شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
محمد إقبال: الشاعر والفيلسوف الذي قابل الموت مبتسما
 هو شاعر وفيلسوف وعالم في الفكر الديني والصوفيّ وسياسي ، برعَ وأبدع في جميع المجالات التي دخلها، كوَّن فلسفة خاصة به امتزجت بمنهله الديني الصوفي ومعرفته الغربية معًا فقد نهل من ثلاثة نتابع  القارة الهندية وتأثره بها أولًا، والعالم الإسلامي،ثُمَّ الحضارة الغربية وخاصّة الفلسفة الألمانيّة. أحد المفكرين الطلائعيين للصّحوة الإسلامية ومرشدا لحركة التجديد في الثقافة الإسلامية إنّه شاعر الهند العظيم  والفيلسوف «محمد إقبال».
 ولد محمدّ إقبال ببلدة سيالكوت بإقليم البنجاب الغربي في عام 1877م في أسرة مسلمة  محافظة أصلها براهميّة من الطبقات العليا في المجتمع الهندي، وقد أسلم جدُّه الأكبر قبل ميلاده بثلاثمائة عام، فنشأ إقبال منعَّمًا بالإيمان، ومتعلِّقًا به، وقد حفظ القرآن الكريم، والتحق بمدارس بلدته الابتدائية والثانوية حيث درس اللغة الفارسيّة والعربيّة إلى جانب لغته الأرديّة، ثم التحق بالكليَّة الحكوميَّة.
 كان ينظم الشعر في بداية حياته بالبنجابية ولكن استاذه مير حسن وجهه إلى النظم بلغة الأردو حتى شهد له- شاعرالأردو البارز ميرزا-ببراعة شعره
التحق في العام 1905م بجامعة كامبردج، وحصل هناك على درجة علميَّة مرموقة في الفلسفة وعلم الاقتصاد،ثم انتقل إلى جامعة ميونخ بألمانيا، حيث حصل على الدكتوراه في الفلسفة، وما لبث أن عاد إلى لندن ليحصل على درجة عالية في القانون. عمل في لندن كمدرّس للغة العربية في جامعتها، وحاضر كثيرًا عن الإسلام، فساهم بجهد كبير في نشر الدعوة، وفي المقارنة بين الفلاسفة المسلمين كابن سينا وابن رشد وابن عربي وجلال الدين الرومي، وبين فلاسفة أوربيين: كهيجل ونيتشه، وشوبنهاور.
أعاد إقبال قراءة القرآن الكريم ومحتواه العرفاني وفق رؤية كونية. لم يقنع إقبال فقط بالحضارة الغربية وفلسفتها وهضمهما معًا، وإنما عاد لاجتهادات الأشاعرة وفخر الدين الرازي وابن خلدون وبدأ يفكر كيف يستطيع أن يستوعب الإيمانُ العلمَ دون التَّضاد والتناقض بينهما. 
إنَّ فلسفة إقبال يمكن تلخيصها في أنه حاول وضع المعرفة الدينية (بأبعادها الدنيوية والروحية المتعددة) في صورة علمية قابلة للتجدد والدينامية التي يفرضها عليه الواقع في العصر الحاضر. ولم تمنعه خلفيته الدينية والصوفية من الاستشهاد بفلاسفة مثل هنري برغسون وغيره، وتحليل فلسفة نيتشه، أو الحديث عن كانط وديكارت، باعتبار أنَّ إقبال بالأصل فيلسوفٌ لم يشغله الشِّعرُ عن الفلسفة ولا الفلسفة عن الشِّعر، ولم يشغله ميله الصوفي العالي والهائم عن الفكر وممارسته والإنتاج الفلسفي وحتى الخوض في مشارب السياسة ومآربها. فبعد عودته من أوروبا اشتغل بالسياسة وانتخب عضوًا بالمجلس التشريعي بالبنجاب وأخيرًا رئيسا لحزب مسلمي الهند. ويعد اقبال أول من نادى بضرورة انفصال المسلمين في الهند عن الهندوس وتأسيس دولة خاصّة بهم!..
