اقتصادنا

بقلم
نجم الدّين غربال
الواقع الاقتصادي وآفاقه(2) «معيقات النمو الاقتصادي»
 وصلنا في حديثنا عن الواقع الاقتصادي ببلدنا وآفاقه في حلقته الأولى في العدد السّابق إلى الاستنتاجات التالية :
-  لاقتصادنا قُدرة على سُرعة التعافي. 
- الإرادة السياسية القوية مطلوبة لرفع تحدي النمو الاقتصادي.
- الحيلولة دون كل ما من شأنه أن يُعطل آلة الإنتاج.
- تقديرات صندوق النقد الدولي مُشجعة على الاستثمار سواء الداخلي منه أو المُباشر الخارجي بصفة أخصّ والتصدير خاصّة في اتّجاه المنطقة الأوروبية وكذلك على الاستهلاك ممّا سيجعل اقتصادنا يتعافي ويسترجع نشاطه باعتبار أنّ كلّ من الاستثمار والتصدير والاستهلاك هي مُحركات الاقتصاد. 
ولكن هل من عوائق حقيقية قد تحول دون تحقيق نسب نمو مرتفعة في قادم السنين؟
مُعيقات النمو الاقتصادي
مُعيقات النمو الاقتصادي في بلدنا مُتعددة ومُتنوعة منها استمرار تعثر الإصلاحات الهيكلية وضعف ثقافة العمل وتدهور قيمته لدى فئات عريضة من أبناء مُجتمعنا واضطراب حالة السّلم الاجتماعي ومعيقات أخرى منها الإداري والمالي والتشريعي والأمني وغيرها، نقف عندها تباعا.
• إدارة الملف الاقتصادية (البيروقراطية - الشّفافية – ضعف الحوكمة والفساد) 
فقد جاء في سبر الآراء الذي قامت به سيغما (ELKAMETRIE FEV 2016) أن 65 % من التونسيين المستجوبين غير راضين عن إدارة الملف الاقتصادي. وكشف تقرير عن «مؤشر تقدير الفساد لسنة 2015 في العالم» صادر عن منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية أنّ تونس قد خسرت نُقطتين مُقارنة بسنة 2014 وأصبحت رُتبتها 76 من مجموع 167 بلدا شملهم التقرير بنتيجة 38/100 (0 : نتيجة تُسند للبلد الذي يُعتبر الفساد فيه مُنتشر جدا و 100 : نتيجة تُسند للبلد قليل الفساد).
وقد خسرت تونس 25 نُقطة في الترتيب العالمي في موضوع الفساد طيلة الخمس سنوات الأخيرة إذ أنّها انتقلت من 63/100 سنة 2010 إلى 38/100 سنة 2015.
وإن كانت تونس تحتل المرتبة 13 على المستوى الإفريقي مُتقدّمة على كلّ من الجزائر والمغرب ومصر الذين يحتلّون جميعا نفس الترتيب الثامن والثمانين(88) وليبيا في الرتبة 161، إلاّ أنّ هذا لا يعفيها من ضرورة العمل من أجل تجفيف منابع الفساد وبإرادة سياسية قويّة إن كانت تُريد لتوقعات صندوق النقد الدّولي المُشجعة على مستوى النمو الاقتصادي أن ترى النّور.
• ضعف الحرية الاقتصادية
فقد وضع التقرير السنوي الذي أصدرته نشرية «وول ستريت» عن الحرية الاقتصادية تونس في المرتبة 114 من مجموع 178 بلدا شملتهم القائمة بنتيجة 57.6 / 100  
• محدودية الموارد المالية
  إن الاعتماد على المديونية في تمويل العمليّة الإنتاجيّة  مُقاربة مُوغلة في الظرفية والاستسهال لكن تكلفتها المُستقبلية عالية على الأجيال القادمة والحال أنّ نسبة المديونية ما فتئت ترتفع إلى أن بلغت 53 % سنة 2015، فعوضا عن أن نُضحي من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا تجدنا نُفضّل حاضرنا على حساب مستقبل أبنائنا! 
وتعتبر محدوديّة الموارد الذاتية وعدم الاستفادة من الموارد الضّخمة التي يمكن للتّمويل الإسلامي أن يُوفّرها عبر الزكاة والوقف والصّكوك وغيرها وغياب تنوّع التّمويل الأجنبي من معيقات تحقيق النّمو الاقتصادي.
• هشاشة البيئة التشريعية (التشريعات القديمة – البُطئ في المُصادقة على قوانين ومجلاّت جديدة)
فمن شأن عدم الإسراع في المصادقة على قوانين جديدة أن تحدّ من نسب النمو الاقتصادي خاصة مجلة الاستثمار والقانون البنكي وقانون استقلالية البنك المركزي والقانون المتعلق بإفلاس الشركات.
• مناخ الأعمال (هشاشة الاستقرار – ضعف الحوافز – ضعف البني التحتية...)
لعل ما تُلوّح به قوى دوليّة من ضربة محتملة للشقيقة ليبيا قد يزيد من عدم الاستقرار بالمنطقة ككل، ممّا يجعل المسؤولين السّياسيين أمام اختبار حقيقي في إدارة الدبلوماسية الخارجيّة بما يحمي اقتصادنا من دفع فاتورة غير مسؤول عنها.
• التجارة المُوازية
تُشكل التجارة الموازية التي تعتبر خارج الضبط المحاسبي 50 % من الإنتاج الداخلي الخام وهي بذلك تمثل تهديدا حقيقيا قد يقضي على آلة الإنتاج الوطنية. 
• محدودية الاقتصاد الرقمي
استنتاج
مُشجعة تقديرات صندوق النقد الدولي في ما يخصّ مستقبل النّمو الاقتصادي ببلدنا إلّا أنّ ما ينتظرنا تعجز السّماوات والأرض على حمله ولكن قدرنا أن نحمله ونُصبح بلدا صاعدا ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك هدفنا بل وسيلتنا لاحتواء الفقر والبطالة حتى تتحقّق كرامة كل تونسي وتتحقّق بذلك المُواطنة الحقيقية للجميع في أرضنا الطّيبة.
-------
-  رئيس مركز الدراسات التنموية
najmghorbel@gmail.com