شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
توحيدة بن الشيخ
 ضيفة ركننا اليوم هي إحدى رائدات تحرّر المرأة التّونسية ورقيّها وهي أول طبيبة تونسية وفي العالم العربي وأوّل طبيبة أطفال نجحت بامتياز في دراستها برغم المصاعب والحواجز الثقافيّة والاجتماعيّة في ذلك الزمان. لم تنتظر صدور مجلّة الأحوال الشخصية ولا فارس تحرير المرأة حتّى تأخذ موقعها الرّيادي في النّضال ضدّ التّمييز بين الرّجل والمرأة ومحاربة الفقر والاستعمار وأثبتت قدرة المرأة التّونسية والعربيّة على منافسة الرجل في الميادين العلميّة المختلفة.
ولدت توحيدة بتونس العاصمة يوم 9 ذي الحجّة 1326 هـ الموافق لـيوم 2 جانفي 1909 من أب ميسور الحال أصيل بلدة رأس الجبل من ولاية بنزرت في الشمال التونسي وأمّ من عائلة بن عمار إحدى العائلات الثّرية بالعاصمة التي ينتمي إليها الطاهر بن عمار، أحد أبرز وجوه الحركة الوطنية التونسية، وقد تولى الوزارة الكبرى وفي عهده تم التوقيع على اتفاقية استقلال تونس حيث كان شخصية رئيسة في الحوار من أجله. 
عاشت توحيدة يتيمة الأب منذ صغرها حيث توفي والدها وتركها في كفالة أمّها التي حرصت على رعايتها وتربيتها مع شقيقيها، وحرصت على تعليمهم دون تمييز بينهم. 
دخلت توحيدة مدرسة نهج الباشا، وحصلت على الشهادة الابتدائية سنة 1922. فواصلت دراستها الثانوية بمعهد «أرمان فاليار» حتى أحرزت بامتياز على شهادة الباكالوريا سنة 1928، وكانت بذلك أول تلميذة تونسيّة مسلمة تحصل على مثل هذه الشهادة. 
ولأنّ توحيدة تنتمي إلى أسرة منفتحة، لم تجد مشكلاً في التوجه إلى فرنسا لتتابع تعليمها الجامعي في دراسة الطب، فالتحقت بكلية الطب بباريس. وبعد ثلاث سنوات من السكنى بالحي الدولي للطالبات، انتقلت لتسكن مع عائلة الدكتور «بورني»، الطبيب والباحث الفرنسي بمعهد «باستور» بتونس، فاقتربت أكثر من الأوساط الثقافية والعلمية الفرنسية. ثم اتّجهت إلى فرنسا رفقة «ليديا بورني»، زوجة الدكتور بورني (Dr. Burnet) الطبيب والباحث الفرنسي بمعهد باستور بتونس..
لم تكن سنة 1936 سنة عاديّة بالنسبة لتوحيدة بصفة خاصّة وبالنسبة إلى المرأة التونسية والعربية بصفة عامّة، حيث شهدت تخرّج أول طبيبة عربيّة مسلمة، وفي السنة الموالية ناقشت وحيدة بن الشيخ رسالتها للدكتوراه في اختصاص طبّ النساء والتوليد. بعد عودتها إلى تونس فتحت توحيدة بن الشيخ عيادتها الخاصّة بـ «باب منارة» بالعاصمة تونس، واشتهرت بعلمها الغزير وإنسانيتها التي ليس لها حدود، إذ كانت تقوم بمداواة الصغار والكبار من ضعاف الحال مجّانا في «باب الجديد» و«باب منارة» بالعاصمة الى أن عرفت بـ «طبيبة الفقراء». 
إلى جانب عملها كطبيبة، كان لتوحيدة بالشيخ نشاط إنساني اجتماعي؛ فكانت منخرطة باكراً في عدد من الجمعيات بفرنسا وبتونس؛ مثل «جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين» بفرنسا. وكانت تستغل كل الفرص المتاحة لتنقل إلى الخارج صورة المرأة المسلمة في المستعمرات الفرنسية ومعاناتها. كما كانت ناشطة بارزة في «الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي»، وأسست غداة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) «جمعية الإسعاف الاجتماعي»، وتولت رئاستها؛ وكانت هذه الجمعية وراء مشروع إقامة «دار الأيتام» و«دار المرأة» سنة 1950. وهو العام نفسه الذي أسست فيه «جمعية القماطة التّونسية للعناية بالرّضع» من أبناء العائلات المعوزة، وتوعية الأمّ وتثقيفها لتكتسب مهارات علميّة وصحيّة في العناية برضيعها. كما شغلت منصب نائب رئيس «الهلال الأحمر التّونسي»، وساهمت في تأسيس «لجنة الإسعاف الوطني التّونسية». وقد تسبّب نشاطها الجمعياتي وانضمامها الى الهلال الأحمر ومدّها يد المساعدة عند الحاجة في القبض عليها وسجنها لمدة شهر تقريبا.
لم يقتصر نشاطها على ممارسة الطّب والعمل المدني فحسب؛ بل إنّها كانت تؤمن بدور الصحافة في التوعية ونشر المعارف الضرورية للصّحة، فساهمت في العمل الصحافي بالكتابة في مجلة «ليلى» الأسبوعية، التي تعدّ أول مجلة نسائية تونسية صادرة باللّغة الفرنسيّة، وتولّت إدارتها عام 1937 إلى أن تحولت المجلة إلى جريدة.
وفي الفترة بين 1955 و1964 عُينّت على رأس قسم الولادة بمستشفى شارل نيكول بمدينة تونس، ثم انتقلت بنفس الخطّة إلى مستشفى عزيزة عثمانة حتّى أحيلت على التّقاعد سنة 1977. وقد ساهمت في الأثناء في تركيز سياسة التّنظيم العائلي. وكلّفت سنة 1970 بإدارة ديوان الأسرة والعمران البشري.
توفيت عميدة الأطباء في تونس توحيدة بن الشيخ في 29 ذو الحجّة 1431 هـ  الموافق للسادس من ديسمبر سنة 2010 عن عمر ناهز 101 سنة؛ بعد أن فتحت صفحة للمرأة العربية أثبتت، من خلالها، أنها قادرة على تحدي الصعاب والانخراط بنديّة مع الرجل في بناء المجتمع والمساهمة الإيجابية البناءة في تطويره والرقي به.