قول الحق

بقلم
فؤاد بوعلي
الفرنكفونية تكشف عن وجهها الحقيقي
 نقلت إحدى القنوات الفرنسية مؤخرا تقريرا عن التعليم في السّويد من خلال طرح الإشكال المؤرّق للسّاسة الفرنسيين بخصوص العلاقة بين الدّين والحياة العامّة، وبلغ استغراب التلاميذ مداه حين أخبر الصّحفي التلاميذ بأنّ الحجاب والرّموز الدينية ممنوعة في المدارس الفرنسيّة، وهو ما ووجّه من قبل التلاميذ والمسؤولين التّربويين باستهجان واستنكار. وهنا نتحدث عن السّويد الدّولة الرائدة في مجال التعليم التي ظلت على الدّوام في المراكز العشرين الأولى في تقييـــم الطّلاب الدّولي ورابع دولة في عدد الحاصلين على تعليم عالٍ والرّتبة الخامســـة عالميّا في تقرير التّنمية البشريّة  لسنة 2011. 
والاختلاف بين النموذجين يعود إلى فهم براغماتي للمواطنة تقوده السّويد وفهم يقوم على الإدماج القسري لكل المقيمين على التّراب الفرنسي بل وإجبار الأتباع على التنميط بالهويّة والثّقافة الفرنسيتين. لذا نجح الأول وفشل الثاني.
كشفت أحداث «شارلي إيبدو» عن حقيقة الفرنكفونيّة وشعارات الحداثة والتّسامح والتعدّد التي سوّقتها آلتها الإعلامية والثّقافية منذ عقود. فالعناوين الأساسيّة لرسالة المنظمة الفرنكفونيّة كما تقرّها أدبياتها «احترام التنوع الثقافي واللغوي والسّلام والتنمية المستدامة»، لم تستطع الصمود في أول اختبار لجوهر الفرنكفونيّة وحقيقتها المتوارية التي لم تنفع مساحيق المجاملات والمساعدات والولاءات من إخفائها. 
فمنذ التّظاهرة التي حجّ إليها الأتراب والأتباع قصد الاحتجاج على الإرهاب الذي مسّ المجلة المغمورة، بدأت التصريحـــات والممارســــات تتوالى في مواجهة مكشوفة ضدّ الإسلام والقيم الحضاريّة الإسلاميّــــة، واضطرّ أبناء الجالية للاختفاء أو التّستر خوفا على حياتهــــم. هذا يحدث في بلد الأنوار الذي أزكمنا بعناوين الحداثة والحرية والديمقراطية. هل يبدو الأمر جديــــدا؟. لا نعتقد ذلك فلفرنسا الاستعمارية بثوبها القديم/الجديد تاريخ من الهيمنة والتّسلّط السّياسي والثقافي على شعوب المستعمرات السابقة. فقيم التّضامن لصالح التّنميــــة، واحترام التّنوع الثّقافي، ودولة القانون والحق، والسّلام والدّيموقراطية، لا تعدو كونها لافتات تستعمـــل حين الحاجة لفرض نموذج قيمي أو سياسي معين.
 ففرنسا استنزفت وما زالت تستنزف خيرات الدّول الإفريقية ومن أجل ذلك خاضت وتخوض حروبا في كل الجهات، وهي كذلك التي تدافع عن الأحادية اللّغوية في بيتها وعن التعدّد في غيرها، وهي التي ساندت الاستبداد والطّغيان باسم الحداثة والعلمنة، وما النموذج التونسي عنا ببعيد، كما تفنّنت في خلق الصّراعات الإقليميّة والجهويّة بين الدّول والأنظمة. وربّما ننسى سريعا النّماذج التي تتراءى لنا بين الفينة والأخرى والتي تثبت أنّ الشعارات المرفوعــــة للتّسويق الإيديولوجــــي تخفي وجــــه التّسلط ورفض الآخر واحتقـــاره والإجهـــاز على مقومات الذّات الوطنيـــة، والذي تجلّى في أبشع صوره في الأدبيّات الاستعماريّة الفرنسيّة القائمة على استئصال الوجـــود الهوياتي الوطني والتي مازالـــت تحتفظ براهنيتهـــا. فقد ذهب (بول مــارتي) في كتابه المنشور سنة 1925 إلى «.. أن كل تعليم للعربية، وكل تدخل من الفقيه، وكل وجود إسلامي، سوف يتم إبعـــاده بكـــل قــــوة؛ وبذلك نجذب إلينا الأطفــــال البربـــر عن طريق مدرستنـــا وحدها، ونبعد، متعمّديـــن، كل مرحلة من مراحل نشـــر الإسلام». و يقول (دي روفيكو): « إني أنظر إلى نشر تعليمنـــا ولغتنـــا كأنجع وسيلـــة لجعل سيطرتنـــا في هذا القطر (الجزائر) تتقدم في إحلال الفرنسيّة تدريجياً محلّ العربيّة»، ودون أن ننسى دوريـــة ليوطي الشهيرة حول لغـــة التّعليـــم بالمغرب؛ حين قال: «إن العربية عامل من عوامل نشر الإســـلام؛ لأنّ هذه اللغـــة يتم تعلّمها بواسطة القرآن؛ بينما تقتضي مصلحتنا أن نطوّر البربـــر خارج نطاق الإسلام» . 
هذا هو الوجه الحقيقي للفرنكفونية، وهذه هي قيمها الحقيقية التي تبعث الآن بعد « 11 سبتمبر الخاص بفرنسا» كما وصفته قناة التلفزة الصهيونية الثّانية التي أضافت بأن الجاليات الإسلاميّة في أوروبا تمثّل «قنبلة موقوتة». هذه هي الفرنكفونية التي تكشف عن وجهها السافر في مسيرة باريس تصدرها أحد أعمدة الإجرام الصّهيوني، وفي المؤخرة ظهر أشخاص يرتدون أزياء الفرسان أيام الحروب الصليبية في القرون الوسطى، وبينهما شعارات مسيئة لرموز الإسلام، مما يدلّ على أنّ الحدث الإرهابي أيقظ روح المواجهة الدّينية ضدّ الإسلام التي ظلت على الدوام المحرك لقيم الفرنكفونية. ومتابعة عرضيّة لما تعرضه القنوات الفرنسيّة يبرز مسار المواجهة والصدّام القديم الجديد. أما الحديث عن المساواة والإخاء والحداثة فما هي إلا لافتات للإيهام وتبرير التسلط على رقاب الأمم وعقولها. 
-----------
-  عالم لسانيات مغربي - 
رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية
fouadbouali5@gmail.com