دخلناه بإرادتنا وبفعل الآخر فينا، تسرّب من هذه النافذة نور  استطاع - برغم ضآلته  - أن يجعلنا نرى الاشياء على حقيقتها ولو نسبيّا و أعاد لنا البصر بعد أن فقدناه فصار بإمكاننا محاولة النهوض من جديد و التماس طريقنا للخروج من النفق المظلم الذي وجدنا أنفسنا فيه .
ليس كلّ شيء في سنة 2016 يوحي بالظلام ويكرّس المأساة والحزن والألم فقد حدثت فيها أحداث هامّة بعثت فينا الأمل من جديد. صحيح أنه لم يرسخ في أذهان الجميع عن هذه السنة إلاّ صور ملطّخة بالدماء وأشلاء الأطفال والنساء وجثث المدنيين المبثوثة هناك وهنا بشوارع بغداد وريف دمشق وحلب وصنعاء. مدن كانت بالأمس قبلة للزائرين وكتابا مفتوحا لتاريخ حضارة العرب والمسلمين،فغدت  مدن أشباح لم يبق فيها حجر ولا بشر .
صحيح أنّ التاريخ سيذكر أنّ في سنة 2016 واصل زعيم يدّعي «المقاومة والعروبة» تهجير مئات الآلاف من أبناء شعبه إلى خارج وطنهم بدون حقّ وممارسة هوايته في قتل جزء آخر  مستعينا بالأجانب . كما سيذكر التاريخ أن في سنة 2016 واصل بعض الشباب المغرّر به قتل الأبرياء في العديد من مدن العالم باسم دين آخر الأنبياء الذي ما بعثه الله إلاّ رحمة للعالمين وهداية للإنسانية جمعاء لينشر السلام في الأرض ويحارب المتكبرين وينصر المستضعفين. وسيذكر التاريخ أيضا أن اليمنيين يموتون كلّ يوم بقنابل ورصاص عرب مسلمين أمثالهم  وسيذكر أيضا أنّ الصهاينة واصلوا خلال سنة 2016 محاصرتهم لأهالينا في غزّة ومنع كل محاولة لكسر  هذا الحصار.
لكنّ نفس التاريخ سيعلمنا أن في سنة 2016 فشل الانقلاب على إرادة الشعب التركي الذي بعث في بقية الشعوب الأمل بأنّ الوعي والتضامن بين أفراد الشعب الواحد قادر على الانتصار على الدبّابة  وأنّ العزيمة قادرة على التّغلب على السيف.  
سيذكر التاريخ أيضا أن سنة 2016 شهدت انتصار الضحية على الجلاّد من  خلال ما أنجزته هيئة الحقيقة والكرامة  في تونس على درب تحقيق العدالة الانتقالية. وسيذكر خاصّة أن  في آخر هذه السنة استطاع مهندس تونسيّ بدمه أن ينجز ما فشل السياسيون في تحقيقه طيلة سنوات . فقد حقق المهندس محمد الزواري  نتيجة استشهاده على يد المخابرات الصهيونيّة ومن والاهم في بلادنا أمرين أساسيين: الأول، أنّه أبرز علاقة الشعب التونسي بالقضية الفلسطينيّة التي حاول العديد من الدّاخل ومن الخارج طمسها حتّى خال البعض أن التوانسة لا علاقة لهم بفلسطين وأن الشعب التونسي شعب «خبزيست» لا يهمّه سوى لقمة عيشه . لكنّ استشهاد المهندس الزواري أبرز عزّة التونسي وارتباطه الوثيق بالقضية الفلسطينيّة فخرج مندّدا بجريمة الصهاينة النكراء ومساندا لفلسطين ، طالبا تجريم التطبيع،  غير عابئ بغضب القوى العالميّة التي لها نفوذ سياسي كبير في المنطقة وغير مكترث للتهديدات الداخلية والخارجية بتعطيل الاستثمار وعدم المساعدة على تجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها الديار.
والثاني، فقد أظهر للعالم أن المقاومة الفلسطينيّة ليست وحدها على جبهة القتال وأنّ هناك من علماء ومهندسي هذه الأمّة من يضع تحت تصرّفها امكانياته العلميّة من أجل خلخلة أمن الكيان الصهيوني وأن تحرير فلسطين وبيت المقدس لن يبقى كما أراده البعض من مشمولات أصحاب الأرض أي الفلسطينيين لأن أرض فلسطين هي أرض العرب والمسلمين جميعا.
سيكتب التاريخ أن سنة 2016 صنعت أيقونة جديدة اسمها الشهيد محمد الزواري وأن صفاقس التي حاولت أن تستقطب العالم من خلال تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربيّة وصرفت أموالا طائلة وفشلت، نجحت في لحظة فارقة من التاريخ أن تكون عاصمة للمقاومة العربيّة من خلال استشهاد أحد أبنائها.
فهل ستكتب أحداث  العام الجديد في خانة الآلام والأحزان أم في خانة الآمال وتحقيق الأحلام؟ وهل سيكون العام الجديد تواصلا مع سابقيه، فتزداد جراح الأمة تعفّنا؟ أم أن الفرج آت مع مرور أيامه؟ ... «سبّق الخير ... تلقَ الخير»