شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
الرئيس محمد نجيب
 احترام، يحزنني أن أعلن لأسباب لا يمكنني أن أذكرها الآن أنني لا يمكن أن أتحمل من الآن مسؤوليتي في الحكم بالصورة المناسبة التي ترتضيها المصالح القومية. ولذلك فإني أطلب قبول استقالتي من المهام التي أشغلها، وأني إذ أشكركم علي تعاونكم معي أسأل الله القدير أن يوفقنا إلي خدمه بلدنا بروح التعاون والأخوة.» بهذه الكلمات خطّ ضيف هذا الركن نصّ استقالته من مهامه كأول رئيس للجمهوريّة المصريّة تحت ضغط مجلس قيادة الثورة بزعامة جمال عبد الناصر ليتمّ وضعه تحت الإقامة الجبرية مع أسرته بعيداً عن الحياة السياسية ومنع أي زيارات له، حتى عام 1971 حينما قرر الرئيس السادات إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة عليه، لكنه ظل ممنوعاً من الظهور الاعلامي حتى وفاته. إنّه اللواء أركان حرب محمد نجيب قائد ثورة 1952 المصرية التي انتهت بعزل الملك فاروق ورحيله عن مصر. 
ولد محمد نجيب في التاسع عشر من شهر فيفري 1901 بساقية أبو العلا بالخرطوم، لأب مصري يشتغل ضابطا في الجيش المصري وأم سودانية المنشأ مصرية الأصل. عاش محمد سنوات طفولته وصباه في بيت متواضع بالقرب من الجامع العتيق في الخرطوم. تلقى محمد نجيب تعليمه الأول بكتّاب «وادي مدني» عام 1905 حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة. وبعد أن أتم تعليمه الابتدائي والثانوي بالسودان التحق بـكلية «غردون» ثم بالمدرسة الحربية المصرية وتخرج منها عام 1918، ليعود إلى السودان ضابطا ويلتحق بالكتيبة المصرية هناك. حصل على شهادة الباكلوريا عام 1923 ثم على إجازة الحقوق في عام 1927 وكان أول ضابط في الجيش المصري يحصل عليها. ثم تحصّل على شهادة الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1929 ثم شهادة الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1931. وكان محمد نجيب شغوفا بالعلم ويجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والعبرية.
خدم في الجيش المصري وارتقى في سلمّ الرتب العسكرية إلى أن بلغ رتبة لواء أركان حرب في عام 1950. تشبّع «محمد نجيب» بروح التمرد والثورة على الأوضاع القائمة منذ ان كان ضابطا صغيرا برتبة ملازم ثان بالكتيبة 16 مشاه بالجيش المصرى بالسودان وكانت الروح الوطنية عنده مقدمة على القواعد العسكرية، ولذلك لم يخف إعلان تأييده لسعد زغلول باشا، عندما ذهب مع مجموعة من الضباط الصّغار وهم يرتدون ملابسهم العسكرية إلى بيت الأمة، ليعبروا عن احتجاجهم ورفضهم لنفى سعد زغلول إلى جزيرة «سيشل». 
اشترك في حرب فلسطين  وخاض خلالها 21 معركة وجرح ثلاث مرات كان أخرها في معركة «التبة» في دير البلح في 23 ديسمبر1948.فمنح نجمة فؤاد العسكرية الأولى تقديراً لشجاعته، وعقب الحرب عين مديرا لمدرسة الضبّاط، وتعرف على تنظيم الضبّاط الأحرار من خلال عبد الحكيم عامر وانخرط فيه ليقود عبره ثورة جويلية (يوليو) 1952.
كانت ثورة «يوليو» في بدايتها مجرد حركة عسكرية تصحيحية ، لكنها لاقت قبول الشعب المصري واستقبلتها الجماهير بحفاوة بالغة وأطلقت عليها «ثورة».. فقد كان قائدها رجل شهد له الكل بالشجاعة وكان محمد نجيب هو سر نجاح الثورة.. فقد كان برتبة لواء..أما باقي الضباط الأحرار، فلم يتجاوز أكبرهم سناً رتبة «بكباشي»...وبفضل نجيب تحولت الحركة إلى ثورة، وانتهت بتنازل الملك فاروق عن العرش ومغادرة البلاد، وفي عام 1953 أصبح نجيب أول رئيس للبلاد بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية.
أراد «محمد نجيب» من خلال حركته أن يطهّر الجيش ونظام الحكم من المسؤولين الفاسدين، ثم إقامة حكومة مدنية برلمانية جديدة وإعادة الجيش لثكناته، فأعلن مبادىء الثورة الستة، وحدد الملكية الزراعية، ولكنه اضطر لتأجيل تلك الخطوة مرارا تحت ضغوط زملائه في مجلس قيادة الثورة الذين كانت لهم طموحات أخرى تختلف عن طموحاته، حتى بات رفضه لهذا الوضع واضحا وعلنيا، فقاموا بعزله شيئا فشيئا من دائرة اتخاذ القرار، وحاولوا إقالته مرة فباءت المحاولة بالفشل لغضب الشعب، ثم فرضت عليه الاستقالة ليتم اعتقاله وفرض الإقامة الجبرية عليه وعلى أسرته.
بالرغم من الدور السياسي والتاريخي البارز لمحمد نجيب، إلا أنه بعد الإطاحة به من الرئاسة شُطب اسمه من الوثائق وكافة السجلات والكتب ومنع ظهوره أو ظهور اسمه تماما طوال ثلاثين عاما حتى اعتقد الكثير من المصريين أنه قد توفي، وكان يذكر في الوثائق والكتب أن عبد الناصر هو أول رئيس لمصر، واستمر هذا الأمر حتى أواخر الثمانينيات عندما عاد اسمه للظهور من جديد وأعيدت الأوسمة لأسرتة، وأطلق اسمه على بعض المنشآت والشوارع.
رحل محمد نجيب في هدوء عن عمر يناهز 83 عاما في مستشفى المعادي العسكري بالقاهرة بتاريخ 1 ذي الحجة 1404 هـ الموافق لـ 28 أوت (أغسطس) 1984 م، بعد أن ترك للأجيال العربية كتابا بعنوان «كنت رئيسا لمصر» حمل في طيّاته مذكراته التي خلت من أي اتهام لأي ممن عزلوه .