كان إقبال معاديًا للاستعمار البريطاني، وقد حاول الإنجليز استمالته وإغراءه بالمناصب، فعرضوا عليه منصب نائب الملك في جنوب أفريقيا فرفضه. 
يرى إقبال أنه من الضرورة الانصراف إلى تجديد الفكر الدّيني حتّى نتجاوز كمسلمين قرونا عديدة من «التحجر الذهني». يقول في كتابه «تحجّر الفكر الدّيني في الإسلام»: ««إن المهمة المطروحة على المسلم المعاصر ذات حجم لامتناه. عليه أن يعيد التفكير في مجمل النظام الإسلامي دون أن يقطع كليا مع الماضي». وإحدى الشروط الأساسية في عملية التجديد هي تناول العلوم الحديثة تناولا نقديا: «إن الطريق الوحيدة التي ما تزال مفتوحة أمامنا تتمثل في التعامل مع العلوم الحديثة باحترام لكن بموقف مستقل مع ذلك، وتقدير التعاليم الإسلامية على ضوء ما تمنحه هذه العلوم من إنارات». لكن إعادة الحيوية إلى الفكر الديني ليست - حسب إقبال - مسألة مرتبطة باستيعاب العلوم الحديثة فحسب. بل إن النقطة المحورية والمحدِّدة في ذلك تتمثل في تصور ديناميكي للعالم وللإسلام، أو ما يجب أن يعاد اكتشافة من الكنه الحقيقي للإسلام كمقابل ونقيض للمفهوم الاتكالي المضلل لمسألة القضاء والقدر.
ويصوغ إقبال لهذا الغرض نظرية فقهية قائمة على مبدإ الإبداع المتجدّد: «إن الزمن ككلية عضوية هو ما يعنيه القرآن بعبارة القدر؛ عبارة غالبا ما تم تأويلها على وجه الخطأ سواء داخل العالم الإسلامي أو خارجه. إن القدر ليس شيئا آخر غير الزمن منظورا إليه في ما قبل انكشاف إمكانياته المتعددة».
ونظرا لخلفيّته الصوفيّة، فإنَّ «فلسفة الذات» هي البعد الآخر في فلسفة إقبال حتّى لقّب بفيلسوف  «الذاتية». العروج الروحيّ الذي يعرِّفُ الإنسان على ذاته ومن ثمَّ على إلهه، ثمَّ العروج الروحيّ للأمَّة كلها باعتبارها ذاتًا جمعية. وهكذا مزج إقبال عبر تكوينة المركب فلسفته بفكره الصوفي. يقول:«الإنسان الذي يعرفُ نفسهُ جيدًا؛ يخلقُ المنفعة من الضرر». 
لإقبال 20 كتابا في الاقتصاد والسياسة والتربية والفلسفة والفكر وكتابات ورسائل إلى أصدقاء وأمراء دول وأشعار استحق أن يسمى بسببها (شاعر) ومن أشهر دواوين اقبال : «أسرار إثبات الذات»، «رموز نفي الذات»، «رسالة المشرق»، «ضرب الكليم» ترجمها عبدالوهاب عزام إلى العربية.ومن المؤلفات الفكريّة نذكر «تجديد الفكر الديني في الإسلام» وترجمه عباس العقاد إلى العربية. و«تطور الفكر الفلسفي في إيران» وترجمه للعربية حسن الشافعي ومحمد السعيد.
عاش إقبال بسيطا في حياته يسكن بيتاً متواضعاً، ضعف بصره في نهاية حياته حتى كان لا يستطيع أن يتعرف على أصدقائه!، توفي إقبال في 21 أفريل 1938م، ولا زال صوته يصدح في قلوبنا جميعا:«أنا مسلم؛ ومن شأن المسلم أن يقابل الموت مبتسمًا!»